
“النصر المطلق” الذي ينادي به رئيس الوزراء امتد هذا الأسبوع على لسان تساحي هنغبي، الناطق باسمه، إلى “سبعة أشهر أخرى من القتال في غزة”. لكنه توقع متفائل: لا حاجة لتعليم عسكري كي يفهم المرء بأن إسرائيل في بداية حرب طويلة ومتعددة السنين. تبذل حكومة إسرائيل الآن أقصى جهدها لتضمن اجتيازها، ونحن منعزلون وضعفاء أكثر من أي وقت مضى. من يستهلك معلوماته من قناة التلفزيون التي أعلنت بأن التأييد لنتنياهو يقلل احتمال القتل على أيدي حماس، فهو كفيل بأن يصدق بأن النصر المطلق سيأتي مع تفكيك ثلاث كتائب لحماس متبقية في رفح. لكن (ودون التقليل منها)، غزة أصغر مشاكلنا.
تتحقق أمام ناظرينا رؤيا قاسم سليماني، قائد “فيلق القدس” الذي اغتيل قبل أربع سنوات، رؤيا ستة جيوش إرهاب تقاتل ضد إسرائيل: حماس في غزة، وفي الضفة، وحزب الله في لبنان، وميليشيات شيعية في سوريا وفي العراق، والحوثيون في اليمن. لكن حتى قاسم لم يتجرأ على أن يتخيل انضمام جبهة سابعة إليهم: حرب مباشرة بين إيران وإسرائيل.
الجبهات السبع التي تقف أمامنا هي تحدٍ سيرافقنا سنوات طويلة ويحكم علينا بنظرة مختلفة إلى مكاننا في المنطقة، إلى مبنى جيشنا وإلى توزيع المقدرات القومية. مسألة احتلال رفح، التي جعلها رئيس الوزراء ووزراء الهراء لديه صخرة وجودنا، لن تقلل التهديد المحدق من الجبهات الستة الأخرى.
وقف الجيش الإسرائيلي في نهاية هذا الأسبوع في سيطرة عملياتية في محور فيلادلفيا الذي يفصل بين قطاع غزة ومصر. وتقدمت قوات الجيش الإسرائيلي حتى التلة التي حل بجوارها ذات مرة استحكام جيريت، الذي يشرف على البحر وعلى أحياء شمال غرب رفح. في هذه اللحظة، لم يتخذ بعد قرار حول إذا كنا سنحتل مركز المدينة وغربها.
يوجد في مركز وغرب رفح، حسب التقديرات، عدد غير قليل من المخطوفين الإسرائيليين الأحياء. كل عمل هناك قد يعرضهم لخطر الإصابة بنار الجيش الإسرائيلي أو القتل على أيدي خاطفيهم. وعليه، فإذا ما صدر الأمر، فسيكون الجيش الإسرائيلي حذراً جداً باستخدام ناره، الدرس الذي تعلمناه بثمن أليم منذ بداية الحرب.
في تشرين الثاني 2023 هاجم الجيش الإسرائيلي المجالات التحت أرضية التي كان فيها أحمد غندور، قائد شمال القطاع في حماس. عندما تنفجر قنبلة داخل نفق، فإن احتراق المواد المتفجرة هي موجة من الغاز السام الذي يجرف كل الأنفاق المرتبطة به ويخنق كل من فيها. سلاح الجو لم يأخذ في الحسبان في حينه بأن المجال الموجود فيه غندور يرتبط بنفق آخر فيه مخطوفون إسرائيليون، وأن الغاز السام سيعرض حياتهم للخطر. هذا درس تعلمناه ولهذا فإن القتال في رفح إذا ما كان، سيحاول مراعاة موقع المخطوفين الإسرائيليين.
فيلادلفيا
احتلال رفح كفيل بأن يؤثر على مصير المخطوفين بطرق أخرى أيضاً: رفح رافعة الضغط العسكرية الأخيرة المتبقية لإسرائيل تجاه حماس. فرفض الحكومة محاولة إقامة بديل لحكم حماس في غزة يجعل رفح السوط الأخير المتبقي في أيدي إسرائيل تجاه حماس. بعد أن يرفع السوط وتفكك كتائب حماس المتبقية، فلن يبقى لإسرائيل ما تهدد به حماس. وعليه، فإن التوقف في هذه اللحظة في محور فيلادلفيا سيعطي مهلة للاستيضاح إذا كان ممكناً التقدم في المفاوضات لتحرير المخطوفين.
قبل أن ينسحب غانتس وآيزنكوت، أقر “الكابنت المصغر” للفريق المفاوض إعطاء جواب إسرائيلي سخي لحماس يوافق على تحرير عدد صغير من المخطوفين في الدفعة الأولى من الصفقة، تتضمن مجندات ومدنيات وكباراً في السن. تدرك إسرائيل بأنه سيكون من الصعب ومتعذر تحرير الجنود والشبان، بمن فيهم الجرحى والمرضى، في المستقبل القريب.
قرار احتلال المدينة سينتظر إلى أن يأتي جواب حماس على العرض الإسرائيلي، لكن البقاء في محور فيلادلفيا الآن يثير معضلة أخرى. حتى الآن، اكتشف على طول تسع كيلومترات من المحور أكثر من عشرين نفقاً يقطع بين غزة ومصر. في الجيش جدال يقظ إذا كان من الصواب تدمير الأنفاق التي اكتشفت والانسحاب، أم الاستيلاء على المحور الذي يفصل بين القطاع وسيناء طوال الزمن.
حتى لو احتلت رفح أو لو لم تحتل، سيكون الجيش الإسرائيلي مطالباً لاحقاً للعمل بتواصل في غزة كي يمنع نمو حماس مرة أخرى، التي سبق أن هزمت في المعركة، ولا تؤدي مهامها في هذه اللحظة كجيش منظم. لكن ما بقيت اثنتان من فرق الحسم في الجيش الإسرائيلي غارقتين في غزة، فلا احتمال لإسرائيل لإحداث تغيير في الواقع في الجبهة الشمالية.
إن إنهاء الخطوة القوية في غزة قد يفتح فرصة للمفاوضات على تسوية مع حزب الله. لا يمكن لأي اتفاق مع حزب الله أن يضمن الأمن لسكان الشمال، لكن قد يمنح الجيش الإسرائيلي الزمن للاستعداد للحرب القادمة. جيشنا اليوم مستنزف من ثمانية أشهر قتال مكثفة وساحقة، وقبل أن نقفز بالرأس إلى المعركة التالية فإننا ملزمون بإنعاشه وتعزيز قوته.
فتى التلال يحكم
يخيل لي أن معظم الإسرائيليين يفهمون بأن إسرائيل تحتاج إلى جيش أكبر وأقوى كي تتصدر لما ينتظرها. فالمحيط الشرق أوسطي يرى فينا فريسة سهلة، وبدلاً من تعزيز الحلف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة والدول في المنطقة، فإن هذه الحكومة تفعل كل شيء كي تخربه.
يبالغ فيها وزير المالية، فتى التلال الذي أصبح ملكاً، والذي يخرج عن طوره ليمنع عن الجيش الإسرائيلي التزود بالأسلحة والذخائر الحرجة لخوض الحرب في السنوات التالية. فمن تربى وترعرع وهو يرى في الجيش عدواً، يفكك البؤر الاستيطانية غير القانونية التي أقامها، يصعب عليه أن يشفى من إدمانه ليرى مصلحة الدولة كلها.
إن معظم المجتمع الإسرائيلي يعيد اليوم الانطلاقة الأليمة التي فرضت عليها منذ 7 أكتوبر، ويفهم بأن هذه ليست حملة محدودة أو حرباً قصيرة، بل حرب على حياتنا وستكون طويلة. محق النائب افيغدور ليبرمان، الذي صرخ هذا الأسبوع بأننا نقف أمام عدو وجودي. لكن حكومتنا لا تزال عالقة في 6 أكتوبر وكأن شيئاً لم يكن: كل وزير لا يهتم إلا بجماعته، ورئيس الوزراء لا يهتم الا بمستقبله الشخصي. مع حكومة كهذه، سنرى بأننا في الطريق المؤكد إلى الضياع.
ألون بن دافيد
معاريف 31/5/2024