موافقة حماس على الصفقة.. فخ لنتنياهو وإسفين بين واشنطن وتل أبيب  
2024-05-08
كتابات عبرية
كتابات عبرية

 

بيان حماس أمس بشأن الموافقة على عرض الوسطاء لصفقة تبادل المخطوفين فاجأ نتنياهو. في الأيام الأخيرة، وصلت المفاوضات حول الصفقة إلى أزمة خطيرة. وحتى إن الجيش الإسرائيلي طلب أمس من حوالي 100 ألف من السكان الفلسطينيين إخلاء بيوتهم من شرقي رفح، ما ظهر وكأنه إعداد لاقتحام المدينة. ولكن عندها حدث انقلاب في موقف حماس التي أبلغت مصر وقطر عن موافقتها على الصفقة. هذه صفقة قد تشمل في المرحلة الأولى إطلاق سراح 33 من بين الـ 132 مخطوفاً الذين تحتجزهم حماس مقابل وقف إطلاق النار وإطلاق سراح مئات السجناء الفلسطينيين. ومن أجل ذلك، المطلوب موافقة إسرائيل أيضاً.

علامة الاستفهام الكبيرة تتعلق بطبيعة وقف إطلاق النار. منذ بضعة أشهر والعائق الرئيسي أمام الصفقة هو طلب حماس أن تشمل الصفقة انسحاب قوات الجيش الإسرائيلي ووقفاً مطلقاً للحرب. وطلبت حماس أيضاً مؤخراً أن يشمل الاتفاق ضمانات من الولايات المتحدة، بالأساس إزاء تصريحات يكررها رئيس الحكومة نتنياهو حول نيته أمر الجيش باحتلال رفح. قال المستوى السياسي في إسرائيل أمس إن المصريين والأمريكيين ربما توصلوا إلى تفاهمات مع حماس من وراء ظهر إسرائيل، مع تحديث اقتراح مصري ردت عليه إسرائيل بالإيجاب قبل أسبوعين. بعد ساعات على بيان حماس، أعلن مكتب نتنياهو عن إرسال طاقم عمل إلى دول الوساطة لإجراء المفاوضات، وبدأ الجيش الإسرائيلي في الوقت نفسه العمل في شرق رفح.

هذا يظهر كإشارة أولية من ناحية نتنياهو حول نيته رفض الاقتراح، بعد الرد الإيجابي من حماس (الذي لا نعرف طبيعته حتى الآن). قبل يومين، قال رئيس الحكومة والمتحدثون بلسانه إن وسائل الإعلام الإسرائيلية تلقي عليه تهمة لا أساس لها حول إفشال المفاوضات، في حين أن حماس، حسب قوله، هي المذنبة. الآن يبدو أنه سيقدم رداً سلبياً مرة أخرى. سيتم تبرير هذه الخطوة بادعاءات كثيرة حول الحاجة إلى ضمان هزيمة حماس، وادعاءات مشكوك فيها حول خداع الأمريكيين (تجاه نفس الإدارة التي قدمت له في الشهر الماضي مساعدات أمنية خاصة بمبلغ 14 مليار دولار). عملياً، سيكون لذلك سبب رئيسي واحد، وهو خوف نتنياهو من تفكك حكومته وفقدان قاعدته في اليمين.

في نهاية المطاف، يبدو أن دول الوساطة عملت وفقاً لتعريف دورها؛ فهي عرضت على حماس اقتراحاً سبق لإسرائيل الموافقة عليه، مع بعض التغييرات. لا يوجد هنا قبول مواقف من أحد الطرفين، بل اقتراح وسط آخر كلاسيكي، ما زال مرهوناً بموافقة إسرائيل. وكما قلنا، فإن احتمالية حدوث انعطافة في المفاوضات ما زالت ضعيفة. ولكن ربما نجح رؤساء حماس بردهم الإيجابي في دق إسفين بين إسرائيل والولايات المتحدة. عائلات المخطوفين طلبت أمس من نتنياهو الموافقة على عرض مصر إزاء رد حماس والبدء في إعادة المخطوفين. وقد بقي حتى الآن أن نرى كيف سيرد وزراء “المعسكر الرسمي” في “كابنت الحرب”، غانتس وآيزنكوت، على تغيير موقف حماس وعلى رد نتنياهو السلبي الذي يلوح في الأفق.

ثمة أهمية كبيرة، أخلاقية وإنسانية، لإعادة المخطوفين. ولكن الموافقة على الصفقة الآن لن تشير إلى أي نجاح لإسرائيل أو تراجع لحماس، بل اعتراف بحدود القوة. ليس بالصدفة أن خرج الآلاف أمس إلى شوارع رفح وإلى الأنقاض في خان يونس احتفالاً بالأنباء عن وقف لإطلاق النار. من الواضح أن الاحتفالات تمثل رغبة حقيقية لدى سكان القطاع في تقليص المعاناة التي تسببها لهم الحرب. ولكن يجب الفهم بأن الفلسطينيين لن يعتبروا هذا الاتفاق خسارة، بل سيعتبرونه نجاحاً.

الذي يهم حماس هو إبقاؤها على حكمها في القطاع ووحدته الجغرافية أكثر مما يهما إطلاق سراح سجناء لها. وإن خروج قوات الجيش الإسرائيلي من الممر، في منتصف عملية إطلاق سراح المخطوفين أو في نهايتها، سيعتبر إنجازاً كبيراً لهذه المنظمة الإرهابية. فحماس وكل القطاع تضرروا بشكل كبير، وستبقى الأضرار لسنوات كثيرة. ولكن إذا انتهت الحرب هكذا، فلن يعتبروا هذا هزيمة.

رفح ما زالت ضمن الخطة

صباح أمس، طلب الجيش الإسرائيلي إخلاء الأحياء والقرى في شرق رفح، في المنطقة القريبة من محور فيلادلفيا ومعبر رفح، على الحدود بين القطاع ومصر. هذا تهديد عنيف جداً بعد يوم على موت أربعة جنود بنار صواريخ حماس على كرم أبو سالم. ولكن هذا لا يعني أن إسرائيل ستحتل رفح حتى الآن. في البداية، تم نقل البيانات لمؤسسات دولية ومصر والأردن، وبعد ذلك تم نشر نداءات للسكان بواسطة منشورات ألقيت من الجو ورسائل قصيرة عبر الهواتف المحمولة. تم توجيه هذه البيانات بالأساس إلى سكان المناطق القروية على مداخل رفح. في الساعات التالية، شوهد مواطنون يغادرون المنطقة.

مكتب وزير الدفاع يوآف غالنت، نشر أمس صوراً له مع ضباط كبار في الجيش الإسرائيلي وهو يصادق على خطة عملياتية لمواصلة النشاطات في القطاع. وأوضح غالنت أمس في محادثة مع أبناء عائلات المخطوفين بأنه يجب استئناف الضغط العسكري بغية إجبار حماس على إظهار مرونة في مواقفها. وأعلنت إسرائيل عن توسيع “المنطقة العازلة” في منطقة المواصي، وهي المنطقة الزراعية القريبة من الشاطئ بين خان يونس ورفح، بهدف حث السكان على الانتقال إلى هناك. ولكن الفلسطينيين في القطاع والمنظمات الدولية اشتكوا عدم أهلية هذه المنطقة لخلوها من بنى تحتية مناسبة لاستيعاب المزيد من النازحين من رفح.

إضافة إلى توتر بشأن الصفقة، فإن استمرار الإخلاء القسري للسكان قرب الحدود مع مصر قد يثير توتراً بين إسرائيل والولايات المتحدة والنظام المصري. المصريون يخشون منذ بداية الحرب من كارثة إنسانية تدفع مئات آلاف الفلسطينيين نحو أراضيهم في شبه جزيرة سيناء. في بداية الحرب، حذروا نتنياهو بعد تصريحات بعض الوزراء بشأن طرد سكان القطاع إلى شبه جزيرة سيناء. أي عملية قرب الحدود تحتاج إلى تنسيق مسبق مع المصريين، لمنع أي احتكاك مع الجيش الإسرائيلي.

جهات أمريكية رفيعة، بما في ذلك وزير الدفاع أمريكي لويد أوستن، كررت أمس طلبها من إسرائيل إخلاء حذراً للسكان من رفح إذا كان للجيش الإسرائيلي نية العمل هناك. في محادثات مغلقة، حذر الأمريكيون نتنياهو بشكل فظ أكثر. أمس، جرت محادثة هاتفية بينه وبين الرئيس الأمريكي، الذي طلب من نتنياهو إعادة فتح معبر كرم أبو سالم أمام حركة التجارة، الذي أغلق بعد إطلاق الصواريخ.

 طريقة بسيطة

استمرار القتال في القطاع يصعب التوصل إلى أي اتفاق سياسي يفضي لوقف القتال على الحدود مع لبنان. الجيش الإسرائيلي يقتل يومياً أعضاء من حزب الله ونشطاء في تنظيمات إرهابية فلسطينية بشن هجمات ممنهجة في جنوب لبنان. ولكن حزب الله ينجح في كل مرة في التسبب بإصابات في الطرف الإسرائيلي، بالأساس من خلال إطلاق الصواريخ المضادة للدروع والسلاح الأكثر نجاعة لديه مؤخراً: المسيّرات المتفجرة. هذا ما حدث أمس قرب المطلة، حيث قتل جنديان في الاحتياط وأصيب آخر إصابة طفيفة.

يستخدم حزب الله بشكل عام طريقة بسيطة، ولكنها ناجعة جداً. في البداية، يجري طلعة لمسيّرات صغيرة لغرض التصوير، التي توثق بدقة منطقة الحدود والأهداف، بعد ذلك يتم إرسال مسيرة هجومية، “انتحارية”، تهاجم الهدف وفقاً لمعلومات استخبارية. وحقيقة أن الأمر يتعلق بأدوات صغيرة تطير لمسافة قصيرة نسبياً وارتفاع منخفض، تصعب على الجيش الإسرائيلي تشخيصها وإسقاطها. في بعض الحالات لا يتم تشغيل صفارات الإنذار قبل ضرب المسيّرة. ومعظم خسائر إسرائيل كانت في الفترة الأخيرة جراء هجمات المسيرات. وفي الحالات التي لا يتم فيها الحفاظ على الانضباط العملياتي المطلوب في أوساط القوات المدافعة يكون الضرر أكبر.

 

بقلم: عاموس هرئيل

هآرتس 7/5/2024



مقالات أخرى للكاتب

  • "تجنيد الحريديم".. بين مناورات نتنياهو والمانع القانوني ورفض غالانت وتراجع غانتس لأن "الزمن تغير"  
  • إلى أي مدى تبرز تصريحات غالانت خط الانكسار داخل قيادة إسرائيل؟  
  • هل تتحول إسرائيل إلى ساحة صراع بين اليهود والوسط العربي؟  






  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي