“الجزيرة” تنشر “فيلم رعب”.. والمتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي: كانوا في ساحة شهدت قتالاً من قبل!
2024-03-24
كتابات عبرية
كتابات عبرية

جدعون ليفي

انطلق أربعة أصدقاء على طريق من الرمال سويت بالأرض بعد أن كانت بيوتاً ذات يوم. يسيرون بخطى واثقة، لا يظهر أنهم خائفون، يحثون السير بين حين وآخر. سلاسل الدبابات حرثت الطريق. لا نعرف وجهتهم. الدمار يرافقهم على جانبي الشارع، أيديهم مكشوفة، غير مسلحين. حي السيخة في خان يونس كان هنا ذات يوم، وهنا باتت أنقاضه. يتحدث أحدهم مع حركة يد. لا نعرف ماذا كانوا يتحدثون.

فجأة، أطلقت صليات من السماء، سحابة من الرمال والدخان علت الأربعة. عندما تبدد الدخان، تبين مشهد لجثتين ممزقتين وأشلاء من اللحم البشري. تستمر المسيّرة في التصوير. مثل طائر الرماد، ينهض أحدهم من بين الأنقاض ويبتعد. يحاول الهرب والنجاة بنفسه. لكن سيره يتعثر. المسيّرة له بالمرصاد. الجندي الذي يوجه المسيرة لا يتنازل. هذا الشخص ركض تلاحقه كاميرا المسيّرة. بات نقطة سوداء صغيرة تركض بذعر. لا وجه أو أيدي أو أرجل. نقطة سوداء تهرب للنجاة بنفسها.

لاحقته الكاميرا ووضعته على الهدف، والآن يمكن رؤيته بوضوح. يمشي ويتعثر، لكنه يحمل ملابس أو شيئاً بين يديه. انطلق صاروخ مرة أخرى. نار ودخان تصاعد. أصيب مرة أخرى. دخان أبيض يتبدد ببطء، والكاميرا تحركت يساراً. الناجي الثاني يعرج إلى درجة أنه انهار فوق الرمال. انتقل إلى حالة زحف واستلقى بما بقي له من قوة. كانت الثواني الأخيرة له. الجيش الإسرائيلي لا يترك المصابين؛ وصل الصاروخ الرابع أثناء زحفه. سحابة دخان أخرى، تظهر من خلفها جثة أخرى. ابتعدت الكاميرا عند نهاية فيلم. الجثث الأربع مرمية فوق الرمال مثل أربعة صراصير تم هرسها. غبار أسود يحيط بها. ما الذي فكروا فيه عندما ذهبوا إلى حتفهم؟ ما الذي حلموا في أن يأتي في اليوم التالي للحرب؟ ما الذي افترضوه عندما ذهبوا؟

نشرت قناة “الجزيرة” الفيلم الخميس الماضي، وإسرائيل تثاءبت يوم الجمعة. “جهاز التحقيق التابع لهيئة الأركان، “الموضة الأخيرة في مجال الطمس”، يقوم بفحص الفيلم”. يبدو أننا لن نسمع عنه شيئاً. في نهاية المطاف، الجيش الإسرائيلي لا يطلق النار على غير المسلحين، خصوصاً بشكل متعمد. “المنطقة التي تم توثيق الفيلم فيها هي منطقة قتال في خان يونس، شهدت القوات فيها صدامات كثيرة مع المخربين الذين يتحركون في منطقة القتال بملابس مدنية”، هكذا كان رد المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي.


الجنود الذين أطلقوا النار من خلف الشاشة، ارادوا أن يخدموا في الجيش خدمة مهمة، حصلوا عليها. في الحقيقة، الأكثر أهمية من قتل أشخاص وهم يهربون بالصواريخ الموجهة عن بعد، أنهم سيحملون معهم ذكرياتهم وتجاربهم من الحرب، ربما يندمون ذات يوم وربما لا. ربما كان ضحاياهم من مقاتلي حماس، وربما كانوا أبرياء ذهبوا لإحضار الطعام لعائلاتهم الجائعة. هذه شكوك لم يكن بالإمكان سماعها من وراء شاشة الطائرة المسيرة. وحتى لو ثبت أن هؤلاء الأربعة ذهبوا لإحضار الطعام وهم جنود في جيش الخلاص الخيالي لغزة، فإن ضمير أحد منهم لن يؤنبه. في نهاية المطاف، الحادث كان وراء جبال ظلام الوعي الإسرائيلي، وربما كان على الحدود بين الهند وباكستان. في لحظة واحدة، كان هناك أشخاص على قيد الحياة وبعد لحظة أصبحوا أمواتاً. ماذا حدث، هكذا هو الأمر في الحرب، وليس هناك ما نفعله.

القارئ دان ليفي، الذي لا أعرفه، فكر في أغنية “عين في السماء” (Eye In The Sky) هكذا يسمى مشروع الن بيرسونس، وقد غنتها بشكل مدهش أيضاً المغنية احينوعم ميمي، جاء فيها “أنا العين التي في السماء/ التي تنظر إليك/ تقرأ أفكارك/ تخلق القوانين/ تعالج الكسالى/ تخدعك بسهولة/ لا أريد أن أرى أكثر كي أعرف ذلك”.

هذه الأغنية مهداة لمن ضغط أو ضغطت على الزر وقتل أو قتلت الأشخاص الأربعة بين أنقاض خان يونس.

هآرتس 24/3/2024

 



مقالات أخرى للكاتب

  • هل سيكون حزيران المقبل شهر استقالات قادة الأجهزة الأمنية؟  
  • هكذا نقل نتنياهو اليهود من "الوصايا العشر" إلى ضربات قصمت ظهر الدولة   
  • هل حققت إسرائيل هدفها بضربها راداراً للدفاع الجوي في أصفهان؟  






  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي