بين السياسي وأتباع "الخطة الإلهية": هل تقف إسرائيل على شفا حرب أهلية؟  
2024-03-22
كتابات عبرية
كتابات عبرية

 

تعيش إسرائيل في صراع داخلي منذ حرب الأيام الستة، بين الذين اعتبروا المناطق المحتلة وديعة لتسوية النزاع مع العالم العربي، وبين القوميين المسيحانيين المتطرفين الذين اعتبروا الانتصار في الحرب خطوة في الطريق إلى الخلاص.

مظاهر الصراع تفاقمت مع مرور الوقت كلما أعادت إسرائيل مناطق في إطار اتفاقات السلام مع مصر والأردن، خصوصاً في اتفاقات أوسلو مع م.ت.ف. مستقبل الانقلاب النظامي وأحداث 7 أكتوبر هي التي ستحسم إذا كان المجتمع الإسرائيلي سيخطو الخطوة الأخيرة ويدخل إلى حرب أهلية عنيفة. لإدراك ذلك، يجب فهم كيف يعتبر كل طرف هذه الأحداث في إطار عقيدته الأساسية، وفي سياق إقامة دولة إسرائيل، جوهرها ووجودها.

الأسطورة المسيحانية لأعضاء “غوش إيمونيم” على أجيالهم، من مدرسة الحاخام كوك والحاخام أبراهام إسحق هكوهين (هرايا) والحاخام تسفي يهودا هكوهين، هي أسطورة مميزة، لا تنبع من عمق المشكلة واليأس الذي يولده التوق إلى مستقبل أفضل مع قدوم المسيح، بل من رؤية معاكسة.

ليس الشعور بالفشل هو الذي يحركها، بل الشعور بالنجاح والتحقق قبيل الخلاص. حسب هذه الرؤية، فإن هناك أوقاتاً تنبت فيها بذور الخلاص أمام أعيننا، الأمر الذي يسمى “علامات نهاية المنفى”: مثلاً، وعد بلفور، وقرار التقسيم، والانتصار في حرب الاستقلال وحرب الأيام الستة، كل ذلك يظهر أن الله قرر تخليص شعب إسرائيل ويعد بالخلاص.

عندما سئل الحاخام العسكري الأول شلوم غورين في حينه، كيف يرى دولة إسرائيل تندمج في حلم الخلاص المسيحاني لشعب إسرائيل، أجاب: “الشريعة تنفي إمكانية وضع مؤقت في العملية التاريخية، وتعترف بثلاث فترات فقط: الأولى، من احتلال البلاد على يد يهوشع بن نون وحتى دمار الهيكل. الثانية، فترة الشتات. والثالثة، الفترة المسيحانية. أؤمن بأننا الآن في بداية هذه الفترة، وبأننا سنحظى برؤية إقامة الهيكل” (“يديعوت أحرونوت”، 16/4/1965).

القدرة على تشخيص الخطة الإلهية و”علامات نهاية المنفى” لا يتمتع بها إلا أعضاء هذه المجموعة. كما فسر الحاخام تسفي يهودا هكوهين التصويت في الأمم المتحدة على قرار التقسيم: “من شارك في جلسة الأمم المتحدة عندما قرروا إقامة دولة إسرائيل، وكانت له عيون حقيقية، رأى من هو الرئيس الحقيقي في تلك الجلسة. لم يكن تريجفيلي، مندوب السويد الذي جلس هناك حاملاً المطرقة، بل الله هو من كان يجلس هناك، وقرر: الأرجنتين – نعم. بوليفيا – لا. البرازيل امتنعت. في النهاية إجمالي الأصوات – نعم (موقع الكلية “أضواء إسرائيل”).

إن علامات نهاية المنفى هي المراحل التي تدل على نجاح ما دامت مستمرة في الظهور. هذا نجاح محظور وقفه. لماذا؟ لأنه حسب تفسير الحاخام، فالإنجازات التاريخية وحدها، حتى النجاح المطلق، هي حجر الفحص الواضح في كل مرحلة لصدق المسيرة المسيحانية. كتب الحاخام شمطوف ايفن غاؤون في القرن الرابع عشر: “لن يتضح ذلك إلا بالنجاح”، كما كتب الرمبام.

ما هو النجاح؟ هو كما وصفه حنان بورات: “ليس تجميع الشتات وقيام الدولة وأمنها سوى مدماك أول. أمامنا أهداف كبيرة هي جزء لا يتجزأ من الصهيونية، على رأسها إقامة مملكة كهنة وأمة مقدسة، وإعادة الهدوء إلى صهيون وإقامة مملكة داود وبناء الهيكل، كنقطة بداية لإصلاح العالم”.

على خلفية هذه الرؤية، يمكن فهم الانقلاب النظامي ومحاولة التشريع لحكومة نتنياهو الحالية، التي يديرها سموتريتش وبن غفير وأعضاء أحزاب الائتلاف. هذه استهدفت إزالة العقبات من الطريق إلى سيادة يهودية في كل أرض إسرائيل: خصي السلطة القضائية وعلى رأسها المحكمة العليا، وشل قدرتها على العمل ضد قرارات الحكومة، حتى لو كانت مناقضة لقيم وثيقة الاستقلال وقوانين الأساس والقانون الدولي؛ وإزالة الشروط التي ستمكن المعارضة من استبدال الائتلاف في الانتخابات؛ وكم أفواه وسائل الإعلام المستقلة والمنتقدة، والسيطرة عليها حتى تجنيدها بالكامل؛ وقمع من يقفون ضد سياسة الحكومة وما شابه.

التفسير الذي يعطيه المسيحانيون لـ 7 أكتوبر يشبه تفسير الكارثة. الحاخام تسفي يهودا يشرح بأن الكارثة جزء من الخطة الإلهية. وله تفسير يعارض تفسير الحاخام من ستاتمر والحاخام يوئيل تايتلبويم الذي اعتبر الصهيونية الحديثة سبباً في الكارثة، لأنها خرقت الثلاثة أيمان التي حلّف بها الله الشعب اليهودي عند خروجه إلى المنفى، على رأسها “لا تتسلق الجدار”، الذي يعني تحريم تسريع النهاية وواجب انتظار قدوم المسيح بهدوء. تفسير الحاخام تسفي يهودا للكارثة يعتمد على الغمارة التي تضيف يمين إضافية: “عدم إبعاد النهاية”، أي يجب الامتناع عن القيام بأفعال تؤدي إلى ابتعاد الخلاص. بناء على ذلك، حدثت الكارثة لأنه في الوقت الذي فتحت فيه العناية السامية الباب وأظهرت بأن الله يريد أن نذهب إلى أرض إسرائيل، لم يهاجر اليهود “في فترة الانتداب”، وبذلك خالفوا القسم الإلهي وعوقبوا: “شعب إسرائيل تم أخذه وقطع من أعماق المنفى إلى دولة إسرائيل. سفك دماء الستة ملايين هو قطع فعلي للجسد الوطني. كل الشعب تعرض لجراحة سماوية على يد المفسدين، ليمحو الله اسمهم” (الحاخام هراتسيا، “أرض الظباء”).

لكن هناك مقابلاً للمعاقبين على صورة عودة إلى مسار الخلاص الذي هو قلب هدف الشعب اليهودي كما يواصل الحاخام هرتسي يهودا ويشرح: “من خلال هذا القطع الوحشي… يتبين موضوع حياتنا، إحياء الأمة والبلاد”. من الواضح أنه إذا زل شعب إسرائيل مرة أخرى ولم يستغل “حقيقة” أن الله قاده إلى النصر في حرب الأيام الستة واحتلال كل البلاد، وأوقف أعمال الاستيطان وفرض السيادة اليهودية على كل البلاد، فسيحل به عقاب لا يمكن تحمله”.

بهذه الروحية تم تفسير المذبحة التي نفذت ضد سكان النقب الغربي في 7 أكتوبر. فقد كتب البروفيسور يوئيل اليتسور بعد أسبوع على ذاك السبت اللعين في موقع “سيروغيم” بأن المذبحة التي نفذتها حماس هي جزء من الخطة الإلهية للإسرائيليين الذين يجلبون الكوارث على شعب إسرائيل ويفشلون الخطة الإلهية. وقد ربط بين المذبحة، والعلمانية وعدم الدفع قدماً بفكرة “أرض إسرائيل الكاملة”، أي أن الله استخدم حماس كما استخدم النازيين من أجل المس بمن يرفضون التعاون مع خطته.

وقد استكمل ذلك وزير المالية سموتريتش عندما قال في مقابلة مع “كان 11” في 1/1/2023: “ربما كان يجب علينا أن نحصل على هذه الضربة القاسية والمؤلمة كي نتذكر أنفسنا للحظة”. أي أن هذا حدث كي يتذكر الشعب اليهودي هدفه في المسيرة المسيحانية. وثمة علامة تحذير هنا: الاستخدام الإلهي بحماس لمهاجمة إسرائيل، هو الذي مكن إسرائيل من إصلاح “الخطأ” الموجود في خطة الانفصال التي شوشت على الخطة الإلهية، ومن أجل إعادة احتلال قطاع غزة.

ولاستكمال الإصلاح، كما يكثر المسيحانيون القول مؤخراً، يجب استئناف استيطان اليهود في قطاع غزة وإجلاء سكانه وضمه لإسرائيل. سيكون هذا إنجازاً له أهمية تاريخية، وسيبرر العدد الكبير من القتلى في صفوف الجيش الإسرائيلي. وكما قالت الوزيرة أوريت ستروك: “العودة إلى قطاع غزة ستنطوي على عدد كبير من الضحايا، لكن الحديث يدور في نهاية المطاف عن جزء من أرض إسرائيل. وهذا سيحدث عندما ينضج شعب إسرائيل لذلك، للأسف الشديد، هذا سيكلف ثمناً دموياً” (القناة 7، 21/3/2023).

ويرى المسيحانيون في الحرب على غزة فرصة لتصعيد الإرهاب اليهودي ضد الفلسطينيين في الضفة لوصول الأمر إلى مواجهة شاملة، التي سيتم في نهايتها إقصاء السلطة الفلسطينية ويقف الفلسطينيون في الضفة الغربية وغزة أمام الخيارات الثلاثة التي تشملها خطة الحسم التي أطلقها سموتريتش في 2017: “من يريد الهرب فليهرب، ومن يريد التسليم فليسلم، ومن يريد المحاربة فليفعل ذلك”.

من هنا، فإن عودة سيناء لمصر ونقل مناطق أ و ب للسلطة الفلسطينية وخطة الانفصال وإخلاء البؤر الاستيطانية غير القانونية، كل ذلك علامات معاكسة لـ “نهاية المنفى”. وهي تدل على أن نهاية العملية ليست النجاح في “وراثة البلاد”. لذلك، قالت ستروك في المقابلة إن عودة المستوطنين إلى “حومش” التي تم إخلاؤها في عملية الانفصال هي “نقطة أرخميدس”، التي يبدأ الإصلاح منها لخطأ الانفصال والانسحاب بشكل عام. “دولة إسرائيل تصعد مرة أخرى إلى الطريق الصحيحة للتقدم، بدلاً من طريق الانسحاب التي كانت سابقاً. أي أن الحرب في غزة هي استمرار لعملية الإصلاح التي تقودها الحكومة الحالية بكل ثمن. بالنسبة لها، فإن أحداث 7 أكتوبر واحتلال القطاع، دليل على ذلك.

في المقابل، الجمهور العلماني اليهودي في إسرائيل يعتبر أحداثاً مثل تصريح بلفور، علامة على الطريق في إقامة والحفاظ على وجود دولة للشعب اليهودي في وطنه، مع الاستناد إلى مبررات سياسية وتاريخية وقانونية وأخلاقية، حتى لو كان بعضها يختلف عن التي رافقت إقامة دول قومية أخرى بعد الحرب العالمية الأولى. هذا الجمهور يعتبر إسرائيل “الملجأ الآمن” للشعب اليهودي، الذي يعيش على خلفية قيم وثيقة الاستقلال، وعلى رأسها الديمقراطية والمساواة والعضوية في المجتمع الدولي.

هذا الحلم الذي بدأ في رؤية “الآباء المؤسسين” للدولة سيكف عن الوجود إذا نجح الانقلاب النظامي. قد يوجد الآن فقط في الانفصال السياسي عن الفلسطينيين في إطار فكرة الدولتين. بناء على ذلك، فإن أحداث 7 أكتوبر تعتبر ثمناً كان يمكن منع دفعه، وهو ثمرة فجة لسياسة نتنياهو وأحلام أعضاء حكومته المسيحانية. في الحقيقة، تشير الاستطلاعات إلى انخفاض تأييد حل الدولتين في المجتمع اليهودي، لكن ما زال هناك أغلبية في المجتمع تؤيد الانفصال عن الفلسطينيين.

هذه الرؤية تحظى بالدعم الكبير من المجتمع الدولي. عقب الثمن الباهظ والزائد الذي جبته أحداث 7 أكتوبر والحرب في غزة من إسرائيل وإزاء دمار قطاع غزة مع أكثر من 100 ألف قتيل ومصاب وتصعيد إقليمي، أدرك المجتمع الدولي بأن عليه لعب دور نشط أكثر من أجل تطبيق حل الدولتين. هكذا مثلاً أعلن وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل، عندما قال إن حل الدولتين يجب فرضه على الطرفين من الخارج (13/1).

التقسيم الأيديولوجي إلى جمهورين يدل على أن مفاهيم “اليمين” و”اليسار” لم تعد ذات صلة بالمنظومة السياسية والمجتمع في إسرائيل. وقد تكون كطرفين في تسلسل واحد، يقوم على حلم مشترك – لكن هذين الجمهورين في إسرائيل لا حلم مشتركاً بينهما. مناحين بيغن، اليميني، كان يطمح إلى تطبيق حلم أرض إسرائيل الكاملة. ولكنه التزم في 1972 بحلم “الآباء المؤسسين”: “الصهيونية… هذه هي أسسها في أرض إسرائيل، التي لا ينازعنا في حقنا أحد فيها، ستكون أغلبية يهودية وأقلية عربية ومساواة في الحقوق للجميع. لم ولن ننحرف عن هذه العقيدة التي تنطوي عليها عدالة قضيتنا”.

على حكومة إسرائيل تبني أقوال إسحق رابين، “ضد رؤيتهم الأساسية، التي تناقض أساس الديمقراطية في إسرائيل، كان يجب النضال أيديولوجياً كي يكشف المعنى الحقيقي لموقف “غوش إيمونيم” وطرق عملها، ويؤدي إلى عملية اتفاق دائم مع الفلسطينيين” (من خلال سجل الخدمة).

 

شاؤول ارئيلي

هآرتس 22/3/2024



مقالات أخرى للكاتب

  • هل سيكون حزيران المقبل شهر استقالات قادة الأجهزة الأمنية؟  
  • هكذا نقل نتنياهو اليهود من "الوصايا العشر" إلى ضربات قصمت ظهر الدولة   
  • هل حققت إسرائيل هدفها بضربها راداراً للدفاع الجوي في أصفهان؟  






  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي