الاستخبارات الإسرائيلية تسائل نفسها: هل قتلنا مروان عيسى؟  
2024-03-12
كتابات عبرية
كتابات عبرية

 

“الروح الشريرة وذات الأرواح السبعة لروحي مشتهى، تجعلنا نكون متواضعين وأقل ثقة بأنفسنا قبل أن نرى جثته”، قال أمس مصدر استخباري كبير. “لأن جثة مشتهى كنا واثقين من أنها ستسحب من تحت الأنقاض، ونراه يخرج جريحاً، لكنه حي، وبسرعة شديدة عاد أيضاً ليكون إلى جانب السنوار في القيادة مفعماً بنزعة الثأر. ومنذئذ نحذر من أقوال قاطعة ما لم تكن المعلومة الاستخبارية دون المستوى المطلوب، ولا سيما إذا جاءت من تحت الأرض. لكن واضح أننا سيسرنا القول أيضاً “مبارك دايان الحقيقة”.

في 16 تشرين الثاني كانت إسرائيل واثقة من أنها عثرت وأصابت منظومتين تحت أرضيتين لحماس. في إحداهما، وحسب الاستخبارات، كان قتل قائد اللواء الشمالي للمنظمة أحمد غندور، مع مسؤولين آخرين. وفي المنظومة الثانية، اختبأ كبار الذراع السياسية لدى حماس، بينهم روحي مشتهى، أحد الأشخاص الأقرب للسنوار، وكان معه لسنوات طويلة في السجن.

في نهاية الأمر، تبين بالفعل بأن غندور وآخرين كانوا في المنظومة الأولى، لكن كان معهم مخطوفون، وهم أيضاً، أغلب الظن، قتلوا في الهجوم أو في الوضعية التي نشأت في النفق. الهجوم على المنظومة الثانية نجح جزئياً، وأصيب مشتهى، لكنه خرج زاحفاً من بين الأنقاض، بل وعاد إلى النشاط.

الجيش الإسرائيلي وأسرة الاستخبارات أيضاً – أمان والشاباك، يقولون إنهم تعلموا الدرس مرتين: ألا يعلنوا عن موت المسؤول إلى أن يؤكد الطرف الآخر، حماس، بنفسه، واستباق فحص استخباري متصلب لإمكانية وجود مخطوفين بجوار الهدف. أمس، صحيح حتى نزول هذه السطور إلى المطبعة، كان لدى الطاقم المشترك من “أمان” و”الشاباك” الذي عني بالعملية في الأشهر الأخيرة، بضعة مؤشرات على أن عيسى أنهى رحلة القتل التي كرس لها حياته، لكن في ظل عدم وجود بيان من حماس، بقي صامتاً. يقدر “أمان” و”الشاباك” باحتمالية عالية أنه لم يكن في المنطقة مخطوفون. في الوضع الحساس، بعد 7 أكتوبر، لن يعلن أحد عن ذلك بالتزام كامل.

بضعة صواريخ شديدة الانفجار أصابت أهدافاً قريبة، لكنها غير متشابهة ومستهدفة بعناية في منطقة حي سكني في مخيم النصيرات للاجئين في وسط القطاع، وفي النقاط التي قسم منها على الأقل هو فوق مسار الأنفاق في تلك المنطقة. اجتمعت جماعة من حماس في تلك اللحظة في واحدة منها. وشارك في هذا الاجتماع نائب قائد الذراع العسكري، مروان عيسى، واحد من كبار حماس غزة الستة الأوائل الذين اثنان منهم – غندور ونوفل – قتلا في عمليات اغتيال سابقة نفذها الجيش الإسرائيلي. كان عدد آخر من المسؤولين إلى جانب عيسى، أهمهم غازي أبو طماعة، قائد لواء سابق في حماس ومسؤول اليوم عن اللوجستيات والتسليح في المنظمة.

حاولت طواقم إنقاذ من حماس أن تخرج الناجين من بين الأنقاض، وواجهت مصاعب داخل الأنفاق التي انهارت، وثمة احتمال أن تواصل الانهيار بفعل القصف الشديد. رجال وحدات الإسعاف الأولي لدى حماس مقتنعون بأن احتمال إنقاذ أحد ما على قيد الحياة من هذا اللظى، قريب من الصفر.

إذا كان عيسى قد قتل بالفعل، فسيكون هذا الإنجاز التكتيكي “التصفوي” هو الأهم لإسرائيل منذ بداية الحرب. وعملياً، منذ أن ضربت إسرائيل قائد قوات حماس في غزة أحمد الجعبري في 2012 – الاغتيال الذي في أعقابه عين نائبه مروان عيسى خليفة له. سيكون النجاح في هذه العملية نتيجة استغلال جملة المصادر الأفضل لدى “أمان”، شعبة الاستخبارات العسكرية، بما في ذلك وأساساً وحدة 8200 التي تعيش في أزمة منذ هجمة حماس المفاجئة. إن إدراج وحدة الاستخبارات هذه كمحور مركزي في العملية ربما يرفع معنوياتها ويدخل فيها طاقات متجددة. كل هذا إلى جانب مصادر “الشاباك”، الذي أغلق دائرة وجلب لسلاح الجو المعلومة الذهبية التي هاجم بموجبها بالضبط في منتصف الليل بين السبت والأحد.

بخلاف الكثير من زملائه، فإن عيسى، رغم سمو منصبه، نجح في النجاة وهو أحد القلائل الذين تبقوا على قيد الحياة من نواة تأسيس حماس. عيسى رجل متدين جداً، لكنه ليس مرجعية دينية. ليس مثل مسؤولين آخرين في حماس كإسماعيل هنية، ممن انتقلوا إلى الجانب السياسي أو ممن ينشغلون في الحزب والسياسة، وكذا في الإرهاب. بالتوازي، بقي عيسى في الجانب التنفيذي السري، الإرهابي للمنظمة.

في إطار توزيع مناصب ذراع حماس العسكرية، الذي نشرته المنظمة لأول مرة في 2005، انكشف أن عيسى كان مسؤولاً عن عمليات “احتلال المستوطنات” في قطاع غزة قبل فك الارتباط. في تصريح علني نادر له، قال في حينه: “قررنا نقل المعركة إلى بيوت المستوطنين” وأشار إلى محاولة منظمته تنفيذ العمليات بمستوى نجاح عال مقابل ثمن متدن قدر الإمكان بحياة المقاتلين، الأمر الذي شهد على تغيير ميل عمل المنظمة.

بصفته المساعد القريب لأحمد الجعبري، كان لعيسى دور مهم في تخطيط عملية اختطاف جلعاد شاليط وتنسيق الجهود الناجحة من ناحية حماس للتأكد من فشل أي عملية استخباراتية إسرائيلية في العثور على شاليط. السياسة السرية المتشددة التي اتبعها الجعبري وعيسى نجحت. وإسرائيل لم تعرف شيئاً عن حياة شاليط في السجن طوال خمس سنوات. بعد وقت قصير من اختطاف شاليط في 2006 أصيب عيسى بجراح خطيرة في الورك، في محاولة تصفية من جانب إسرائيل، لكنه نجا. في نيسان 2012 أجرت الحركة انتخابات داخلية وسرية لمكتبها السياسي، وكان عيسى والجعبري بين 15 انتخبوا للمكتب. “انتخابهم، وحلول قيادة الخارج في سوريا، عززا قوة الجناح العسكري ورغبته في توسع تأثيره على القرارات السياسة التي تتخذها القيادة، كتبنا على هذه الصفحات في 2013.

وأضفنا بعد حملة “عامود السحاب” بأن “هذه ساعة حساب للنفس من ناحية حماس. تواصل جهد هائل لست سنوات ضاع هباء. وليس هذا فقط: واضح للمنظمة أنه رغم السرية الهائلة، تنجح الاستخبارات الإسرائيلية في اختراقها والوصول إلى التفاصيل الأكثر حميمية عن رجالها ونشطائها. مهمة استخلاص الدروس واستئناف تعاظم القوى كانت أساساً على عاتق عيسى”.

وقد نجح في هذا التحدي وفي تحدٍ أكبر، وهو تكيف حماس مع الواقع الذي تغير بشكل متطرف، وإقامة الجدار التحت أرضي الذي استبعد أنفاق الهجوم، وسيلة حماس المركزية لإعداد اجتياح كبير إلى إسرائيل. عيسى، التي تعزو له الاستخبارات الإسرائيلية “أكثر من 50 في المئة” في كتابة خطة “سور أريحا” لاختراق العائق الأرضي وإبادة فرقة غزة، نجح في وضع خطة لم تؤمن إسرائيل بأن أحداً ما، خصوصاً حماس، قد ينجح فيها. “السرية هي المشكلة الكبرى إزاء الأنفاق الهجومية”، يقول مصدر عسكري قديم في الجبهة، “لكن في اللحظة التي لا تكون فيها أنفاق، ويكون كل شيء فوق الأرض، كنا هادئين، أي كان واضحاً لنا بأنهم إذا ما أرادوا بغبائهم أن يهاجموا فوق الأرض، فسنراهم ونوقفهم. الويل، كم أخطأنا. وكان لعيسى دور مركزي في هذا التضليل”.

لقد سبق لعيسى أن كان في منصب رفيع جداً حين ثار صراع الجبابرة المتعلق بمواصلة طريق الحركة: هل يجب عمل كل شيء للحفاظ على الإنجازات الكبرى التي تحققت في غزة واعتبار هذه الإنجازات تقف في رأس السلم – كما يعتقد هنية، أم أن غزة ليست سوى بداية الطريق إلى تحقيق الحلم الحماسي كله: السيطرة على المناطق التي تسيطر فيها السلطة الفلسطينية، وتحويل المنظمة إلى قوة مركزية في الشعب الفلسطيني، ومواصلة الصراع ضد العدو الصهيوني-كما يعتقد السنوار.

يدور الحديث عن صراع جبابرة. يدعي هنية بأنه إذا سقطت غزة، لنفترض باحتلال إسرائيل، فستكون ضربة رهيبة للكفاح الإسلامي كله. أما السنوار ومعه أخوه، وكذا الضيف وعيسى، فقالوا إنه يمكن تقديم التنازلات في غزة، والتضحية بها عند الحاجة أيضاً.

وهم بالفعل ضحوا بها، دون تردد ونفذوا سور أريحا، وضحوا باليهود وبالعرب على مذبح الحرب المقدسة.

إن اغتيال عيسى يتضمن نظرة أخيرة إلى الوراء، عنصر ثأر، معناه ذاتي وفقاً لكل تقدير بشري. في كل ما يتعلق بالحاضر، فإنه يشكل نموذجاً لأسرة الاستخبارات مثلما يرغب كل إسرائيلي في رؤيتها ناجعة ومتماسكة، وأخيراً فتاكة. بالنسبة للمستقبل، هذا ضرر لحماس التي تعرضت لخسائر كثيرة منذ أكتوبر، لكنه ليس محطماً للتوازن، ولن يتغير الوضع العالق للطرفين في القطاع بشكل جوهري.

تفهم إسرائيل هذا، ويبدو أنه لا أحد في إسرائيل يعتقد أن السنوار في طريقه إلى الاستسلام بسبب تصفية أحد من زملائه القريبين. من جهة أخرى، الكثيرون في قيادة جهاز الأمن يأملون بأن يكون لهذه العملية وزن تكتيكي بل ولعلها تؤدي لأول مرة إلى تليين حقيقي للمواقف من جانب السنوار قبيل الصفقة، وتثبت للمرة الأولى منذ بداية الحرب بأن الضغط العسكري (عملية تصفية، في هذه الحالة) ستري السنوار بأن عليه وقف النار قبل أن يجد مسؤولون آخرون نهايتهم، وتؤدي به لإبلاغ رئيس حكومة قطر بإمكانية البدء بالجدال على الأعداد.

 

رونين بيرغمان

 يديعوت أحرونوت 12/3/2024



مقالات أخرى للكاتب

  • هل سيكون حزيران المقبل شهر استقالات قادة الأجهزة الأمنية؟  
  • هكذا نقل نتنياهو اليهود من "الوصايا العشر" إلى ضربات قصمت ظهر الدولة   
  • هل حققت إسرائيل هدفها بضربها راداراً للدفاع الجوي في أصفهان؟  






  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي