هل تخوض إسرائيل حرباً مسيحانية خاسرة في مناطق "ج" بالضفة الغربية؟  
2024-03-07
كتابات عبرية
كتابات عبرية

 

منذ العام 2009 تدير إسرائيل والسلطة الفلسطينية الصراع على تثبيت الحقائق في المنطقة “ج”، رغم أن اتفاق أوسلو قرر مكانتها. “المنطقة ج تعني مناطق في الضفة الغربية خارج منطقة “أ” و “ب”، التي باستثناء قضايا ستتم مناقشتها في المفاوضات حول الحل الدائم، سيتم نقلها بالتدريج إلى السلطة الفلسطينية حسب هذا الاتفاق”. إسرائيل تستعد بكامل القوة للصراع بجميع الأدوات التي كان آخرها نقل الإدارة المدنية لسموتريتش بصفته وزيراً في وزارة الدفاع. قدم الفلسطينيون في العام 2009 “خطة فياض” لإقامة بنى تحتية ومؤسسات فلسطينية لإقامة دولة فلسطينية على كل مناطق “يهودا والسامرة”، بدعم سياسي وبتمويل يبلغ نصف مليار يورو، التي حولتها دول الاتحاد الأوروبي.

هذا البحث فحص قضية سيطرة إسرائيل مقابل سيطرة الفلسطينيين على مناطق “ج” في أربعة مجالات، الديمغرافي والجغرافي والاقتصادي والاجتماعي (دعم الجمهور). في المجال الديمغرافي، حسب ما نشره المكتب المركزي للإحصاء، فإن عدد الإسرائيليين في “يهودا والسامرة”، الذي كان في 2010، 311.300، قفز في 2023 إلى 491.548 نسمة، وهذا ارتفاع بنسبة 58 في المئة. ورغم “الحكومة اليمينية المطلقة” فإنه أيضاً بلغت الزيادة الاسمية 13.345 نسمة في 2023، وهي أقل 4 في المئة من المتوسط السنوي في هذه الفترة. عدد الفلسطينيين في مناطق “ج” ارتفع من 77.220 في العام 2010 إلى 354.000 في العام 2023، زيادة تبلغ 504 في المئة (!). هذا العدد يفسر انخفاضاً دراماتيكياً في نسبة الإسرائيليين من إجمالي عدد السكان الذين يعيشون في المناطق “ج”. وفي حين أنه نسبة السكان اليهود في مناطق “ج” بلغت 81.6 في المئة في 2010، انخفضت بالتدريج ووصلت في 2023 إلى 58.1 في المئة.

هذا الوضع نتيجة عدة عوامل: انخفاض في نسبة الزيادة السنوية للإسرائيليين الذين يعيشون خلف الخط الأخضر، من 5 في المئة في بداية الفترة إلى 2.7 في المئة في نهايتها. في ميزان الهجرة الشامل إلى المناطق “ج” حدث انخفاض، من 4.160 يهودياً في 2010 إلى بضع مئات فقط في السنوات الأربع الأخيرة. في 2020 كان ميزان الهجرة سلبياً (عدد الإسرائيليين الذين غادروا “يهودا والسامرة” أكبر ممن انتقلوا للعيش فيها). وشوهد في الطرف الفلسطيني عملية معاكسة: هجرة كبيرة وانتقال المنطقة المبنية من مناطق “أ” و “ب” إلى المناطق “ج”.

في المجال الجغرافي وبعد “شرعنة” 34 بؤرة استيطانية غير قانونية في هذه الفترة، بعضها مستوطنات أو مؤسسات مستقلة، ومعظمها كأحياء في مستوطنات قائمة، وصل عدد المستوطنات في 2023 إلى 127 مستوطنة، ووصل عدد البؤر الاستيطانية غير القانونية إلى 121 بؤرة. في المقابل، عدد تجمعات البيوت، بيت مستقل وحتى عشرات البيوت، للفلسطينيين الذي كان 12.522 في 2010، تضاعف ووصل إلى حوالي 28.000 في العام 2023، رغم أن إسرائيل هدمت حوالي 8 آلاف بيت في هذه الفترة. إجمالي المساحة المبنية الإسرائيلية التي تشمل المستوطنات والبؤر الاستيطانية والمناطق الصناعية ومواقع عسكرية ومعابر، بلغ في 2023، 80 ألف دونم (2.4 في المئة فقط من مساحة المناطق ج)، في حين أن المساحة المبنية الفلسطينية في مناطق ج ارتفعت إلى 148 ألف دونم (4.44 في المئة).

في المجال الاقتصادي يمكن الإشارة إلى أمرين متعاكسين: فبسبب الزيادة المستمرة في نسبة السكان الحريديم في أوساط سكان المستوطنات (39 في المئة)، فإن نسبة الإسرائيليين المصنفين في العنقود 1، المتدني جداً على المقياس الاقتصادي – الاجتماعي، آخذة في الازدياد، وقد وصلت إلى نصف إجمالي عدد السكان. في المقابل، المتوسط الاقتصادي – الاجتماعي لإجمالي المستوطنات في “يهودا والسامرة” ارتفع بالتدريج في السنوات الأخيرة، نتيجة للمساعدات الحكومية غير المسبوقة على شكل المنح المختلفة، وهي الآن 4.3 في السلم الاقتصادي – الاجتماعي.

الزيادة السنوية في أوساط الإسرائيليين في “يهودا والسامرة”، التي ترتكز في معظمها في السنوات الأخيرة على التكاثر الطبيعي، الذي 43 منه جاء من الحريديم، تدل على أن هذا المنحى من الضعف والاستقطاب الاقتصادي بين الحريديم والمتدينين القوميين والعلمانيين سيميز المستوطنين وسيقتضي الاستثمار والزيادة المستمرة في دعم الدولة.

أما الواقع السكان الفلسطينيين فهو أضعف من ناحية اقتصادية من المستوطنين، ولكن الانتشار الجغرافي للفلسطينيين داخل مناطق ج يتم بفضل الملكية الخاصة لمعظم الأراضي في مناطق الاستيطان (من سلسلة الجبال في الغرب وحتى الخط الأخضر)، والدعم الخارجي من الدول العربية ودول الاتحاد الأوروبي.

سياسة إسرائيل بخصوص مناطق “ج” فشلت بصورة عملية. فمحاولة “استيطان قلوب” الجمهور في إسرائيل وفشل أيضاً تطبيع الحياة في “يهودا والسامرة” كجزء لا يتجزأ من دولة إسرائيل. ورغم تطوير 100 موقع جذب ثقافي وسياحي وديني في الضفة، ورغم تحويل كلية “يهودا والسامرة” في قلب الضفة إلى جامعة أريئيل، ورغم طمس الخط الأخضر في الخرائط الرسمية والمناهج التعليمية، ورغم الدعم الجارف للنخبة السياسية لمشروع الاستيطان، فقد بقي معظم الجمهور في إسرائيل متحفظاً من سياسة دعم المستوطنات.

أولاً، حتى بعد هجوم 7 تشرين الأول، يفضل معظم الجمهور الإسرائيلي الانفصال عن الفلسطينيين (55 في المئة)، مقابل الضم أو السياسة القائمة (انظروا نتائج استطلاع “دبليو دبليو دبليو”، ماذا تفكر إسرائيل. كوم). ثانياً، الجمهور الإسرائيلي يتحفظ من التسهيلات التي تحصل عليها المستوطنات مقارنة بالبلدات داخل إسرائيل. عندما تم عرض نصيب الفرد في السلطات المحلية في الضفة في 2023 (3200 شيكل) مقارنة مع إسرائيل (2400 شيكل)، فإن ربع الجمهور اليهودي أيد تفضيل السلطات في “المناطق”. وعندما تم إبراز المقارنة أكثر، برزت الميزانيات المخصصة للمستوطنات أكبر، مع فجوة آخذة في الازدياد مع مرور السنين، رغم ذلك انخفضت نسبة تأييد هذه السياسة إلى أقل من ربع الجمهور اليهودي في إسرائيل.

يستنتج من ذلك بأن حكومات إسرائيل الأخيرة حاولت تنفيذ انقلاب مفاجئ، ليس فقط بالنسبة للفلسطينيين، بل أيضاً بالنسبة للجمهور الإسرائيلي الذي يعارض في مجمله سياسة تفضيل المستوطنات ومحاولة السيطرة على أراضي الضفة.

هزة 7 تشرين الأول تعتبر فرصة لإعادة النظر في سياسة إسرائيل تجاه الفلسطينيين والتعلم من إخفاقات الماضي. بدلاً من إدارة حرب مسيحانية خاسرة على قطعة أرض مأهولة بالفلسطينيين الذين لن يكونوا جزءاً من دولة إسرائيل اليهودية والديمقراطية، وبدلاً من إغراق موارد الدولة في المشروع العقاري الأكثر فشلاً في تاريخها، يجب استغلال الأزمة الحالية وتغيير الاتجاه. إذا عادت إسرائيل للوفاء بالتعهدات التي وقعت عليها في الاتفاق المؤقت؛ وتعاملت مع مناطق “ج” كوديعة مؤقتة ستكون في المستقبل جزءاً من الدولة الفلسطينية؛ وتبنت تفكيراً أمنياً واسعاً يضمن أمنها كدولة آمنة وديمقراطية مع أكثرية يهودية؛ وعادت بتطوير النقب بشكل عام والنقب الغربي بشكل خاص، والجليل – عندها يمكنها إدارة الصراع من خلال سعي مشترك لكل المجتمع في إسرائيل، والتوقف عن استثمار الجهود في قضية خاسرة مسبقاً.

 

شاؤول أريئيلي وآخرون

هآرتس 6/3/2024



مقالات أخرى للكاتب

  • هل سيكون حزيران المقبل شهر استقالات قادة الأجهزة الأمنية؟  
  • هكذا نقل نتنياهو اليهود من "الوصايا العشر" إلى ضربات قصمت ظهر الدولة   
  • هل حققت إسرائيل هدفها بضربها راداراً للدفاع الجوي في أصفهان؟  






  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي