نمو الطلب على النفط في 2024 سيكون أقل من 2023
2024-01-16
أنس الحجي
أنس الحجي

نمو الطلب على النفط في العام الحالي سيكون أقل من نمو الطلب على النفط في العام الماضي لأن جزءاً كبيراً من الزيادة في العام الماضي كانت مجرد انتعاش من إغلاقات كورونا. الآن هذا الأثر انتهى ونعود إلى مراحل النمو العادية. إلا أن بعض المنظمات تستخدم نماذج رياضية تعطي النمو في السنوات الأخيرة دوراً كبيراً، الأمر الذي يعني المبالغة في توقعات معدلات النمو في عام 2023 وتظهر أن هناك نمواً كبيراً في عام 2024، وهذا خطأ حيث يجب تجريد بيانات 2023 و 2022 من آثار كوفيد حتى يعطي النموذج توقعات أفضل.

وكنت قد ذكرت في مقال سابق بعض المفاجآت في جانب الإنتاج في عام 2023، والتي كان أهمها انخفاض إنتاج روسيا بكمية بسيطة بينما توقع كثيرون انخفاض الإنتاج ما بين 3 إلى 5 ملايين برميل يومياً، وزيادة إنتاج المكسيك، وانخفاض نمو إنتاج كندا والنرويج إلى مستويات أقل بكثير من المتوقع. كما تبين أن دول "أوبك" خفضت إنتاجها بينما لم تنخفض صادراتها. في مقال اليوم سننتقل إلى جانب الطلب. ولكن قبل ذلك، لا بد من التنويه أن الحديث لم يعد على الطلب على النفط فقط ولكن على سوائل الوقود بشكل عام بسبب الدور المتزايد للوقود الحيوي والزيادة المتنامية في إنتاجه. لهذا فإن أي حديث عن الطلب هو عن إجمالي سوائل الوقود، حتى لو ذكرت عبارة "الطلب على النفط".

أول ملاحظة على نمو الطلب على النفط في 2023 أن هناك فروقات كبيرة في التقديرات حتى الآن على رغم أن العام انتهى. فوفقاً لإدارة معلومات الطاقة، فإن الطلب على النفط في عام 2023 ارتفع بمقدار 1.92 مليون برميل يومياً، بينما تقدره وكالة الطاقة الدولية بـ 2.27 مليون برميل يومياً، وتقدره "أوبك" بـ 2.46 مليون برميل يومياً. هنا نجد أن الفرق بين تقديرات إدارة معلومات الطاقة الأميركية و"أوبك" بلغ 540 ألف برميل يومياً. قد يقول قائل إن هذا فارق بسيط، والرد على ذلك أنه "متوسط" ولو نظرنا إلى الفارق في الربع الرابع من 2023 لوجدنا أنه يقترب من 1.5 مليون برميل يومياً، وهذا فارق كبير بكل المقاييس.

الإشكالية هنا أن هذه الفروق تجعل المحلل يشكك في الأرقام كلها، بخاصة مع اعتبار الملاحظة الثانية أدناه. ثاني ملاحظة أن تقديرات الطلب الأخيرة أقل من التوقعات السابقة وهذا يشمل توقعات وكالة الطاقة الدولية و"أوبك" وعدد من البنوك الاستثمارية والبيوت الاستشارية. توقعات إدارة معلومات الطاقة للطلب كانت خاطئة منذ البداية وتم انتقادها منذ عام تقريباً والتحذير من استخدامها. هذه الملاحظة مهمة لأن كاتب هذا المقال يعتقد أن السبب الرئيس في انخفاض أسعار النفط هو أن نمو الطلب على النفط كان أقل من المتوقع، وأنه حتى الأرقام المعلنة حالياً مبالغ فيها. وأحد الأدلة على ذلك هو أن الزيادة في واردات النفط كانت بحدود مليون برميل يومياً، وأن دول "أوبك" خفضت إنتاجها ولكن صادراتها لم تتغير، وهذا يشير إلى انخفاض الطلب على النفط في هذه الدول، وأن هناك بعض الدول التي زادت مخزوناتها، بما في ذلك الاستراتيجية، كما حصل في الصين.

إذاً الفكرة هنا أنه كان هناك نمو كبير في الطلب على النفط، ولكن هناك خلافاً حول كمية النمو من جهة، وأنه كان أقل من التوقعات من جهة ثانية، كذلك هناك شك في التقديرات، بخاصة العالية منها، من جهة ثالثة. والدرس من تجربة 2023 هي أنه في فترة الانتعاش بعد الإغلاقات الإجبارية، لا تكون أغلب الزيادة في الطلب على النفط في الأمور الأساسية، ولكن في الأمور غير الأساسية والكمالية، وهذا يفسر الانتعاش الكبير في الطلب على وقود الطائرات، والذي مثل نسبة كبيرة من الزيادة في الطلب على النفط. هذه الظاهرة لا تحدث عندما يكون هبوط الطلب ناتجاً من ركود اقتصادي أو تباطؤ في نمو الناتج المحلي. في حالة الركود أو التباطؤ فإن الانتعاش يحتاج إلى وقت أطول، ولهذه النتيجة انعكاسات على توازن أسواق النفط في 2024 و 2025.

تقديرات وكالة الطاقة الدولية تشير إلى انخفاض الطلب على النفط في 2023 في أفريقيا، وفي أوروبا وروسيا وما بينهما. الزيادة الكبيرة كانت في الصين وأميركا اللاتينية. وجاء الطلب في الصين أكبر من التوقعات (حتى وفقاً لأوبك) لسببين، الأول الزيادة الكبيرة والسريعة في الطلب على وقود الطائرت مع انتهاء الإغلاقات المفاجئ في بداية 2023، والثاني رفع مستويات المخزون. كما زاد الطلب على الهند. الزيادة في أميركا الشمالية كانت محدودة والنمو في الطلب في الولايات المتحدة مشكوك فيه. فبيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية تشير إلى زيادة قدرها 130 ألف برميل يومياً. وعلى رغم أن هذا الرقم يتوافق مع توقعات كاتب هذا المقال المنشورة منذ سنة، إلا أن هذا الرقم قد يكون مبالغاً فيه، وما زال يقع ضمن نطاق الخطأ للسبب التالي: تنتج آبار الصخري كميات كبيرة من الغازات السائلة أو النفط الخفيف جداً. فإذا تم بيعه للشركات، تم حسابه على أنه طلب. ولكن كثير من هذه الشركات تقوم بمزجه مع نفط أثقل لينتج منه نوعية متوسطة، ويتم بيعه لشركات أخرى أو تصديره. في هذه الحالة تم حساب الغازات السائلة أو النفط الخفيف اللذين تم مزجهم مع أنواع نفط أخرى مرتين.

الطلب على النفط في 2024 سيكون أقل من الطلب على النفط في 2023 ليس بسبب انتهاء الطلب الناتج من الانتعاش بعد إغلاقات كورونا فقط، ولكن أيضاً لأن المشكلات الاقتصادية ما زالت تلقي بظلالها على أغلب دول العالم، وارتفاع أسعار الفائدة ضرب عدة قطاعات في الصميم، ولأن الدولار الأميركي ما زال مرتفعاً، والأهم من ذلك كله أن الأحداث في البحر الأحمر ستسبب مشكلة كبيرة، بخاصة إذا استمرت لعدة أشهر. فتكاليف التأمين ارتفعت بشكل كبير، كما ارتفعت تكاليف الشحن الفورية أو الإضافية (السفينة يمكنها تحميل كميات إضافية لم يكن متفق عليها مسبقاً في العقد بحسب التكلفة في الأسواق الفورية وليس العقد)، وهناك عدد لا بأس به من السفن وحاملات النفط التي غيرت اتجاهها، وبعضها عاد من حيث أتى. تغيير الاتجاه يعني تأخير وصول قطع الغيار للمصانع، إضافة إلى الزيادة في التكاليف. كل هذه الأمور تؤدي إلى أمرين: تباطؤ النمو الاقتصادي وارتفاع معدلات التضخم. وهذا يعني في النهاية انخفاض نمو الطلب على النفط.

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس-اندبندنت عربية-



مقالات أخرى للكاتب

  • النفط بين بايدن وإيران!
  • إيران وأسواق النفط
  • زيادة واردات النفط في آسيا وأوروبا... هل ترفع أسعاره فوق 90 دولارا؟





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي