عالم مترابط.. أزمات متشابكة
2023-11-25
جيفري كمب
جيفري كمب

يوم الخميس، الثالث والعشرين من نوفمبر الجاري، احتفل الأميركيون بعطلة «عيد الشكر» السنوية، وهو عيد بدأ إحياؤه منذ عام 1621 احتفاءً بنجاح موسم حصاد الذُّرَة وإعداد الإمدادات الغذائية لفصل الشتاء. وتقول القصة الرسمية إنه في هذا اليوم التقى المستوطنون الذين قدِموا من أوروبا واستقروا في بليموث، بولاية ماساتشوستس، مع السكان الأصليين (الوامبانواغ) للاحتفال بهذه المناسبة. وبغض النظر عن الحقائق التاريخية المبكرة، فإن هذا اليوم أصبح، إلى جانب عيد ميلاد المسيح و«يوم الذكرى»، أكثر الأعياد شعبيةً لدى الأميركيين. ومن المرجح أن تشهد التجمعاتُ العائليةُ هذا العام نقاشاتٍ حادةً حول الانتخابات الرئاسية المقبلة المقررة في 2024.

وبصرف النظر عن نقاط ضعف المرشحيْن المحتمليْن جو بايدن ودونالد ترامب، فإن العديد من الأحداث يمكن أن تغيّر البيئة الدولية وتؤثّر على الكيفية التي سيصوّت بها الأميركيون. ولعل الأهم من ذلك هو حالة الاقتصاد العالمي والعوامل التي يمكن أن تتسبب في ركود عالمي جديد.

خلال العامين الماضيين، كان للتضخم العالمي، الذي نتج عن جائحة كوفيد-19، تأثير على كل بلدان العالم تقريباً. وفي هذا الإطار، واجهت بعض البلدان، مثل فنزويلا وزيمبابوي والأرجنتين وتركيا، تضخماً جامحاً ومنفلتاً. والأسبوع الماضي، أدى التضخم الذي بلغ 140% في الأرجنتين إلى انتخاب اليميني الشعبوي خافيير مايلي، الذي قال إن استعادة الاقتصاد لعافيته ستستغرق فترة قد تصل إلى عامين. ويمتلك مايلي خبرة قليلة في الحكم، لكن لديه وجهات نظر قوية في العديد من القضايا. ذلك أنه مناهض للإجهاض، ويعتقد أن تغير المناخ لا يعزى إلى السلوك البشري، ويقترح تغيير عملة الأرجنتين من البيسو إلى الدولار الأميركي. أما ما سيتمكن من تحقيقه، فذاك أمر آخر. والأكيد أنه سيكون محطَّ أنظار الكثيرين خلال الأشهر المقبلة.

وبالمقابل، انخفضت مستويات التضخم في الولايات المتحدة إلى 3.24 في المئة، وهو معدل أقل من المتوسط طويل الأمد الذي يبلغ 3.28 في المئة. ومن غير المعروف ما إن كان هذا الرقم سيساعد بايدن أم لا، لكنه قد يعني وقف مجلس الاحتياطي الفيدرالي لممارسته الأخيرة المتمثلة في رفع أسعار الفائدة بهدف إبطاء الاقتصاد. وفي الأثناء، ما زالت الصين تواجه مشاكلَ ما بعد الجائحة، بما في ذلك انخفاض معدلات النمو، وتراجع الاستثمارات، وارتفاع معدلات البطالة بين الشباب، وسوق العقارات الذي يواجه الديون. وتشير المحادثات الثنائية التي جرت بين الرئيسين جو بايدن وشي جين بينج يوم الخامس عشر من نوفمبر في سان فرانسيسكو إلى أن القضايا الاقتصادية ساعدت على تحسين العلاقات الأميركية الصينية، بما في ذلك تجديد الاتصالات بين الجيشين والذي كان محل ترحيب كبير.

وفي ما يتعلق بالتوقعات العامة للاقتصاد العالمي، قد يكون لحدثين مترابطين تأثير مقلق في عام 2024؛ إذ من شأن تصعيد الحربين الحاليتين في أوكرانيا والشرق الأوسط أن يؤدي إلى اضطرابات في سوقي الطاقة والغذاء الحيويين. ذلك أن استمرار القتال في أوكرانيا سيعني كميات أقل من الحبوب وزيت الطهي الحيويين بالنسبة للبلدان التي تعتمد على الواردات الغذائية بشكل خاص. وفضلاً عن ذلك، فإن سوء الأحوال الجوية يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات أكبر في إنتاج المحاصيل في البلدان المصدِّرة للمنتجات الزراعية مثل البرازيل والولايات المتحدة وكندا وأستراليا وروسيا. وإذا امتدت الحرب في الشرق الأوسط لتشمل لبنان واليمن، وحتى إيران، فقد يؤدي التهديد المادي لطرق تصدير النفط إلى ارتفاع كبير في الأسعار مما سيؤثّر على السوق العالمية وبالتالي سيزيد من احتمالات ارتفاع التضخم.

وإذا أضفنا إلى هذه القائمة أزمات الهجرة المتصاعدة عبر العالم، يصبح من الواضح أن الهجرة غير الشرعية أضحت تحدياً سياسياً كبيراً ليس في الولايات المتحدة وأوروبا فحسب، ولكن أيضاً في الهند وتركيا وغيرهما.

وخلاصة القول هي أن عدم اليقين بشأن الأحداث الكبرى العام المقبل يعني أنه لا يمكن لأي دولة أو حكومة، كبيرة كانت أم صغيرة، تجنب حقيقة أن اقتصادات العالم باتت مترابطة ببعضها البعض على نحو متزايد سواء في السراء أو الضراء. ترابطٌ خلّده الأديبُ الإنجليزي «جون دون» عام 1624 من خلال قصيدته الشهيرة «ليس هناك إنسان معزول».

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس-الاتحاد-



مقالات أخرى للكاتب

  • مايك جونسون.. بطل أم «دمية بيد الديمقراطيين»؟!
  • «الانعزاليون الجدد» في الحزب الجمهوري
  • القوة الأميركية بعد «عاصفة الصحراء»






  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي