السياسة الأميركية.. وتوقيتَا أوكرانيا وغزة
2023-11-11
جيفري كمب
جيفري كمب

أصبح الدعم الأميركي لأوكرانيا وإسرائيل في حربيهما مع روسيا و«حماس» مثيراً للانقسام والاستقطاب على نحو متزايد. فحينما قامت روسيا بعمليتها العسكرية في أوكرانيا في 24 فبراير 2022، كان هناك تأييد قوي من كلا الحزبين الأميركيين الرئيسيين لسياسة إدارة بايدن المتمثلة في تحميل روسيا مسؤوليةَ الحرب والقرار الأميركي والأوروبي بتقديم المساعدة العسكرية والاقتصادية لأوكرانيا. وبالمثل، قوبلت هجمات «حماس» على إسرائيل في السابع من أكتوبر بإدانة فورية من قبل معظم الأميركيين، وكان هناك دعم لسياسة إسرائيل الرامية إلى تدمير «حماس».

أما اليوم، فقد أصبحت أعداد مهمة من «الجمهوريين» تشكّك في ضرورة استمرار الدعم المالي والعسكري المفتوح لأوكرانيا، بالنظر إلى المشاكل الداخلية وأزمة الهجرة غير الشرعية على الحدود المكسيكية، لكن «الجمهوريين» الأكبر سناً الذين نشأوا إبان الحرب الباردة ما زالوا يدعمون أوكرانيا، ويتمثل انتقادهم الرئيس لبايدن في أنه لم يفعل ما يكفي لتزويد أوكرانيا بالأسلحة الأكثر تقدماً التي تحتاج إليها لمواجهة الترسانة الروسية التي ما زالت قوية والمؤلفة من الصواريخ والطائرات المقاتلة والمدفعية. ولذا من المتوقع أن يتحول موضوع المساعدات لأوكرانيا إلى معركة مريرة داخل الحزب الجمهوري خلال الأسابيع المقبلة، بالنظر إلى أن بايدن اقترح تخصيص 61 مليار دولار إضافية لأوكرانيا.

وبالمقابل، يُتوقع ألا يقابَل اقتراح بايدن الموازي الذي يقضي بتزويد إسرائيل بحزمة مساعدات تكميلية تبلغ قيمتها 14 مليار دولار بمعارضة من الجمهوريين، بشرط إيجاد طريقة ما لتعويض الأموال من خلال تخفيضات في برامج أخرى. ويذكر هنا أن كل المرشحين الجمهوريين الذين يسعون للحلول محل دونالد ترامب لمواجهة بايدن في انتخابات عام 2024 الرئاسية، يؤيدون إسرائيل بشدة. كما أصبحت قناة «فوكس نيوز»، التي تُعد القناة الإخبارية الأكثر مشاهدةً، داعمةً لإسرائيل بشكل مفرط وتنتقد بشدة الأصوات المعادية لتل أبيب، والتي باتت تُسمع بشكل متزايد عبر البلاد، لاسيما في الجامعات والأوساط الأكاديمية.

وفي الأثناء، يبدو «الديمقراطيون» منقسمين بشأن حرب غزة أكثر من «الجمهوريين». فمع تزايد الخسائر في صفوف المدنيين في غزة، ازدادت انتقادات العديد من الديمقراطيين الشباب لإسرائيل حدةً، مع إيحاءات واضحة أحياناً بمعاداة السامية أدت إلى أزمة في العديد من الجامعات الأميركية. إذ ينتقد الأميركيون المسلمون، الذين يصوّتون تقليدياً للديمقراطيين، بايدن بسبب تصريحاته المؤيدة لإسرائيل، مهدّدين بحجب أصواتهم في انتخابات العام المقبل. والحال أنه في الولايات المتأرجحة مثل ميشيغن التي تضم أعداداً مهمة من الناخبين المسلمين، يمكن أن تكون هذه الأصوات حاسمةً في انتخابات رئاسية متقاربة.

هذه الانقسامات السياسية من المتوقع أن تزداد خلال الأشهر المقبلة. فالشتاء في أوكرانيا يعني أن الهجمات البرية الواسعة ستكون محدودةً، وأن المواطنين سيصبحون عرضةً للهجمات الصاروخية الروسية الحتمية على البنى التحتية للطاقة وإمدادات الوقود على نحو متزايد. وإذا كان الجيش الروسي يبدو غير قادر على تنفيذ هجمات مضادة كبيرة، فإنه طالما أن خطّه الأمامي صامد فكل ما يحتاجه هو تحصين مواقعه والأمل في أن توافق أوكرانيا على نوع من أنواع اتفاق وقف إطلاق النار في الأخير.

في غزة أيضاً، يُعد التوقيت العامل الحاسم. ذلك أن الطقس البارد سيفاقم الأزمةَ الإنسانية ويجعلها أسوأ. غير أنه ما لم يتمكن الهجوم البري الإسرائيلي من تحقيق تقدّم مطرد يفضي إلى تقليل الهجمات التي تقتل المدنيين، فإن الضغوط السياسية ستتزايد على الولايات المتحدة من أجل التشديد على هدنة قصيرة أو وقف لإطلاق النار، مع تزايد الاحتجاجات والمظاهرات العامة حول العالم. هذه الاحتجاجات ستكون مصحوبة بشعارات مؤيدة للفلسطينيين ومعادية لإسرائيل، ستقابَل على نحو حتمي بتنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا في أوروبا والولايات المتحدة. وعلى كل حال، فإن ما هو واضح الآن هو أن «حماس» ستصبح منبوذةً أكثر ولن يكون من الممكن بكل بساطة إشراكها في أي مقترح حل دبلوماسي للأزمة. وسيتعين على الحكومة الإسرائيلية الجديدة والدول العربية والولايات المتحدة حينها إيجاد أرضية مشتركة للتوصل إلى حل دبلوماسي.

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس – الاتحاد-



مقالات أخرى للكاتب

  • مايك جونسون.. بطل أم «دمية بيد الديمقراطيين»؟!
  • «الانعزاليون الجدد» في الحزب الجمهوري
  • القوة الأميركية بعد «عاصفة الصحراء»






  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي