إسكات الجدل
2023-11-02
جيمس زغبي
جيمس زغبي

في السنوات الأخيرة، اتبعت الجماعات الأميركية المؤيدة لإسرائيل استراتيجية متعددة الجوانب لكبت الخطاب الذي يتناول السياسة الإسرائيلية والحقوق الفلسطينية. وكان هذا رد فعل على تآكل الدعم لإسرائيل منذ عقود، إلى جانب الدعم المتزايد للفلسطينيين.

وفي سبعينات القرن الماضي، عندما كانت الجماعات المؤيدة لإسرائيل تسيطر على زمام الأمور، كان يتم استبعاد الأفراد والجماعات الذين يدعمون الحقوق الفلسطينية من الائتلافات السياسية، وطردهم من مناصبهم، ومنعهم من التحدث في المناسبات الجامعية، وكان المرشحون السياسيون يعيدون إليهم مساهماتهم. وأيضا، كان أعضاء الكونجرس الذين تجرأوا على التحدث علنا يتعرضون للتشويه ويُستهدفون بالهزيمة.

لكن المواقف بدأت تتغير مع الانتفاضة الأولى، ثم عملية السلام في مدريد، والتي بلغت ذروتها بإبرام اتفاقيات أوسلو. إذ فقدت قوة الترهيب زخمها، وبدأ نقاش مفتوح حول الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني.

واستمر النقاش على مدار العقود الثلاثة التالية التي شهدت فترات من الصعود والهبوط في عملية السلام. لكن السلوكيات العدوانية المتزايدة من قبل سياسات الحكومة الإسرائيلية والتدقيق الأكبر في سياساتها أدت إلى تحول مطرد في الرأي العام الأميركي. واليوم، تؤيد الأغلبية في كلا الحزبين ربط المساعدات الأميركية لإسرائيل بانتهاكاتها لحقوق الإنسان، وبهامش كبير أصبح لدى «الديمقراطيين» الآن وجهة نظر أكثر إيجابية تجاه الفلسطينيين مقارنة بالإسرائيليين.

ومما يعكس هذا التغيير أن عدداً متزايداً من مؤيدي الحقوق الفلسطينية يترشحون للكونجرس ويفوزون. والطلاب – بما في ذلك العرب الأميركيين، والأميركيين السود، والأميركيين الآسيويين، والمسلمين، وعدد كبير من الشباب اليهود التقدميين، الذين لا يستطيعون التوفيق بين قيم عقيدتهم وتجريد إسرائيل من إنسانيتها وقمعها للفلسطينيين – ينخرطون في أعمال مؤيدة للفلسطينيين في الحرم الجامعي. بالنسبة للجماعات المتشددة المؤيدة لإسرائيل، أصبح الأمر يشكل أزمة أدت إلى تجدد الجهود لإسكات منتقدي إسرائيل.

لقد كشفت ردود الفعل على الجولة الحالية من العنف عن انقسامات عميقة في المواقف تجاه فلسطين/إسرائيل، بينما أضافت زخماً للجهود التي تبذلها الجماعات المؤيدة لإسرائيل لإسكات النقاش. وقد أتاح الغضب الشعبي الواسع النطاق إزاء تصرفات حماس فرصة لتسريع أجندتها القمعية.

وتضمنت تكتيكاتهم ما يلي: الاستخدام الموسع للجان السياسية الممولة تمويلاً جيداً لتشويه وهزيمة المرشحين التقدميين الذين ينتقدون السياسات الإسرائيلية؛ وإصدار تشريعات أو تأمين أوامر تنفيذية تعاقب مؤيدي الجهود الرامية إلى مقاطعة إسرائيل أو سحب الاستثمارات منها أو فرض عقوبات عليها بسبب انتهاكات الحقوق الفلسطينية، وتوسيع تعريف معاداة السامية ليشمل الانتقاد المشروع للسياسات الإسرائيلية؛ والضغط على الشركات الكبرى ومكاتب المحاماة والجامعات لقبول هذا التعريف ومطالبة الموظفين بالالتزام بهذه السياسة؛ واستهداف وتشويه سمعة الأفراد/الجماعات التي تنتقد إسرائيل أو تدعم الحقوق الفلسطينية.

وفي غضون أيام من هجمات «حماس»، تم الضغط على الكليات/الجامعات والمنظمات والشركات الكبرى لإدانة الهجمات ووصفها بأنها معادية للسامية. وقد أذعن الكثيرون لهذا الضغط. أما أولئك الذي ترددوا فقد تم التنديد بهم. ومع ارتفاع عدد القتلى المدنيين الفلسطينيين بسبب الغارات الإسرائيلية في جميع أنحاء غزة، تم استنكار التصريحات الأكثر توازناً التي تعبر عن القلق بشأن المدنيين الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء، باعتبارها معادية للسامية و«مقارنات كاذبة» من قبل الجماعات المؤيدة لإسرائيل.

وقد تم تصوير المجموعات الطلابية في الحرم الجامعي التي تدين السياسات الإسرائيلية القمعية في غزة قبل وبعد هجمات «حماس» على أنها مؤيدة لـ«حماس» ومدافعة عن الإرهاب. وفي عدد قليل من الحالات التي حظيت بتغطية إعلامية جيدة، تم إلغاء عروض العمل المقدمة من شركات محاماة بارزة لطلاب القانون الذين تم تحديدهم على أنهم مشاركين في أعمال مؤيدة للفلسطينيين. وتجري مناقشة قرارات الكونجرس التي توسع تعريف معاداة السامية ليشمل الانتقاد المشروع لإسرائيل، على الرغم من المخاوف بشأن انتهاك حرية التعبير. هناك قوتان اجتماعيتان متعارضتان فاعلتان: الانقسام المستمر في مواقف الكيان السياسي الأميركي تجاه إسرائيل/فلسطين؛ وترى بعض الجماعات المؤيدة لإسرائيل أن الرعب الشعبي واسع النطاق إزاء سلوك حماس يشكل فرصة لتعزيز أجندتها الرامية إلى إسكات المناقشة الناشئة حول الحقوق الفلسطينية.

وبعد مرور ثلاثة أسابيع على هجمات «حماس»، تم تعويض النفور الأولي إلى حد ما بالصدمة مع تزايد الخسائر المدمرة الناجمة عن الانتقام الإسرائيلي الضخم ضد غزة.

ورغم أن المجازر التي ارتكبتها «حماس» لم تخدم قضية أنصار الفلسطينيين (وكذلك اللغة المهينة والهجومية التي استخدمتها بعض الجماعات الطلابية المؤيدة للفلسطينيين)، فإن القصف الإسرائيلي المتواصل لغزة لم يخدم أنصار إسرائيل الذين يسعون إلى خنق المناقشة.

وعلى الرغم من الاستثمارات الضخمة في الموارد ورأس المال السياسي من قبل الجماعات المؤيدة لإسرائيل، وأولئك الذين تضرروا من اعتداءاتهم على حرية التعبير، فإنهم سيخسرون. وقد تعمل هذه التدابير على تخويف أعضاء الكونجرس لبعض الوقت وإسكات بعض المناقشات، ولكن التغيرات في الرأي العام ستستمر. في الواقع، فإن التكتيكات القاسية للغاية التي تستخدمها الجماعات المؤيدة لإسرائيل بدأت بالفعل في خلق شعور بعدم الراحة إزاء نهجها في إسكات النقاش والدفاع عما لا يمكن الدفاع عنه.

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس – الاتحاد-



مقالات أخرى للكاتب

  • الاحتجاجات الطلابية .. والتأثير على إعادة انتخاب بايدن
  • هل يعلمون إلى أين هم ذاهبون؟
  • حماية هويتنا العربية الأميركية






  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي