صدمة: ارتفاع كلف الطاقة الشمسية والهوائية وبطاريات السيارات الكهربائية
2023-05-30
أنس الحجي
أنس الحجي

أصر داعمو سياسات التغير المناخي على أن كلف الطاقة الشمسية والهوائية وبطاريات السيارات الكهربائية ستستمر بالانخفاض، بحيث تنافس المصادر التقليدية وسيارات البنزين والديزل، من دون أي إعانات، ونظراً إلى انخفاض كلفها سيتم تبنيها عالمياً.

ولكن البيانات، ومن مصادرهم، تقول إن هذه الكلف ترتفع، وإن الحكومات ما زالت تقدم الإعانات، والانتشار لم يتحقق، إذ إن معظم الاستثمار العالمي في التحول الأخضر يتركز في بضع دول فقط، غالبها في أوروبا وأميركا الشمالية والصين واليابان.

وكما ذكرت في مقالات سابقة، العالم يحتاج إلى كل أنواع الطاقة، بما فيها الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. العالم يحتاج إلى كل أنواع التقنية لزيادة كفاءة استخدام الطاقة، والعالم يحتاج إلى كل تقنيات المواصلات، بما فيها السيارات الكهربائية. الانتقادات موجهة للمبالغات، والإعانات الحكومية، والتقارير المضللة.

تقرير وكالة الطاقة الدولية

وكالة "الطاقة" الدولية أصبحت وكالة "البيئة" الدولية. لا أحد يلوم الوكالة وأعضاءها على محاولاتها لاستخدام بدائل طاقة أخرى، ولكن هناك أمرين لا بد للقارئ أن يعرفهمها: الأول أن أكبر منتج للنفط والغاز في العالم هي الولايات المتحدة، أحد مؤسسي وكالة الطاقة الدولية وأكبر داعم لها، وأن كندا والنرويج من كبار منتجي النفط والغاز في العالم وعضوان في وكالة الطاقة الدولية. الثاني أن وكالة الطاقة أسست بهدف تحقيق أمن الطاقة، وكل ما تقوم به هو العكس، وأزمة الطاقة الأوروبية الحالية دليل على ذلك.

وقد يقول قائل، حسبك، سبب أزمة الطاقة في أوروبا هو الهجوم الروسي على أوكرانيا. هذا الكلام غير صحيح لأن أزمة الطاقة الأوروبية والارتفاع الشديد في أسعار الغاز والكهرباء حصل في عام 2021، قبل الهجوم الروسي بأشهر. وتوقف الرياح في بريطانيا لا علاقة له بالحرب في أوكرانيا، وتوقف المفاعلات النووية في فرنسا، ثم إضراب العمال الفرنسيين وتوقف مصافي النفط لا علاقة له لا بروسيا ولا بأوكرانيا. وقيام ألمانيا بوقف مفاعلاتها النووية بالكامل لا علاقة له بالهجوم الروسي أيضاً.

نشرت وكالة الطاقة الدولية تقريرها السنوي عن الاستثمار في قطاع الطاقة عالمياً، وهو تقرير طويل، ولكن سأركز على نقطة ارتفاع الكلف في هذا المقال.

قامت وكالة الطاقة بتصميم مقياس معياري لقياس كلف المعدات المستخدمة في كل أنواع الطاقة المتجدة والبطاريات وكل ما يلزم للتحول الأخضر. وبناءً على هذا المقياس ارتفعت كلف المدخلات اللازمة لبناء الألواح الشمسية والعنفات الهوائية والبطاريات، وغيرها، منذ نهاية عام 2020، بعد أن كانت في انخفاض كبير ومستمر في الأعوام التي قبلها. فقد كان المقياس عند 240 في 2014، واستمر بالانخفاض حتى وصل إلى 100 في الربع الرابع من عام 2019 (قبل كورونا)، ثم بدأ بعدها بالارتفاع، وما زال في ارتفاع حتى الآن. وهو يقترب حالياً إلى ما كان عليه في عام 2018.

وأشارت وكالة الطاقة في تقريرها إلى أن كلف الألواح الشمسية الكهروضوئية ارتفعت في بداية عام 2022 بمقدار 20 في المئة مقارنة بعام 2021، كما أن كلف توربينات الرياح ارتفعت بنسبة 35 في المئة عما كانت عليه في عام 2020.

حتى كلف إنتاج الكيلوواط/ ساعة من الطاقة المتجددة، زادت، علماً أن طريقة مقارنة كلف الكيلوواط/ ساعة لمصادر الطاقة المختلفة غير صحيحة، ومتحيزة لصالح الطاقة المتجددة.

الإشكالية هنا هي إصرار داعمي سياسات التغير المناخي على أن هذه الكلف ستستمر بالانخفاض حتى تصبح أرخص مصادر الطاقة والمواصلات، وهذا لم يحصل، بحسب أرقامهم هم. والحقيقة أن ارتفاع الكلف أكبر لأنها لم تشمل الإعانات الإضافية التي قدمتها الإعانات لمنع انهيار بعض الشركات، ولم تشمل الآثار السلبية لارتفاع كلف الطاقة على الاقتصاد، ولم تشمل تكلفة المحطات البديلة، بخاصة الغاز، التي تبقى على أهبة الاستعداد طيلة الوقت لتغطية تقطع الطاقة الشمسية والهوائية، ولا تشمل الإعانات التي تقدمها بعض الحكومات لبعض مزارع الرياح كي تتوقف عن العمل.

ارتفعت أسعار المدخلات، والتي تتضمن عديداً من المعادن، وشرائح الكمبيوتر، وغيرها لأسباب اقتصادية عدة، أهمها أن زيادة الطلب على معادن معينة رفعت أسعارها، ومشكلات النقل العالمية بعد انتهاء إغلاقات "كوفيد-19"، ولأسباب سياسية بسبب الحروب التجارية مع الصين، ورفع الضرائب الجمركية، بخاصة على الألواح الشمسية، ومحاولة التنقيب عن بعض المعادن محلياً، والأجور في أوروبا وأميركا عالية.

تقرير وكالة الطاقة الدولية لا يغطي الأشهر الأولى من عام 2023، ولكن البيانات المتاحة توضح أن كلف الطاقة المتجددة والبطاريات والسيارات الكهربائية استمرت في الزيادة. كما أن بيانات وكالة الطاقة لا تشمل بعض التفاصيل مثل الأجور والأرض، ومواد البناء، والتي ارتفعت كلها.

ونظراً إلى التنافس على الأراضي في الاستخدامات المختلفة، ولمعارضة كثير من القرى والمدن الصغيرة لوجود مزارع رياح قريبة منها، يتم حالياً التركيز على الرياح في البحار، وهذا يرفع الكلف بشكل ملحوظ. وحتى لو تم حل المشكلات التجارية وتم تخفيض الرسوم الجمركية، فإن سياسات الأمن القومي تتطلب سياسات جديدة تتعلق بتخفيض الاعتماد على المعادن المهمة لتحقيق التحول الأخضر، وهذا سيرفع الكلف بشكل كبير بسبب ارتفاع أجور العمال في الغرب من جهة، والقوانين البيئية الصارمة التي تحكم المناجم من جهة أخرى.

ختاماً، حديث وكالة الطاقة الدولية بالأرقام عن ارتفاع الكلف يضع حداً للأساطير التي تحيط بالتراجع المستمر في كلف الطاقة "المتجددة". وكما ذكرت سابقاً، الطاقة الشمسية وطاقة الرياح ليستا متجددتين، وليستا مستدامتين. المتجدد والمستدام هي أشعة الشمس والرياح، ولكن المشاريع لها عمر محدد في العقد، وتنتهي.

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس-اندبندنت عربية-



مقالات أخرى للكاتب

  • زيادة واردات النفط في آسيا وأوروبا... هل ترفع أسعاره فوق 90 دولارا؟
  • المستقبل للغاز  
  • كيف تحولت الولايات المتحدة إلى أكبر منتج للنفط والغاز؟





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي