التعويضات الخيالية التي دفعتها قناة "فوكس" تبرز مكانة الموضوعية
2023-05-01
شون أوغرايدي
شون أوغرايدي

"إن معرفة الحقيقة تحدث فرقاً. وللكذب عواقب". لقد عبر محامي شركة "دومينيون لأنظمة الاقتراع" Dominion Voting Systems عن القضية بشكل أفضل من كل ما كان ليفعله جيش المرتزقة من الصحافيين التابعين لروبرت مردوخ بأكمله، أو، بالطبع بشكل أفضل مما كان ليسمح لهم بمحاولة قوله (إن قصة الحكم في قضية "دومينيون" المثيرة لم تتطرق إليها بما فيه الكفاية قنوات ميرودخ ومطبوعاته). وربما حان الوقت كي يقرر أحدهم، في مكان ما في العالم أن "لقد اكتفينا أصلاً من الأخبار الزائفة".

من دون أن نتمنى أن نبدو وكأننا على شيء من القداسة، إلا أننا، نحن الصحافيون جميعنا ربما لا نخلو من العيوب ــ لكن الإهانة التي لحقت بقناة "فوكس" الإخبارية على يد شركة "دومينيون"، وهي لم تكن قبل اليوم سوى شركة تصنع ماكينات للاقتراع [الإلكتروني]، انتصار للحقيقة.

ربما لا يكون الأمر بهذه البساطة ــ لأنه لا يمكن لأية قضية تشهير قضائية بهذا الحجم أن تكون بسيطة ــ لكن العالم اليوم أصبح أفضل حالاً قليلاً، وأكثر أمناً قليلاً، ويتمتع بحماية أكبر بقليل من الانتهاكات جراء سطوة قطاع الإعلام مقارنة بما كان عليه الوضع قبل أن تقرر قناة فوكس الإخبارية التابعة لميردوخ أن تتنازل في المواجهة أمام شركة "دومينيون".

خسرت قناة فوكس الإخبارية حوالى 787 مليون دولار أميركي (733 جنيهاً استرلينياً)، وتوجب عليها أن "تعترف" بأخطائها، وارتكابها أسوأ عملية خداع يمكن لمؤسسة إخبارية أن تقوم بها بحق جمهورها. أجل، إن جمهور القناة كانوا متلهفين لتلقينهم هذه التحريفات الصحافية، وإنهم كانوا تواقين إلى البقاء ضمن دائرة إيمانهم بأن دونالد ترمب كان على حق، وإن انتخابات 2020 الرئاسية كانت سرقت. لكننا نعلم ذلك، وكما كانت اللافتات المعارضة لقناة فوكس تقول "فوكس نيو" Fox Knew، أي أن قناة فوكس كانت "على علم" بأن ترمب كان يتفوه بالأكاذيب، وعلى رغم ذلك قاموا بنشر ما كان يقوله.

هذه لم تكن قضية قيام بعض المصادر الموثوقة بارتكاب خطأ في التقييم لإحدى المعلومات، أو أن خطأ ربما ارتكب خلال إعداد تفاصيل برنامج وثائقي استقصائي. كان الأمر نتيجة قرار واع وعملية خداع مقصودة، كما أظهرته الأدلة الموثقة التي تم الكشف عنها كجزء من القضية. ولكن، وعلى غير العادة، لقد فضحوا، وعوقبوا. وعلينا أن نبتهج فرحاً بسبب تلك الأخبار، كما قال أحدهم.

بالطبع، ربما يكون هناك مجال لمزيد من البهجة في المستقبل. فشركة "دومينيون" ليست الوحيدة بين الشركات المصنعة لأنظمة الاقتراع التي ادعت بأن سمعتها تلطخت من خلال نشر معلومات خاطئة مع العلم المسبق بأنها خاطئة، على "قناة فوكس الإخبارية".  مع الأسف الشديد، لا! إن الشركة الإعلامية [مجموعة مردوخ] تواجه أيضاً قضية تشهير قضائية قيمتها 2.7 مليار دولار أميركي، رفعت ضدها من قبل شركة أخرى لخرى تصنيع أنظمة تكنولوجيا الاقتراع هي شركة "سمارتماتيك" Smartmatic التي تدعي بأن الأخبار الكاذبة التي بثتها قناة فوكس أدت إلى تدمير تجارة الشركة.

شركة "سمارتماتيك" تدعي بأن قناة فوكس الإخبارية قامت ومع سبق الإصرار والتصميم ــ لاحظوا عبارة "مع سبق الإصرار والتصميم" ــ قامت "بنشر 100 بيان كاذب يحمل تبعات" للشركة، كررت وضخمت المعلومات الكاذبة الصادرة عن ترمب وحلفائه بأن "سمارتماتيك" لعبت دوراً في خسارته لتلك الانتخابات. بالطبع، يمكن للمرء أن يضيف، أن قاضياً أميركياً واحداً شجاعاً، قال إن رسائل بريد إلكتروني كشف عنها تظهر أن "الرئيس ترمب كان يعلم أن الأرقام المتعلقة بالغش الانتخابي كانت خاطئة، ولكنه مع ذلك واصل إعلان تلك الأرقام في الفضاء العام وفي المحاكم".

ربما من المفيد أن نتوقف للحظة للتفكير في الكيفية التي أجبرت فيها قناة فوكس على الاعتراف بما ارتكبته عام 2020. فذلك لم يحصل لأن الديمقراطيين كانوا تفوقوا عليهم في الجدال الدائر. ولم يحصل، لأن أي واحد من ادعاءات ترمب التي تكررت ونشرت إعلامياً من قبل قناة فوكس كانت تدعمها الأدلة، أو أن أي واحدة من المحاكم كانت لتكون قادرة على السماح [للشركات] بمواصلة الملاحقة القضائية إلى هذه النقطة.

ولم يحصل الاعتراف أيضاً، لغياب المنطق في سردية "فوكس" ــ لأنه لو كانت هناك أي أسس للادعاءات عن وجود مؤامرة عظيمة سرية، فلماذا لم تنجح في سرقة فوز ترمب في انتخابات عام 2016؟ وأيضاً من أجل ذلك، لماذا يهتم ترمب من جديد بدخول السباق الرئاسي حالياً، إذا كان الديمقراطيون ومنظمة "أنتيفا" (معادو الفاشية) Antifa والجمهوريون الملقبون بـ"راينوز" في إشارة إلى كونهم جمهوريين بالاسم فقط، يمكنهم وببساطة أن يسرقوا انتخابات 2024 أيضاً؟

لا، إن الأكاذيب ترتب تبعات لأنها أدت إلى خسارة شركتين كبيرتين كثيراً من الأموال، وهذه الشركات تناضل من أجل حقها في الحصول على التعويضات. أما الأمر الأعظم الذي بالطبع لا يمكن قياسه، وهو الأثر الذي خلفته تلك الأكاذيب في وضعية الديمقراطية الأميركية، فلا يبدو أن أحداً سيعاقب عليه، وإن ذلك يشبه قيام إحدى الشركات التي تعالج الصرف الصحي بتحويل مياه الصرف غير المعالجة إلى النهر من دون أن تخشى أن تحاسب على فعلتها. 

لو قامت كل من "دومينيون" و"سمارتماتيك" باتخاذ قرار بتجاهل الموضوع، أو أنهما توصلتا إلى تسوية بعيدة من الأضواء، لما كان كشف عما نشره كل من ترمب وقناة فوكس من أكاذيب.

إذاً لا بد من الإضافة أنه في مقابل كل الهجمات التي شنت على "الناشطين" و"المحامين اليساريين"، فإننا وفي معظم الدول الغربية، لا يزال لدينا نظام قضائي مستقل وحر [يمكن اللجوء إليه]، (ولكنه قطاع يتعرض للهجمات المستمرة). نحن نرى ذلك يحدث في بريطانيا حالياً، عندما كشف تحقيق ليفيسون Leveson Inquiry كشف عن حجم عمليات التنصت غير الشرعية [على هواتف الأفراد] وعمليات سرقة المعلومات الفردية على مستوى تجاري واسع، من دون تقديم تلك الجهات أي أعذار تبرر مثل هذه الأعمال للمصلحة العامة بتاتاً. والقضية القانونية التي تعمل عليها حالياً البارونة (دورين) لورانس، وتتعلق بالأمير هاري، والسير سايمون هيوز، وآخرين ممن جرى التنصت على هواتفهم هي أمثلة على قضايا أخرى تبرز العمل الجاري لمحاسبة وسائل الإعلام.

النصر الذي حققته شركة "دومينيون" على قناة فوكس الإخبارية لن ينجح في تغيير النظرة إلى المكانة التي انحدرت إليها الثقافة السياسية. إن قناة فوكس الإخبارية لا تبدو مستعدة لتغيير طريقة عملها. فهي ستقوم فقط بالابتعاد قليلاً عن ادعاءات ترمب الغبية بسرقة الانتخابات (كما سيفعل ترمب نفسه أيضاً، ربما). 

لن تتغير أمور كثيرة. الصحافيون ومن قبلهم المؤرخون، وكتاب السيناريو، والصحافيون الذين يعملون على التوثيق التاريخي، كانوا نشروا عن قصد نسخاً مختلفة لمواد محرفة للواقع منذ بداية التواصل بين أبناء البشر. السياسيون أيضاً قاموا بمثل ذلك طبعاً. لذلك يجب علينا أيضاً التحلي بالواقعية وألا نكون مثاليين، إذ: لم تكن هناك في يوم من الأيام فترة ذهبية للإعلام النظيف، ولن يحدث ذلك في المستقبل أبداً.

إن ثقافة البث الإخباري المستمر على مدى الساعة 24/7 الحديثة، ووسائل التواصل الإجتماعي، أيضاً وبصراحة، الموجة الجديدة للفاشيين الجدد الشعبويين، يشكلون كلهم تهديداً كبيراً وغير مسبوق لهذه المثل العظيمة والثمينة المتعلقة بالحقيقة والثقة والديمقراطية.

إن ترمب وقناة فوكس ليسا بصدد الرحيل في وقت قريب. فهم أبعد ما يكون عن ذلك، لأنه يبدو من الحقيقي جداً أيضاً، علمهم الجيد بأن الأكاذيب لا تتم المحاسبة عليها في معظم الأحيان.

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس-اندبندنت عربية-



مقالات أخرى للكاتب

  • ترمب مخطئ جدا بشأن "الناتو" ومصير الغرب شائك في حال فوزه  
  • محكمة كولورادو تمنح ترمب ما يريده تحديدا  
  • بريطانيا قد تعود إلى الحضن الأوروبي بصيغة فرنسية  





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي