هل أنت طائفي؟ أهلا بك في العراق
2023-02-25
فاروق يوسف
فاروق يوسف

استعراض للحشد الشعبي في بغدادالكثير من الاعلام الصفراء للحشد الشعبي وعلم عراقي يتيم
بين حين وآخر ينفجر لغم طائفي في العراق لأتفه الأسباب. فالبلد هو عبارة عن حقل ألغام والبشر هناك انما يسيرون في دروب مرسومة بحذر ويتحاشون أن يخترقوا خطوطا حمراء غير مرئية قد تؤدي بهم إلى حتفهم قبل أن يتمكنوا من الدفاع عن أنفسهم.

وما تصنيف العراق باعتباره البلد الأكثر خطورة في العالم إلا تعبير عن حقيقة ما يجري على الأرض وما يمكن أن يجري حسب توقعات لا تخطأ. فليس عدم وجود حرب أهلية معلنة ومباشرة معناه أن تلك الحرب ليست قائمة. فما دامت هناك خرائط طائفية فإن اي اختلاف مهما كان صغيرا يمكن أن يشعل حربا. وغالبا ما تبدا الحروب الأهلية لأسباب تافهة. وتلك هي نظرية عود الثقاب الذي يمكن أن يحرق غابة.

غير أن الحق يُقال. ما فعلته الأحزاب يفوق بأضعاف ما توقع الأميركان وقوعه. صحيح أنهم غزوا دولة تُحتضر وأسقطوا نظاما سياسيا متهالكا، غير أنهم حين وضعوا العراق على سكة المصير الأسود كانوا في حاجة إلى أدوات لتنفيذ مشروعهم المستقبلي الذي يحول العراق إلى دولة على الورق. لا حول ولا قوة لها. غير أنها يجب أن تكون قادرة على تحطيم نفسها بنفسها من غير الحاجة إلى ضربات من الخارج. آلية انتحار ذاتي لا تتوقف عن الحركة.

وكما هو معروف فإن بريطانيا التي تعرف العراق من الداخل كانت قد قدمت إلى الأميركان تفاصيل الوصفة التي يمكنهم من خلالها أن يحققوا مشروعهم بالاستعانة مع عدوتهم إيران. فالخصومة هي في مكان آخر. وكانت إيران بسبب عدائها التاريخي للشعب العراقي في انتظار شارة الانطلاق.

اليوم بعد عشرين سنة من الغزو الذي تلته حروب داخلية بأداء خلاق قدمته الأطراف العراقية بجنون فريد من نوعه لم تعد هناك إمكانية لإعادة البلد إلى طريق السلامة. فهو يركض إلى هاويته بقوة دفع ذاتي. ليس لأن النظام السياسي قائم على الطائفية حسب، بل وأيضا لأن الأحزاب نجحت في تطبيع الطائفية ثقافيا واجتماعيا. ومَن كان يوما ما متفائلا وهو يقول "العراق ليس لبنان" صار اليوم متشائما وهو يردد "صار على لبنان أن يركض أسرع من أجل أن يتساوى طائفيا مع العراق. فالعراق هو الذي ربح السباق".

ليست الطائفية في العراق اليوم ظاهرة فوقية، بل هي النهج الذي ينظم حركة الأفراد والجماعات على حد سواء. صحيح أن هناك مَن يمقت الطائفية والطائفيين غير أنه لا يملك القدرة على التغيير. فهو مستضعف ويمكن أن يتحول في أية لحظة إلى ضحية لا أحد يسأل عن مصيرها بعد أن تحول المجتمع كله إلى منجم لإنتاج القتلة المعلنين والسريين على حد سواء. ومن يجرؤ على قول كلمة تنديد في حق طائفي وضيع لابد أن يتلقى الصفعة على هيئة رصاصة أو قنبلة. فبلد النخيل والشعراء صار مخزنا للسلاح ومعسكرا للقتلة. لقد انتهى زمن الصلح الاجتماعي. هناك قوى داخلية مدعومة بقوى خارجية لا ترغب في استعادة ذلك الزمن تعبيرا عن كراهيتها للعراق والعراقيين. وهو ما لا يمكن التستر عليه. وما الفساد الذي اخترق الحياة في العراق عموديا وأفقيا إلا نتيجة طبيعية لتلك الكراهية المتأصلة في قلوب الحزبيين الطائفيين الذين يتداولون السلطة تحت غطاء ديمقراطي زائف.

هل يمكن للعراقيين أن ينتظروا حلا يأتيهم من الخارج مثلما انتظر البعض في وقت سابق غزوا يأتيهم من الفضاء لينقذهم من نظام البعث؟

كل المعطيات الواقعية تؤكد أن ذلك الحل لا وجود له. فالطائفية التي هي أساس البلاء ليست مرضا يمكن علاجه بالأدوية وما من طب متخصص بعلاجها. الطائفية هي بذرة شر يجب اقتلاعها من الداخل بعد اجراء تعديلات جوهرية لا على الواقع السياسي وحده، بل وأيضا على آلية حركة المجتمع وفلسفته في الوجود. وما لم يكافح العراقيون انتشار ذلك الوباء في اعماقهم فإنهم سيدفعون ثمنا تزداد آثاره السيئة مع الوقت ولن يتوقف إلى أن يقضي عليهم أجمعين.

الطائفية في العراق لن تختفي أو تموت تلقائيا. فهناك مَن يعمل على تفعيلها كل لحظة ويمدها بأسباب جديدة للحياة. وما ألغامها التي تنفجر بين حين وآخر إلا دليل على أن العراق هو المكان الأكثر خطورة على إنسانية البشر ووجودهم. لا يزال كذلك وسيبقى ما لم يعالج العراقيون أمراضهم بأنفسهم.

*كاتب عراقي - ميدل ايست اونلاين
*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس



مقالات أخرى للكاتب

  • بعد سقوط الدولة الوطنية
  • خفايا الروس والأميركان في المسألة اليمنية
  • من الصعب أن تكون رئيسا بعد ترامب





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي