بوريس جونسون قد يخرج حزب المحافظين من السلطة 10 سنوات
2023-01-27
ديفيد ديفيز
ديفيد ديفيز

بعد اضطرابات العام الماضي، كان أبرز تساؤل طرحه عليّ نواب حزب المحافظين الشباب هو "هل ستكون الانتخابات العامة البريطانية المقبلة بمثابة إعادة لنتائج انتخابات 1997 بالنسبة إلى الحزب ؟". وقد لجأت دائماً إلى الإجابة بالنفي، مشيراً إلى أن "ثمة فارقاً واسعاً بالنقاط بيننا وحزب العمال، لكنه ليس عميقاً. فليست هناك حماسة لإعادة انتخابهم [في أوساط الرأي العام البريطاني] فلذلك قد تكون لدينا القدرة على الفوز". استمرت إجابتي تلك حتى الفترة التي بدأ فيها أنصار رئيس الحكومة السابق بوريس جونسون بالترويج لعودته لسدة رئاسة الحكومة. حالياً، أنا أضيف إلى تلك الإجابة، "من غير المتوقع أن تكون [هزيمة بحجم هزيمة عام] 1997، إلا إذا عملتم على جعلها كذلك".

لقد جاءت انتخابات عام 1997 استثنائية بطرق عدة. يأتي أحد الأمثلة على ذلك من أن حكومة جون ميجور بذلت جهداً استثنائياً في إنقاذ الاقتصاد البريطاني إلى درجة أن المستشار الاقتصادي لرئيس الحكومة السابق توني بلير، وصف وضع الاقتصاد [عشية تسلم بلير السلطة] بأنه كان الأفضل الذي ورثته تاريخياً أي حكومة من حكومات حزب العمال من حزب المحافظين.

وعلى رغم ذلك، لم يحصل حزب المحافظين على أي اعتراف لهم بالفضل في تحقيق ذلك الإنجاز. وأبرزت نتائج تلك الانتخابات في 1997 أن الحزب خسر بشكل مدمر. وعلى طبق من فضة، قدم المحافظون لحزب العمال عقداً ذهبياً كاملاً من الازدهار.   لقد حدث ذلك لأن نواب حزب المحافظين في البرلمان أمضوا الأعوام الأربعة التي سبقت تلك الانتخابات، في حروب في ما بينهم. وحينما يعمل أعضاء الحزب الحاكم عن سابق إصرار وتصميم، على إضعاف رئيس الحكومة والتشهير بزعامة الحزب، فلماذا إذاً يكون متوجباً على الناخب البريطاني العادي أن يصوت لمصلحتهم؟ اليوم، نحن نخاطر بفعل الشيء نفسه.

لقد غصت الصحف البريطانية في الأسابيع الأخيرة بتوقعات تلامذة بوريس جونسون، عن عودته المدوية حينما تفتح صناديق الاقتراع، في شكل يجعلك تعتقد بأنهم يفعلون ذلك بغية أن تصدق تمنياتهم. ويبدو كأن الهدف من ذلك هو أن ينجح بطلهم في العودة المظفرة لواجهة الحوادث. واستطراداً، فلقد نسوا أن الأسباب في تراجع حظوظ الحزب الانتخابية تلام عليها بالتساوي ليز تراس وجونسون نفسه، إذ أشرف الاثنان على حوالى 10 في المئة من التراجع المزمن الذي أصابنا [وموقع البلد واقتصاده]. كذلك لم يكن هذا التراجع مجرد الانكفاء الاعتيادي الذي يحدث في منتصف ولاية أي عهد سياسي، إذ يحصل بسبب اتخاذ الحكومات قرارات قاسية لكنها تكون ضرورية في إدارة شؤون البلاد. واشتهر بوريس جونسون بتلافيه اتخاذ أي قرارات كمن يفر من وباء الطاعون. بالتالي، فقد نال نصيبه في شأن التسبب بجزء من ذلك التراجع [في موقع بريطانيا واقتصادها]، وجاء ذلك كحكم مباشر على شخصيته من قبل الرأي العام، خصوصاً دوره في "بارتي غيت" Partygate، [أو فضيحة الحفلات التي أقيمت في مقر الحكومة خلال فترة إغلاق كورونا].

استكمالاً، إن استطلاعات الرأي التي أجريت في الفترة التي غادر خلالها بوريس جونسون منصبه، أظهرت حصوله على تقييم سلبي في الشعبية بلغت نسبته 53- في المئة، وهي نسبة تعتبر الأسوأ لرئيس للحكومة البريطانية في العصر الحديث. وقد تفوقت رئيسة الحكومة السابقة ليز تراس على جونسون بتحقيقها تقييم سلبي في شعبيتها وصلت إلى 77- في المئة، وهي النسبة الأسوأ التي سجلها أي زعيم بريطاني منذ بدء تدوين السجلات. ولم يسبق لأي رئيس وزراء بريطاني أن سجل نسبة كهذه من التقييم السلبي في الشعبية، ثم نجح في وقت لاحق في تسجيل انتصار في الانتخابات حال إجرائها.

تذكيراً، لقد تلقت رئيسة الوزراء السابقة ليز تراس دعماً من فريق جونسون. ثم جاء ذلك السقوط الدراماتيكي لتراس نتيجة تقييم الأسواق المالية لها، إضافة إلى حكم الرأي العام على مصداقيتها (أو بالأحرى، غياب المصداقية) في ما يتعلق بسياساتها الاقتصادية. وقبل حدوث ذلك، تلقت تراس تحذيراً من المضي في تنفيذها [السياسات الاقتصادية] مرات عدة من قبل [رئيس الحكومة الحالي] ريشي سوناك خلال فترة الانتخابات لإيجاد رئيس جديد لحزب المحافظين [الصيف الماضي]. بالتالي، إن الورطة التي تجد بريطانيا نفسها فيها تقع على عاتق معسكر بوريس جونسون إلى حد كبير [في حزب المحافظين] وورثته السياسيين ومن يخلفوه.

واستكمالاً، ثمة مساعٍ لإرضاء "مجموعة من رجال الملك" الذين يصعب إرضاؤهم، ويرتضون بتقديم أنفسهم كأتباع لمدرسة "التاتشرية الحديثة". وليس من شأن ذلك إلا أن يكون مفيداً لحزب العمال، مع كونه عملية مدمرة لحزب المحافظين، إذ يعتمد بعض تلك المساعي على سوء فهم عظيم عما تتطلبه عملية إدارة شؤون الدولة. وكذلك يأتي بعضها [المساعي] الآخر استناداً إلى سوء الفهم عن حقيقة ما أنجزته فعلياً أعظم رئيسة للوزراء، مارغريت تاتشر، في عصرنا الحديث. لقد أبدت تاتشر حذراً فائقاً في أشياء بدا الآخرون غير مبالين حيالها. واستنتجت تاتشر أن الأيديولوجية المحافظة التي ترتكز على ضرائب قليلة، وتدخل حكومي قليل، تشكل أحد أصعب أنواع فنون الحكم، لكنها ليس معتقداً دينياً. وإذا أردتم أدلة على ذلك، لاحظوا أن أعظم مهندس لاستراتيجية سياستها النقدية، الوزير السابق نايجل لوسون، دعم بقوة ريشي سوناك [أثناء انتخابات حزب المحافظين الصيف الفائت لمنصب رئيس الحزب، بالتالي رئاسة الوزارة] وليس ليز تراس.

إن تصرفات كهذه لا تأتي سوى بالسلبيات، ولا تتولد منها إيجابيات.

إن كتيبة أنصار بوريس جونسون يسعدهم الادعاء بأن بطلهم نجح في حصد الفوز في انتخابات 2019 لحزب المحافظين بمفرده. أجل، إن أي رئيس حكومة ينجح في كسب أي انتخابات يمكنه الادعاء بأن الفضل في ذلك الفوز يعود له، وهذا جزء من طريقة عمل نظامنا. وفي المقابل، لا تشبه تلك الكلمات القول إنه شكّل السبب الرئيس الذي أدى إلى فوز حزب المحافظين في تلك الانتخابات، أو الاستنتاج بأن ذلك [الفوز في انتخابات 2019] يكفي للقول إنه سيكرر الفوز.

لقد كنت أعمل ضمن الحملات الانتخابية في أحياء شعبية في أكثر من 17 دائرة انتخابية نجحنا في الفوز بها جميعها في انتخابات عام 2019، وطرقنا على مئات أبواب السكان في تلك الدوائر. ولا حتى في منزل واحد، كان اسم بوريس جونسون أول ما نطق به أي من أولئك الناخبين. لقد كانوا يذكرون اسم جيريمي كوربين زعيم حزب العمال. على عتبات المنزل تلو المنزل من بيوت أفراد من الطبقة العاملة، سمعتُ عن مخاوفهم من إمكانية رفعه نسبة الضرائب، إضافة إلى عدم ثقتهم بمبادئه. لقد شكل زعيم حزب العمال جيريمي كوربين السبب الرئيس لفوزنا نحن حزب المحافظين، في تلك الانتخابات.

وفي نفس مماثل، لم يكن بوريس جونسون السبب الثانوي لفوز المحافظين أيضاً، إذ تمثل السبب الثاني في سحب نايجل فاراج [سياسي بريطاني مثير للجدال] لمرشحيه في كل الدوائر التي كان حزب المحافظين أوفر حظاً للفوز بها، بالتالي قدم من خلال ذلك دعماً كبيراً وواضحاً للمحافظين. ونجح ذلك في منع تفوق الليبراليين [أي أنصار الحزب الديمقراطي الليبراليي] واكتساحهم المقاعد النيابية في جنوب البلاد، وهو الأمر الذي كان من شأنه أن يقضي على فرص انتخاب [نائب رئيس الوزراء] دومينيك راب، وكذلك فرص [وزير المالية الحالي] جيريمي هانت في الفوز بمقعده النيابي، إضافة إلى كثيرين غيرهما. وقد شجعت تلك الأمور كثيرين ممن يصوتون تقليدياً لمصلحة حزب العمال، على الإدلاء بأصواتهم لمصلحة حزب المحافظين في مناطق ميدلاندز، في وسط البلاد وشمالها.

وبالطبع، يستحق رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون بعض الثناء على دوره، لكن لا يجب أن يتخيل أحد أن بإمكانه أن يكرر الحيلة [التي أوصلته في المرة الماضية إلى منصب رئيس الحكومة]. لا كوربين ولا فاراج سيلعبان أي دور مساعد في المرة المقبلة، وشخص بوريس جونسون نفسه قد تعرض للضرر.

وفي شأن تقييم مدى الضرر الذي حاق بجونسون، فإنني استنتجتُ ذلك تحديداً قبل عام من اليوم، حينما طالبته بالاستقالة. لقد توقعتُ بأن أكوّن كثيراً من الأعداء من خلال تصرفي بذلك الشكل، لكنني كنت قد وصلت إلى خلاصة مفادها بأن فضيحة "بارتي غايت"، وسلسلة من الأخطاء الأخرى التي لم يكن جونسون مرغماً على ارتكابها، شكلت أخطاء مسيئة بشكل جدي لحزب المحافظين، ومسيئة لمبدأ الحوكمة الجيدة. في الأيام والأسابيع والأشهر التي تلت مداخلتي، وبشكل فاجأني تماماً، تلقيتُ كثيراً من الدعم، إذ استوقفني عشرات الأشخاص في الشارع ليخبروني أنهم كانوا من الناخبين التقليديين لحزب المحافظين لكنهم لن يصوتوا أبداً للحزب إذا تزعمه بوريس جونسون. ولبعض الوقت، لم يتوقف هذا السيل من الناس.

وحاضراً، ثمة أقلية صغيرة مصممة من أعضاء حزب المحافظين، تعكف على إحداث الضجة سعياً إلى إعادة اختيار بوريس جونسون لقيادة الحزب، لكنه على رغم ذلك يبقى شخصية تسبب الانقسامات. وأنا أعتقد بأن الوضع سيسوء أكثر فأكثر.

نحن نشهد حالياً فصول تحقيقين منفصلين ضد جونسون. التحقيق الأول تجريه لجنة الامتيازات البرلمانية التي ستقرر إذا كان بوريس جونسون ضلل عن قصد نواب البرلمان البريطاني، إذ يكرر أنصار جونسون المرة تلو المرة، بشكل شبه فاقد للأمل، أنه لا يمكن الجزم بأن تضليل جونسون للبرلمان شكل عملاً مقصوداً. ومن خلال ذلك، يتناسى أنصار جونسون أن المسألة ليست معلقة على إيجاد مستوى الأدلة المطلوب في التحقيقات الجنائية، وأن يأتي الحكم بناء على "أدلة ليس فيها أدنى شك". وأنا أشك بأنه إذا أصدرت تلك اللجنة قراراً مبنياً على موازنة الاحتمالات [وليس التوصل إلى أدلة حاسمة] يفيد بأن جونسون قد ضلل النواب، فسيجده أعضاء اللجنة مذنباً أيضاً [بمعنى أنه فعل ذلك عن قصد]. وقد يلي ذلك كل أنواع النتائج الإشكالية، ومن المعقول أن يخسر مقعده النيابي.

واستدراكاً، فحتى لو لم تسر الأمور على ذلك النحو، فسيغلب على الأشهر القليلة المقبلة استعراض جلسات الاستماع لأقوال الشهود. بالتالي، سنمضي وقتاً طويلاً في معرفة كيفية تجاهل مقر رئاسة الحكومة في ظل قيادة بوريس جونسون، الإجراءات التي حظرت على الناس العاديين رؤية أحبائهم، وفي كثير من الأحيان حتى أن يكونوا معهم في آخر أيام حياتهم، إضافة إلى الشلل في مناحٍ حياتية متعددة، لا سيما حفلات الأعراس والجنازات.

ثم سنتابع الجانب الشعبي من التحقيقات المتعلقة بجدوى إدارة الحكومة وإجراءاتها في التعامل مع الجائحة، إذ يروق لبوريس جونسون أن يدعي بأنه "على صواب في القرارات الكبيرة التي اتخذها". إن التحقيق سيتحدى ذلك الرأي، خصوصاً في ظل العدد الزائد والمؤسف لأرقام الوفيات، بالمقارنة مع نهج تعامل السويد الذي جاء أكثر فاعلية من الاستراتيجية البريطانية. لنكون عادلين، لقد ارتكبت معظم الدول الأخرى أخطاء مماثلة، وكذلك فعل حزب العمال أيضاً. في المقابل، سيعمل ذلك على إزالة الادعاء بأن الحكومة كانت فاعلة [في طريقة مواجهتها الجائحة]. ويشمل ذلك أداء الحكومة قبل أن تقع في كوارث استيراد معدات الوقاية الشخصية من كورونا، وفشلها في بناء وتشغيل برنامج التتبع والرصد، إضافة إلى الخطأ المريع في نقل مرضى المستشفيات إلى بيوت رعاية المسنين [بسبب إخلاء أسرة المستشفيات للمصابين جراء الجائحة] وغيرها من القرارات.

كخلاصة، لن يكون بوريس جونسون القيمة الانتخابية المضافة التي يدعيها أنصاره. إن قرع الطبول المستمر للدعوة إلى ضرورة عودته، سيكون مصيره الفشل بالتأكيد. وفي تلك الأثناء، سيؤدي ذلك [القرع] إلى تقويض فرص الحزب في الانتخابات المقبلة. وكذلك فإن مواصلة الحديث علانية عن الانقسامات في حزب المحافظين، ومواصلة التقليل من شأن القيادة المحافظة الحالية، لن تؤديا سوى إلى إحداث مزيد من الضرر.

والأكثر من ذلك، إن من كانوا عام 1997، الأعلى صوتاً في انتقاداتهم لحكومة المحافظين في ذلك الوقت، انتهى بهم الأمر إلى الخسارة بشكل أسوأ من غيرهم، إذ طردهم الناخبون شر طردة عبر محاسبتهم على تناقضاتهم عبر صناديق الاقتراع. من الممكن جداً لحكومة ريشي سوناك الكفوءة، وبفضل أسلوب تعاطيها الهادئ مع الأمور، أن تنجح في الفوز بالانتخابات المقبلة. في المقابل، إذا واصل بوريس مساعيه لتحقيق حلمه غير الواقعي والجنوني في إعادة إحياء رئاسته للحكومة، فإن الأمر نفسه سيحدث من جديد. والأهم من ذلك، هو أننا كحزب المحافظين سنكون خارج السلطة لعقد كامل من الزمن مرة جديدة.

* خدم ديفيد ديفيز كوزير للداخلية في حكومة الظل المعارضة من عام 2003 إلى 2008، ثم صار وزيراً للدولة من أجل الخروج من أوروبا (بريكست) من عام 2016 إلى 2018. وهو عضو حزب المحافظين. وخدم كنائب عن منطقة هالتمبرايس وهودون Haltemprice and Howden التي كانت سابقاً دائرة بوثفيري Boothferry  الانتخابية، منذ عام 1987.  

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس- اندبندنت عربية-



مقالات أخرى للكاتب

  • إطار ويندسور: العلاقات الطيبة مع الاتحاد الأوروبي لم تعد مستحيلة





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي