المكاسب الأوكرانية المذهلة تحمل أهمية بالغة بالنسبة إلى أمن أوروبا
2022-09-15
بيل ترو
بيل ترو

بعد أن طغى خبر وفاة الملكة إليزابيث الثانية على الأخبار يحتمل أن يمر أحد أهم الأحداث الإخبارية التي وقعت هذا الأسبوع مرور الكرام على رغم ضخامة تبعاته على سلامة أوروبا وأمنها.

ففي أوكرانيا - حيث تحول أكبر صراع تشهده القارة منذ الحرب العالمية الثانية إلى حرب استنزاف وحشية فقد الأمل منها في الظاهر - بدا أن الجيش الأوكراني كسر حالة الجمود هذا الأسبوع بشكل مذهل عبر هجوم مضاد شنه في الشمال الشرقي.  

كانت كل الأنظار شاخصة إلى محاولات أوكرانيا استرجاع السيطرة على منطقة خيرسون الجنوبية كاملة، لكن يبدو أنها كانت عملية تضليل معلوماتي متعمد لتحويل نظر روسيا عن مخططات كييف المتعلقة بخاركيف، تلك المنطقة الشمالية الشرقية المتاخمة للحدود الروسية.

اعتبرت المكاسب التي تحققت في خاركيف خلال الأيام الثلاثة الماضية أهم انتصار تحرزه أوكرانيا منذ انسحاب روسيا من محيط العاصمة كييف في أبريل (نيسان). فهي تعني بأن القوات الأوكرانية لا تسترجع فقط الأراضي المحتلة منذ شن الرئيس بوتين غزوه في فبراير (شباط)، بل يمكنها التقدم باتجاه المناطق الواقعة في قبضة الروس منذ عام 2014.

وفي إطار التقدم السريع الذي تحققه أوكرانيا دخلت قواتها بلدة إيزيوم الرئيسة، وهي مركز لوجيستي مهم جداً في  أبرز الحملات الروسية، أي في الهجوم المتواصل منذ أشهر من الشمال باتجاه منطقتي دونيتسك ولوغانسك المجاورتين، المعروفتين باسم دونباس. وإلى شمال هذه المنطقة يبدو أن الجنود استعادوا كوبيانسك، وهو المركز الوحيد للسكك الحديدية الذي يؤمن إمدادات الجبهة الروسية في الشمال الشرقي كاملة، مما يعني أن خط الإمداد قطع عن الجنود هناك.

كما أكدت السلطات الروسية انسحاب قواتها من بلدة رئيسة ثالثة هي بالاكليا الواقعة إلى الغرب، بهدف "تعزيز الجهود" على جبهة دونيتسك. دخلت القوات الأوكرانية البلدة يوم الجمعة.

وفي الواقع زعم الرئيس زيلينسكي ليلة السبت أنه منذ تجديد قواته هجومها المضاد هذا الشهر تمكنت من تحرير مساحة ألفي كيلومتر مربع (700 ميل مربع) من الأراضي، مما يعني أن أوكرانيا ضاعفت مكاسبها في غضون 24 ساعة فقط.

فيما يصعب التأكد من هذه المزاعم بشكل مستقل، فإن وزارة الدفاع الروسية أعلنت في الوقت نفسه عن سحبها قواتها من منطقتين في محيط خاركيف. وفي تصريحاته التي كررت تبريرات انسحاب روسيا من محيط كييف في مرحلة سابقة من الحرب، قال الناطق باسم وزارة الدفاع الروسية إيغور كوناشينكوف إن القوات "ستعيد تمركزها" من منطقتي بالاكليا وإيزيوم باتجاه منطقة دونيتسك الشرقية "من أجل تحقيق الأهداف المعلنة للعملية العسكرية الخاصة وتحرير دونباس".

لكن هذه الأنباء أثارت غضباً عارماً في الداخل الروسي، حتى من أشد المناصرين لغزو بوتين. وفي هذا السياق وجه إيغور غيركين المعلق الروسي الشهير الذي كان من بين القيادات الأولى للانتفاضة التي دعمتها موسكو في دونيتسك في عام 2014 انتقادات شديدة القسوة، فقد وصف الأحداث على تطبيق "تيليغرام" للمراسلات بـ"العملية العبقرية (التي تندرج بلا شك ضمن إطار خطة العمل، حتى إنها حدثت قبل موعدها) لنقل مدن إيزيوم وبالاكليا وكوبيانسك إلى أيدي الشركاء الأوكرانيين المبجلين". حتى إنه تمادى في الحديث في رسالة مصورة، وقال "لقد خسرنا بالفعل والباقي مسألة وقت فقط".

تتزامن هذه التطورات مع ورود تقارير تفيد بأن عدد القتلى والجرحى الروس خلال سبعة أشهر من اجتياح أوكرانيا يتخطى الخسائر التي تكبدتها روسيا خلال عشر سنوات من الحرب في أفغانستان- أقله وفقاً لتقديرات الولايات المتحدة، كما يبدو أنها أثرت في خططها بـ"روسنة" [فرض اللغة والثقافة الروسية] المناطق التي استولت عليها.

في كل المدن المحتلة فرضت روسيا ووكلاؤها الذين تدعمهم استخدام العملة الروسية ونصبت إدارات تابعة لها وسهلت عملية الحصول على جوازات سفر روسية وأطلقت مسار إجراء استفتاء شعبي حول قضية الانضمام إليها، لكن في خيرسون ومع تقدم القوات الأوكرانية قال المسؤولون المحليون المدعومون من موسكو في الآونة الأخيرة إنه سيتوجب إرجاء التصويت.

يبدو أن الأوكرانيين تمكنوا من تحقيق هذه المكاسب بعد وصول التعزيزات العسكرية اللازمة. منذ اندلاع الحرب حدثني مسؤولو الدفاع الأوكرانيون المرة تلو الأخرى عن رغبة كييف بتخليص نفسها من السلاح السوفياتي والانتقال بدلاً من ذلك إلى استخدام التجهيزات المعتمدة في "الناتو".

أدت راجمات الصواريخ المتعددة "هيمارس" التي قدمها الأميركيون دوراً حيوياً في نجاح القوات وغيرت مسار الأمور على الجبهات كافة، بحسب ما كرر مسؤولو وزارة الدفاع على مسامعي المرة تلو الأخرى، مضيفين بأن هذه النقطة إضافة إلى الهجمات المجتمعة على مخازن الأسلحة والقواعد الجوية الروسية جعلتا موسكو تعاني صعوبات في إعادة تجهيز قواتها، وهو ما يعد كارثة في إطار حرب الاستنزاف المدفعية.

بالطبع هذا لا يعني بأن انتصار أوكرانيا مضمون، لكن البلد لم يكن يوماً أقرب إلى النصر مما كان عليه هذا الأسبوع.

وكما قال براين ويتمور كبير الباحثين غير المقيم في مركز أوراسيا التابع للمجلس الأطلسي في حال تحقق هذا النصر "سيكون حدث بمستوى التحول النوعي في شكل الأمن الأوروبي، يوازي بحجمه أحداث عام 1989 حين حررت الدول الأطراف في حلف وارسو أنفسها من الهيمنة السوفياتية".

وكتب في مجلة "فورين بوليسي"، "لا يناضل الأوكرانيون في سبيل انتزاع سيادتهم واستقلالهم فحسب، بل يحاربون في سبيل تحرير أوروبا الشرقية للمرة الثانية ويختتمون بذلك العملية التي انطلقت في عام 1989. على الغرب أن يعد العدة للتعامل مع هذا الاحتمال". وقد يكون انتصاراً لنا جميعاً.

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس – اندبندنت عربية-



مقالات أخرى للكاتب

  • تداعيات الحرب أقسى على النساء والفتيات منها على الرجال
  • نهاية الحرب في أوكرانيا أبعد من أي وقت مضى  
  • ألم يحن الوقت لفتح التاريخ الإمبراطوري ومواجهة بريطانيا لماضيها؟





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي