زلة لسان بوش حول حرب العراق تذكر بكيل الغرب بمكيالين
2022-05-27
ماري ديجيفسكي
ماري ديجيفسكي

حتى لحظة انتشار مقطع الفيديو، الذي خلط خلاله الرئيس جورج بوش الابن بين أوكرانيا والعراق، على مواقع التواصل الاجتماعي، كان الادعاء بأن هناك وجه شبه بين اجتياح روسيا لأوكرانيا وأي حرب شنتها الولايات المتحدة الأميركية وحلف الشمال الأطلسي حديثاً مقتصراً على وسائل الإعلام غير التقليدية، أقله في العالم المتحدث باللغة الإنجليزية. لكن الأمر أصبح جلياً الآن.

في خطاب شديد اللهجة ألقاه من مسقط رأسه في دالاس في ولاية تكساس الأميركية، دان الرئيس السابق جورج بوش الابن، المعروف ببوش 43، الهجوم الروسي على أوكرانيا، مادحاً فضائل النظام الذي يعتمد على الانتخابات الديمقراطية. إلا أنه عاد وناقض نفسه وأفسد خطابه إلى حد بعيد، بسبب تلعثمه، عندما قال، "إن قراراً اتخذه رجل واحد لشن حرب همجية وغير مبررة على الإطلاق واجتياح العراق (ثم استدرك وصحح) أقصد أوكرانيا".

ظهر الرئيس الأميركي السابق في التسجيل وهو يضحك بسبب خطأه على طريقة جورج الابن المعهودة، ولهؤلاء ممن يذكرون الخفة التي تعامل فيها مع مسؤولياته "كقائد للعالم الحر". لقد قدم هذا الرجل لنا أكثر من عبارة مركبة مثل "لا تستخف خطأً"، (misunderestimate) [بدلاً من لا تستخف] أو عبارة "وضع الطعام على عائلتك" (food on your family) [بدلاً من تأمين الطعام لعائلتك]، وكل تلك العبارات التي زل لسانه من جديد فيها، لكنه اليوم يمكن أن يحمل سنواته الـ75 مسؤولية هذا الخطأ، وهو تحديداً ما فعله.

لكنني لست واثقة أن زلة اللسان هذه هي ببساطة تلعثم شخص طعن في السن. فأقل ما يمكن قوله إنها تكشف كم ما زالت حرب العراق مزروعة في أعماق ضمير هذا الرئيس، حتى بعد عشرين سنة خلت. فهو يعلم بالتأكيد، أنه وبغض النظر عن ضآلة ما حققه كرئيس فإن مغامرته المضللة تلك تبقى إلى اليوم وصمة عار لطّخت رئاسته، وهي ستحدد حتماً مكانته في التاريخ.

وهنا نستذكر كي لا ننسى أنه في عام 2003، شنّت الولايات المتحدة الأميركية، بمساعدة المملكة المتحدة في عهد توني بلير آنذاك، وبحماسة كبرى، عملية عسكرية ضد العراق، كان الهدف منها نزع السلاح وتغيير النظام.

وكانت الحجة أن كلا الطرفين كانا مقتنعين بأن العراق كان لا يزال يمتلك أسلحة كيماوية حتى بعدما جرى إتلافها. لقد اعتبرت الجهتان أنهما تؤديان خدمة للعالم. ولا بد من التذكير أن كل ذلك جاء أيضاً في سياق اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، التي أطاحت الفكرة السائدة عن أن أمن الولايات المتحدة لا يمكن مسّه.

وبغض النظر عما تعتقدونه في مسألة كذب بوش أو بلير بخصوص حرب العراق و"أسلحة الدمار الشامل العراقية" (وأنا لست ممن يعتقدون ذلك)، فإن أفضل ما يمكن إضفاؤه على الحرب العراقية هو الاعتراف بأنها كانت خطأ فادحاً، تعكس طريقة التمسك بالأحكام المسبقة، والاعتماد على المعلومات الاستخباراتية المضخمة، ومحاولات فاشلة للجم مجموعة من المبعدين الذين كانت لديهم قدرة على الإقناع، وكانوا عازمين على الاستيلاء على السلطة بأنفسهم.

لقد كان من الممكن إطاحة صدام حسين بشكل سهل نسبياً، لكن باعتقاد كثيرين من صقور تلك الإدارة المتحمسين جداً، أنه يمكن للعملية أن تكون "استعراضاً"، لكن الأمور سارت بشكل سيئ تماماً.

وأثبت الأميركيون والبريطانيون بأنهم ليسوا على مستوى التزاماتهم كقوى محتلة، مما أدى إلى انزلاق العراق في حرب أهلية. قتل نحو 5000 جندي أميركي في تلك الحرب، ومئتا جندي من المملكة المتحدة. أما عن حجم الخسائر العراقية فإن تلك الأرقام تبقى غير محددة تماماً، لكنها تتراوح بين مئات آلاف عدة من الضحايا ونحو المليون قتيل. وتحول البلد بعد ذلك إلى بؤرة من عدم الاستقرار في المنطقة، كما نشأ جيل عراقي كامل ضمن حالة انعدام الأمن تلك.

لكن ليس علينا استعراض الثمن البشري والمادي الذي دفع جراء حرب العراق كي نفهم لماذا ما زالت تلك القضية تثير كثيراً من الانتقادات القاسية على المستوى الدولي. وفيما كان لدى كل من بوش وبلير موافقة أعضاء مجلسي بلادهما التشريعيين للقيام بعمل عسكري، لم يوافق مجلس الأمن أبداً على استخدام القوة. لقد كانت تلك حرباً غير شرعية، وأدت إلى تداعيات كارثية لم تتم بعدها محاسبة أي من الزعيمين الوطنيين على مسؤوليتهما (أو مسؤولية بلديهما) على ما اقترفاه.

وهكذا ينظر في روسيا إلى تلك المسألة، لكن تنظر دول كثيرة أخرى إلى المسألة أيضاً من نفس المنظار، حيث تستخدم حرب العراق كمثال أول على ازدواجية معايير الدول الغربية: وكيف تنتهك الولايات المتحدة الأميركية ودول أخرى القوانين عندما يكون ذلك مناسباً لها، أو تعيد بعض الدول كتابة تلك القوانين بشكل يعكس مراعاة لمصالحها.

ولا يعد العراق بلداً وحيداً في هذه المسألة. لكن ينظر إليه كمثال على البلد الذي تعرض إلى الأسوأ من بين الأمثلة الأخرى. وبإمكان هؤلاء إضافة أفغانستان إلى اللائحة، وهل كانت الحرب أفضل طريقة للرد على اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)؟ وإضافة كل ما له علاقة بالتصرفات المتعلقة بالحرب على الإرهاب من مسألة "اعتقال" المشتبه فيهم وترحيلهم (rendering suspects) إلى ما يعرف بـ "المواقع السوداء" (black sites) أو إلى دولة ثالثة (تجنباً للمساءلة القضائية)، إضافة أيضاً إلى استخدام التعذيب ومسألة اعتقال أشخاص في معتقل غوانتنامو الذي تخلو إقامته من أي قانونية.

بالنسبة إلى روسيا، كان قصف حلف شمال الأطلسي لدولة صربيا مثالاً آخر على استخدام القوة بشكل غير شرعي، في ما ترى (أي روسيا أيضاً) عملية إطاحة معمر القذافي في ليبيا بأنها سوء تطبيق لقرار مجلس الأمن الذي سمح بالتدخل في البلد. موسكو تذكر أيضاً الفوضى التي سادت بعد التدخل في العراق وليبيا بقيادة الولايات المتحدة الأميركية كسبب دفعها للتدخل في سوريا، ولم يكن ذلك محاولة منها للتمسك ببقاء بشار الأسد على رأس السلطة، لكن فقط لمسك زمام الأمور ومنع حدوث فراغ في السلطة مشابه للفوضى التي جرى استيلادها في دول أخرى.

ولا بد لي من التأكيد هنا، حتى وإن كنت لم ألاحظ أن روسيا قد حاولت يوماً استخدام هذه الرواية، أن تلك التدخلات التي قادتها الولايات المتحدة الأميركية لا يمكنها بأي شكل من الأشكال تبرير اجتياح روسيا لأوكرانيا. لكن النقطة هي أن الأسباب التي ذكرت من قبل الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها لتبرير اجتياح العراق ومغامراتها الفاشلة بشكل كارثي في مناطق أخرى، لديها كثير من القواسم المشتركة مع المنطق الذي تستخدمه روسيا لتبرير "عمليتها العسكرية الخاصة" في أوكرانيا اليوم: وهي حجة نزع سلاح تلك الدولة التي رأتها روسيا دولة فاشلة في التزامها الاتفاقات الدولية (في هذه الحالة الأوكرانية فشل الالتزام باتفاقية مينسك)، ولتجنب ما رأته موسكو، وبرأيي بشكل خاطئ تماماً، ولكن ذلك مسألة أخرى، كتهديد لأمن روسيا، بالنظر إلى الأسلحة والتدريب الذي تلقته أوكرانيا من حلف شمال الأطلسي.

وفيما يمكن أن تكون الأسباب التي أعلنتها موسكو كحجج لاجتياحها أوكرانيا مدار سخرية واسعة في الدول الغربية، حيث إن تلك الحرب ينظر إليها كمحاولة لاحتلال أراض بشكل غير شرعي أو محاولة قاسية أخيرة لإبقاء أوكرانيا ضمن حيز النفوذ الروسي، فإن تردد عدد كبير من الدول الأخرى ومن ضمنها الصين والهند وكثير من الدول التي يشار إليها بأنها تعتبر دول "الجنوب العالمي"، بحاجة إلى مزيد من المطالعة بشكل أكبر مما حظيت به تلك المواقف بشكل عام حتى الآن. ربما تكون روسيا دولة منبوذة في العالم الغربي، لكن تقييم صورة موسكو عالمياً تختلف عن ذلك تماماً.

ربما يجوز طرح السؤال أيضاً إلى أي مدى يمكن أن تبدو فيه الحرب في العراق أو في المناطق الأخرى مختلفة بالنسبة للدول الغربية، لو كان يمكن تغطية أحداثها من الميدان بنفس الطريقة التي تتم فيها تغطية أحداث الحرب الأوكرانية حالياً، أي من وجهة نظر السكان المدنيين الذين وجدوا أنفسهم فجأة في مرمى نيران هجمات متعددة الجوانب، ومن قبل عدو أكبر منهم بكثير وأكثر قوة.

قبل عامين، قامت هيئة الإذاعة والتلفزيون البريطاني "BBC" بعرض برنامج وثائقي حاولت من خلاله أن تفعل بعضاً من ذلك ولو بشكل رجعي. عنوان البرنامج "كان يا مكان في العراق"، وعلى الرغم من حصده الجوائز، فإن الوثائقي تأخر في الوصول لاستعادة رسم الصورة بشكل فعّال حيال مشاعر النقمة القوية التي عبر عنها المعارضون لتلك الحرب في حينه.

ربما كانت عملية جمع الأدلة الدقيقة التي يقوم بها الجانب الأوكراني ستؤدي في النهاية إلى رؤية روسيا والرئيس بوتين يمثلان أمام شكل من أشكال المحكمة الدولية، يتم تحديده في مرحلة ما. وفي الاعتماد على من سيكون على رأس السلطة في الكرملين في حينه، ربما تؤدي مثل هذه الخطة إلى رفع منسوب الامتعاض في روسيا في حينه. وحتى لو وقع ذلك، فإن السؤال الذي يتوجب طرحه سيبقى على الرغم من كل ذلك، ليس لماذا يتوجب علينا محاسبة روسيا، لكن لماذا لم تكن هناك محاسبة دولية بالنسبة لحرب العراق؟

إن زلة لسان الرئيس بوش هذا الأسبوع يجب أن تكون بمثابة تذكير أن العملية العسكرية الخاصة بمنع وقوع تهديد وجودي بالنسبة لإحدى الدول قد يبدو بالنسبة لدولة أخرى اجتياحاً غير مبرر وغير مشروع. وعلى الدول الغربية أن تتفهم ذلك طالما بقي محصوراً في جزء واحد من العالم حق تقرير الفصل بين الحالتين، أما بقية العالم فعليه ربما أن يلاحظ شيئاً من كيل بمكيالين حيال ذلك.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس – اندبندنت عربية-



مقالات أخرى للكاتب

  • مفاجآت قد تكون بانتظار بوتين في الانتخابات الروسية      
  • هل ينجح معارضو ترمب الصامتون في سد طريقه إلى البيت الأبيض؟
  • الحضور الشعبي في جنازة المعارض الروسي نافالني يبعث على الأمل





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي