لماذا كشف الجيش الإسرائيلي معلومات عن الضابط خير الدين؟
2022-05-17
كتابات عبرية
كتابات عبرية

قرار الجيش الإسرائيلي السماح بنشر اسم وصورة المقدم محمود خير الدين، وهو ضابط في جهاز العمليات الخاصة في الاستخبارات العسكرية الذي قتل في نشاط سري تشوش في قطاع غزة عام 2018، حظي بصدى كبير في وسائل الإعلام وأوساط الجمهور. لا شيء ممتعاً أكثر من قصص البطولة والغموض. كان خير الدين بطلاً حقيقياً، قتل في عملية سرية خلف خطوط العدو. منع خلال ثلاث سنوات ونصف، نشر أي معلومات عن شخصيته، لكن الجيش الآن غير سياسته وفتح بذلك نقاشاً واسعاً مفعماً بالمشاعر حول شخصية الضابط.

عائلة خير الدين تستحق ذلك، ومثلها أيضاً عائلة مورنو. منذ العام 2006 يحظر نشر صورة المقدم عمانويل مورنو، الذي قتل في عملية لدورية قيادة الأركان في عمق لبنان، بعد بضعة أيام على انتهاء حرب لبنان الثانية. يجري الآن نقاش جديد حول الصورة. يبدو أنه مر ما يكفي من الوقت، وتغيرت الظروف بدرجة كافية من أجل إعادة فحص الخط المتشدد في هذه المسألة على خلفية التشابه بين الحادثتين.

في حالة خير الدين، ثمة سبب آخر؛ فالضابط من الطائفة الدرزية، ونشر قصته قد يشجع التجند في قوات الأمن في المجتمع الذي تعد فيه هذه المسألة محل خلاف شديد أكثر مما كان في السابق. شبكة العلاقات بين الدروز والدولة أصبحت حساسة أكثر عند قتله على خلفية معارضة الطائفة لقانون القومية.

كثير من الدروز ثاروا على تناقض سلوك الدولة التي ترعاهم باسم “حلف الدم”، وفي الوقت نفسه تمس بهم عن طريق القانون. الوزير افيغدور ليبرمان الذي استقال من منصب وزير الدفاع بعد العملية في خانيونس، أشار أمس وبحق إلى أن المطلوب إجراء تعديل على القانون لإلغاء الظلم الذي يكتنفه.

لكن في ظل التأثر من شخصية الضابط الشجاع، يجب التذكير بقضايا أخرى؛ الأولى، العملية التي جرت في خانيونس ورغم الأوسمة التي تم توزيعها في أعقابها إلا أنها تعتبر فشلاً عملياتياً للجيش الإسرائيلي، الذي كان يمكن أن ينتهي بنتيجة أسوأ بكثير. الثانية، وبنظرة إلى الوراء، تبدو العملية مثل إشارة أخيرة من عالم مضى ولم يعد موجوداً، فعالم العمليات الخاصة تغير بشكل كبير أمام ناظرينا.

تحدثت زوجة خير الدين وأصدقاؤه في مقابلات بعد موته بأنه ليس كعادته، كان الضابط قلقاً جداً قبل العملية، وعبر عن تخوفه من أن الأمور قد تتشوش. التحقيقات التي أجريت في قسم الاستخبارات في الجيش بعد العملية، كشفت عن عيوب كثيرة في طريقة إعداد القوة لعملية سرية. يتبين من التفاصيل التي نشرت عن العملية من قبل حماس أن وجود الجنود في سيارة، رجالاً ونساء، أثار الشك لدى أعضاء حماس. عندما قاموا باحتجازهم للتحقيق، الذي أصبح مهدداً وعنيفاً، قام أحد القادة، وهو المقدم أ. وأطلق النار التي قتل فيها رجال حماس. إلى جانبهم، تم إطلاق النار بالخطأ وقتل خير الدين، وأصيب جنود آخرون.

هنا أظهرت القوة شجاعة كبيرة عندما نجحت في الانسحاب من منطقة النيران. الشجاعة والجرأة التي أظهرتها طواقم المروحيات لسلاح الجو، إضافة إلى ضبط نفس متخذي القرارات في هيئة الأركان، هي التي أدت إلى انتهاء الحادثة بسلام دون أن يسقط رجال الوحدة الإسرائيلية في أسر حماس. ولكن هذا كان احتكاكاً من مسافة قريبة جداً مع إمكانية حدوث كارثة أكثر. إسرائيل كان يمكن أن تجد نفسها في وضع فيه عدد من الجنود الذين لديهم خبرة في عملياتها الاستخبارية السرية جداً، وهم يسقطون في أيدي حماس ويتحولون إلى ورقة مساومة. بالمقارنة، قضية جلعاد شاليط كان يمكن أن تظهر كأمر صغير.

هناك أيضاً موضع أعمق، وهو أن جهاز الاستخبارات الإسرائيلي مثل نظرائه في العالم، يتعامل مع التغيرات التكنولوجية المعروفة التي نشرت على المعابر الحدودية وفي المطارات وعلى طول الجدران الحدودية المختلفة. كثرة الكاميرات المدعومة بتكنولوجيا لتشخيص الوجوه وجوازات السفر الممغنطة تصعب حركة رجال الاستخبارات على أشكالهم. يصعب أكثر التسلل عبر الحدود والتحرك بغطاء للشخصية. بعد العملية، نشرت وسائل الإعلام العربية بأن الجنود دخلوا إلى القطاع بوثائق مزيفة وبغطاء كأعضاء في جمعية متطوعين دولية في معبر ايرز. كان الهدف، كما قيل، هو تركيب وسائل تنصت في منظومات اتصالات وهواتف حماس.

بكلمات أخرى، حسب أقوال الفلسطينيين، أخذت إسرائيل هنا على عاتقها مخاطرة كبيرة (هكذا تورطت) حول طريقة عمل قديمة نسبياً. ليس سراً أن الأغلبية الساحقة من المعلومات الآن تجمع عن بعد، بالأساس عن طريق وسائل اختراق سايبر للحواسيب والهواتف المحمولة. وبذلك يمكن التوصل إلى كمية كبيرة من المعلومات، والأمر متعلق بمخاطرة بالحد الأدنى؛ لأنه لا يقتضي وجوداً جسدياً في أراضي العدو. بأثر رجعي، إن تعقّد العملية في خانيونس أشار إلى خطوة أخرى قبل انتهاء موسم العمليات. فكلما أصبحت العوائق التي ينشرها الأعداء أكثر صعوبة للاختراق، سيتردد المسؤولون قبل المصادقة على عمليات تكتنفها مخاطرة كبيرة جداً.

 

بقلم: عاموس هرئيل

هآرتس 16/5/2022



مقالات أخرى للكاتب

  • هكذا نقل نتنياهو اليهود من "الوصايا العشر" إلى ضربات قصمت ظهر الدولة   
  • هل حققت إسرائيل هدفها بضربها راداراً للدفاع الجوي في أصفهان؟  
  • إسرائيل بعد ضربتها لأصفهان.. هز مقصود للسفينة الإقليمية أم لعب بالنار؟  





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي