حرب أوكرانيا في خطاب «عيد النصر»
2022-05-14
جيفري كمب
جيفري كمب

يُعد التاسع من مايو، «عيد النصر»، التاريخ الأكثر أهميةً في التقويم الروسي، إذ يجري فيه الاحتفاء بالانتصار التاريخي للاتحاد السوفييتي على ألمانيا النازية عامَ 1945. ويُعد الاستعراض العسكري السنوي في الساحة الحمراء مناسبةً للقادة الروس ليظهِروا فيها للعالَم ترسانةَ الأسلحة الروسية الحديثة ويذكّروا الجميع بالتضحيات التي بذلها الاتحاد السوفييتي من أجل تحقيق ذلك النصر العسكري. وفي هذه المرة، أُقيم استعراضُ عيد النصر على خلفية حرب أوكرانيا. وكان هناك كثير من الترقب لخطاب دراماتيكي من قبل الرئيس فلاديمير بوتين يُبرز فيه الخطوط العريضة لخططه من أجل إنهاء الحرب بنصر آخر. لكن هذا لم يحدث، إذ تحدث بوتين خلال عشر دقائق فقط ولم تصدر عنه أي إشارة إلى نواياه المستقبلية.

ركز خطاب بوتين على التهديد الذي تواجهه روسيا من أوكرانيا وداعميها الغربيين، مشيراً إلى أنه كان من الضروري القيام بعملية عسكرية في أوكرانيا كـ«رد استباقي» على استعدادات حلف «الناتو» لـ«عملية عقابية» لغزو الأراضي التاريخية لروسيا بما في ذلك جزيرة القرم. كما أشار ضمنياً إلى أن أوكرانيا كانت تسعى للحصول على أسلحة نووية. وكانت العملية العسكرية، حسب بوتين، «القرار الصحيح الوحيد، وفي الوقت المناسب.. كانت قرار أمة مستقلة وقوية وذات سيادة».

لكن بالنسبة لكثير من المراقبين، ما لم يقله بوتين يوم التاسع من مايو كان أكثر إثارةً للقلق. ذلك أنه لم يدّعِ «إنجاز المهمة» ولم يشر إلى «النصر». كما أنه لم يتكهن بشأن الكيفية التي ستنتهي بها الحرب، وبالتالي، لم يقم بأي إشارة إلى «استراتيجية خروج» مقبولة. ولم يصعّد الخطاب أو يقم بالدعوة إلى تعبئة جماعية للموارد الروسية، بما في ذلك تجنيد مزيد من الجنود. ولم يقم بأي إشارة إلى حرب واسعة النطاق ضد أوكرانيا تميزاً لها عن «العملية العسكرية الخاصة» الحالية. كما أنه لم يهدّد بالتصعيد وإمكانية استخدام أسلحة دمار شامل.

لكن، هل كان غياب أي حديث عن أهداف روسيا الاستراتيجية جهداً مقصوداً من قبل بوتين من أجل مباغتة العالَم وتضليله ثم الإعلان عن خطواته المقبلة بشكل فجائي بدون إشعار؟ أم أن سلوكه كان رداً على التحديات الخارجية والداخلية؟ الواقع أن روسيا لا تستطيع تحمّل كلفة خسارة الحرب، ولكن هل تظن حقاً أنها تستطيع كسبَها؟

الواقع أن موسكو تواجه ثلاثة إكراهات رئيسية في سياساتها المستقبلية. فأولا؛ أبان الجيش الروسي عن ضعف وانعدام كفاءة استثنائيين، وتكبّد إصابات مرتفعة، وهناك العديد من التقارير التي تتحدث عن تدني معنويات الجنود. ثانياً؛ بينما تتضح أخبار الإصابات والانتكاسات العسكرية أكثر بالنسبة للشعب الروسي، يمكن أن يكون هناك رد فعل سياسي معارض للحرب من جانب السكان، بما في ذلك المجموعات النخبوية التي تعرضت لعقوبات من قبل البلدان الغربية. ثالثاً؛ على روسيا أن تفترض بأن الدعم العسكري الغربي لأوكرانيا سيستمر في الازدياد، بما في ذلك تزويدَها بأسلحة ثقيلة متطورة على نحو متزايد من قبيل المدفعية طويلة المدى.

وفي ظل هذه الظروف قد تعتقد روسيا أنه من خلال القوة النارية الضخمة سيقوم جيشها في نهاية المطاف بتحرير منطقة دونباس الواقعة شرق أوكرانيا والموانئ الرئيسية على البحر الأسود مثل ماريوبول وأوديسا، وبعد ذلك تستطيع إعلان النصر. ويذكر هنا أنه من شأن سيطرة روسية على البحر الأسود التسببَ في كُلفة ضخمة للاقتصاد الأوكراني الذي يعتمد اعتماداً كبيراً على الموانئ من أجل تصدير قمحه وشعيره وزيته المستخلص من عبّاد الشمس إلى السوق العالمية.

بيد أن الوضع الصعب الذي تواجهه روسيا هو أن قواتها المسلحة قد لا تكون لديها القدرة على تحقيق هذا الهدف. ثم إنها إذا استخدمت إجراءات أكثر شدة لإسكات الأصوات المنتقدة في الداخل، قد يصبح مزيد من الروس واعين بالأضرار الجسيمة للحرب، مما سيتم استثماره بشكل صريح من قبل أعضاء النخبة الروسية الذين يدركون خطر الحرب على بلدهم ورفاهيته.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس – الاتحاد-



مقالات أخرى للكاتب

  • القوة الأميركية بعد «عاصفة الصحراء»
  • نهر نهاية العالَم الجليدي
  • دراما الانتخابات الأميركية





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي