صعود اليمين ومحنة المسلمين الأوروبيين
2022-04-20
 حسن أبو طالب
حسن أبو طالب

الأحد المُقبل سيحدد الفرنسيون فى جولة الانتخابات الثانية رئيسهم للسنوات الخمس المقبلة. أهمية هذه الانتخابات تنبع من طبيعة المنافسة بين مرشحين؛ الأول هو الرئيس المنتهية ولايته ماكرون، المنسوب أيديولوجياً إلى الوسط، والثانى هى مارى لوبان، رئيسة حزب التجمع الوطنى، أحد أحزاب اليمين الفرنسى المتطرف. والواضح أن المرشحة لوبان بأفكارها تمثل معضلة ليس لفرنسا وحدها بل للاتحاد الأوروبى والناتو أيضاً، إذ ترى أن استعادة مكانة فرنسا تكمن فى الابتعاد عن هاتين المنظمتين اللتين تلعبان أدواراً مهمة لوحدة أوروبا والدفاع عن أمنها. ولديها تصور لسن قانون يمنح الأولوية للقانون الفرنسى الوطنى على القوانين الأوروبية، ما يعنى أن تخرج فرنسا بالتدريج من العباءة الأوروبية، وأن تُعطى الأولوية لما تراه خدمة المواطن الفرنسى أولاً وأخيراً، ورفع مستوى معيشته وحقه فى الحصول على الخدمات مقارنة بالمهاجرين. يضاف إلى ذلك مواقفها المعروفة برفض المهاجرين والعمل على ترحيلهم، ولديها أيضاً نزعات عدائية ضد ما تعتبره التطرف الإسلاموى، والتى تخلط فى تفاصيله ما بين الإسلام كدين وبين تصرفات بعض المسلمين فى فرنسا وخارجها. وهى اتجاهات للأسف منتشرة فى أوساط فرنسية عديدة، بدليل أن لوبان جاءت فى المرتبة الثانية فى الجولة الانتخابية الأولى.

لوبان معضلة لأوروبا التى ترفع دائماً شعارات التسامح وقبول الآخر والديمقراطية وحقوق النساء، هى نفسها أوروبا التى تشهد مَداً يمينياً متطرفاً فى العقدين الماضيين، وله تجلياته العملية كصعود العديد من الأحزاب التى تتبنى أفكاراً قومية متطرفة ومعادية للأجانب بصفة عامة، وللأجانب من أصول عربية ومسلمة بوجه خاص، كما هو سائد فى ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وهولندا والمجر والسويد وسويسرا والنمسا. وهى نفسها أوروبا التى تتصاعد فيها موجة عداء للإسلام على نحو يبدو منهجياً تشارك فيه حكومات أوروبية وأحزاب ووسائل إعلام، وبرلمانات تشرع قوانين خاصة بحجة حماية العلمانية ونمط الحياة الأوروبى، ولكنها تضرب فى الصميم مبادئ حرية العقيدة والتسامح بين المختلفين.

ومن قبيل المصادفة الزمنية، تستقطب السويد الآن قدراً من الاهتمام بسبب ما لجأ إليه رئيس ما يعرف بحركة «الخط الصلب»، والموصومة بالتطرف والعنصرية، بإحراق نسخ من المصحف الشريف فى عدد من مدن السويد، ما أثار الجالية المسلمة وقامت بمظاهرات عدة تعبيراً عن رفضها لهذا العمل المُشين الذى تم فى حماية الشرطة، باعتباره «تعبيراً عن حرية الرأى والتعبير المقدس»، وفقاً لتصريحات رئيسة الشرطة فى إحدى المدن، التى شهدت هذا الفعل المشين والمُجسد للمد العنصرى التمييزى، وكراهية الإسلام ورموزه المقدسة.

والحق أن الصعود اليمينى المتطرف فى أوروبا يشكل معضلة سياسية كبرى للديمقراطية الغربية نفسها، حيث تعلو الأصوات التى تنادى بالإساءة إلى الآخر المسلم والعمل على طرده من البلاد، ومحاصرة عقيدته وتنميطها كعقيدة تدعو للتطرف والعنف، ما يفت فى عضد المجتمع ذاته. وتبدو هنا تحركات الحكومات الفائزة فى الانتخابات، سواء كانت محسوبة على اليمين أو اتجاهات أخرى وسطية وليبرالية أو حتى يسارية، غير قادرة على محاصرة أو معالجة ظاهرة الخوف من الإسلام والمسلمين أو ما يعرف بالإسلاموفوبيا. بل إن تلك الأحزاب عادة ما تلجأ إلى الخطاب اليمينى المتطرف كنوع من المزايدة السياسية على الأحزاب اليمينية لجذب الناخبين بغرض الفوز فى الانتخابات، وهو ما يدعم ظاهرة الإسلاموفوبيا وليس محاصرتها ولو بالتدريج.

وفى دراسة نُشرت فى ديسمبر الماضى على موقع «المركز الأوروبى لمكافحة الإرهاب والاستخبارات»، ومقره ألمانيا وهولندا، بعنوان «ملف الإسلاموفوبيا فى أوروبا.. الواقع والمخاطر»، استعراض لحال الجاليات المسلمة فى عدد من البلدان الأوروبية كفرنسا وألمانيا والسويد وإيطاليا وهولندا وسويسرا، وشرح للأسباب التى تدفع إلى نمو وازدهار حالة العداء للإسلام، وما يسببه ذلك من مخاطر على الواقع الأوروبى وحالة الديمقراطية فيه. ومن بين النتائج المهمة الواردة فى الدراسة التى تساعد على فهم المخاطر المتصاعدة أوروبياً، بسبب صعود المشاعر القومية المتطرفة والأفكار العدائية ضد الآخر، ففى الحالة البريطانية أن «التعرض للصور السلبية للمسلمين فى وسائل الإعلام يزيد من احتمالية دعم السكان لسياسات الحكومة التى تضر بالمسلمين وتؤدى إلى تآكل حقوقهم»، والمعنى هنا أن دور وسائل الإعلام فى تشويه الإسلام والمسلمين يدفع الحكومات إلى التغاضى عن حقوق هذه الفئة من السكان، بل ويدعم الاتجاهات العدائية ضدهم.

وفى الدراسة شرح لحالة النمسا على نحو مثير، وبما يسهم فى كشف حجم المعاناة التى يواجهها المسلمون فى هذا البلد وهم الذين يشكلون نحو 8 فى المائة من عدد السكان، فى حدود 712 ألف نسمة. وتقول الدراسة الأوروبية المُشار إليها إن نسب العنصرية والإسلاموفوبيا قد زادت بشكل ملموس فى النمسا، منذ تولى حكومة اليمين المتطرف مقاليد الحكم. ومن أكثر الخطوات خطورة، أطلقت الحكومة النمساوية ما يسمى «خريطة الإسلام فى النمسا»، فى 27 مايو 2021، حيث يقدم المشروع معلومات وبيانات عن الجمعيات والمساجد والمؤسسات التعليمية الإسلامية فى النمسا والتى يبلغ عددها 623 مؤسسة تم إدراجها على الموقع الحكومى مع بيانات عن تصنيفها العرقى وتوجهها الأيديولوجى وعلاقاتها الخارجية والداخلية. وهو ما فتح الباب لمجموعة من الاعتداءات على المسلمين ورموز الإسلام، حيث ظهرت لافتات تحذيرية وتحريضية أمام العديد من المساجد فى عدة مدن، وأعلنت حركة «الهوية اليمينية» المتطرفة مسئوليتها عن تعليق هذه اللافتات العنصرية.

وترصد الدراسة تنامى حدة «الإسلاموفوبيا» فى السويد، وحاجتها الضرورية لسن تشريعات قوانين صارمة تستهدف الجماعات المتطرفة والعنصرية التى تنشط على الأرض وافتراضياً، والتى تحرض على العنف والكراهية تجاه المسلمين، حيث تنتشر فى وسائل التواصل الاجتماعى نظريات المؤامرة حول ما يسمى بأسلمة أوروبا وتقديمها عبر الإنترنت يوماً بعد يوم. وأصبحت المضايقات والهجمات عبر الإنترنت شائعة جداً.

فى ألمانيا، تشير الدراسة الأوروبية إلى «بينما ينُظر إلى التطرف القومى على أنه ظاهرة توجد فقط على الأطراف اليمينية فى المجتمع.

ففى الواقع حتى الأحزاب السياسية الألمانية الليبرالية استخدمت حديثاً خطاباً معادياً للإسلام، مما سَهّل المضايقات والمعاملة العنيفة للمسلمين، مع القليل من العواقب الاجتماعية أو القانونية». وترى الدراسة أيضاً أنه «فيما لا يزال المسلمون فى السويد يواجهون تمييزاً مستمراً وخطاباً معادياً من قبَل الحكومة والأحزاب النمساوية اليمينية.

ولكى يبقى تحدى السيطرة على إشكالية الإسلاموفوبيا فى ألمانيا والنمسا قائماً، فمن المهم سن تشريعات وقوانين واضحة تدعم مكافحة التمييز بحق المسلمين وتجرم خطاب اليمين المتطرف العدائى»، ولكنه أمر يبدو بعيد المنال.

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس – الوطن-



مقالات أخرى للكاتب

  • النيجر وتحدي الطامعين في أفريقيا
  • الغرب بين هزيمة روسيا والقبول الاضطرارى بها
  • الحوار الوطني في مصر... أسئلة تبحث عن إجابات





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي