بعد سقوط الدولة الوطنية
2022-02-18
فاروق يوسف
فاروق يوسف

كان هناك مَن شكك في جدوى الحراك الشعبي الذي بدأت به العشرية الثانية من القرن الحادي والعشرين في العالم العربي.

ذلك ما سُمي بـ”الربيع العربي”.

كان هناك سؤال حائر لم تكن الإجابة عليه ممكنة في حينها. “ما نفع المطالبة بإسقاط النظام السياسي إذا كانت المجتمعات العربية لا تنتج إلا أنظمة فاسدة، تعسفية، مستبدة وعاجزة عن إلحاق الشعوب التي تحكمها بالزمن العالمي؟”.

ولقد أثبتت الوقائع في ما بعد بأن الزمن العربي كان من التحجر بحيث تصعب إذابته. وهو ما جعل الديمقراطية تمر كمزحة بحيث لم تنتفع الشعوب إلا في حالات نسبية من التغيير الزلزالي الذي حدث ولم يكن يتوقعه أحد.

كان المشككون قد وضعوا العراق على الطاولة واتخذوا منه نموذجا لما يمكن أن يشهده العالم العربي.

فالعراق وإن جرى التغيير عن طريق الاحتلال لا يمكن سوى الالتفات إلى حقيقة أن معارضي النظام السياسي الذي تم إسقاطه هم الذين استلموا السلطة فيه وهم الذين تصدوا لمهمة التحكم بمصيره وهم المسؤولون عن صنع صورته الجديدة.

اللافت أن سلطة الاحتلال الأميركي لم تفعل إلا ما طلبه منها المعارضون السابقون الذين صاروا حكاما. وإذا ما كان هناك شيء يُسمى “المتاهة العراقية” فإن العراقيين هم الذين شقوا دروبها عبر حوالي عشرين سنة من الحكم الطائفي المتخلف الذي عاد بالعراقيين إلى زمن ما قبل الدولة. وهو ما حدث في ليبيا واليمن وأجزاء كثيرة من سوريا وهو ما كاد يطيح بالدولة الحديثة بنظامها المدني التقليدي في مصر وتونس.

من شكك بالربيع العربي كان محقا. ذلك لأن الحفاظ على الدولة في مصر لم يكن ممكنا
إلا من خلال سحق الإخوان المسلمين وهذا هو الاختبار الذي تمر به تونس اليوم

انسداد الأفق في العراق إنما يعود إلى أن قيام دول الطوائف قد أدى إلى انهيار مفهوم المواطنة ومن ثم التعامل مع مفهوم الوطن باعتباره نوعا من التعريف على الورق. أما على أرض الواقع فإن العراقي لم يعد عراقيا. لقد ضاقت هويته ولم يعد انفتاحه على العالم إلا نوعا من النزهة المؤقتة يقوم بها في أوقات فراغه ثم يعود بعد ذلك إلى زمنه الخاص وهو زمن لا علاقة له بالحداثة وبكل ما نتج عنها من مفاهيم. ولقد ضحك العراقيون على أنفسهم بالديمقراطية التي لم ينتج عنها أي نوع من التعدد السياسي والفكري. كانت الاحتفالات الديمقراطية مناسبة لكي تستقوي أحزاب السلطة بها على الشعب.

في عام 1920 وبعد سبع عشرة سنة من قيام العراق الجديد خرج الملايين من العراقيين إلى الشوارع محتجين على سوء الأوضاع المعيشية في دولة نفطية نخرها الفساد وهم يهتفون “الشعب يريد إسقاط النظام” الهتاف الشعبي المشؤوم نفسه. ليتهم استبدلوه بشعار آخر. شعار أكثر واقعية ولا يذكر بمأساة اليمنيين والليبيين والسوريين. لقد أسقط المحتجون الشباب يومها الحكومة التي كان يتزعمها صنيعة الأحزاب المتلون عادل عبدالمهدي وكان في آخر أطواره متدينا بعد أن كان شيوعيا وبعثيا قبلها.

أسقط الشباب يومها الحكومة ولم تتح لهم فرصة إسقاط النظام. إما لأنهم شعروا بالخوف من الفوضى، ذلك لأنهم لم يملكوا بديلا أو لأن رسائل من إيران وصلتهم عن طريق وسطاء عراقيين تفيد بأن مجزرة يمكن أن تقع وسيتأخر رد الفعل العالمي كما هو متوقع.

في الحالين فإن ما يمكن الاستدلال عليه هو أن الفراغ الذي تركته دولة الاستبداد لا يمكن أن يُملأ بالنسبة إلى شعوبنا إلا بدولة استبداد أخرى ولقد استفادت جماعة الإخوان المسلمين بوجهها المسلح وذيول إيران من الميليشيات التابعة للحرس الثوري من تلك الحقيقة بحيث استطاعت أن تتمكن من الشعوب بيسر نظرا لأن نظامها جاهز وفي إمكانه أن يحل كل المشكلات الأخروية التي تضغط على الإنسان العربي وتنسيه مشكلاته الدنيوية التي تدفع به إلى اليأس.

في حقيقة أمره فقد كان نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في سنواته الأخيرة في الحضيض ومع ذلك فإن هناك عراقيين كثرا اليوم يتمنون لو أنهم ما سعدوا بسقوطه يومها. “على الأقل كانت هناك دولة” يُقال لك. لطالما سخر الإخوان والشيعة السياسيون من الدولة المدنية ووعدوا بالقضاء عليها. هل يفكر حزب الله في لبنان مثلا في إقامة دولة لبنانية وأين تقع؟ وهل تفكر حركة حماس في فلسطين باعتبارها دولتها المستقبلية؟ لو كان ذلك صحيحا لبنى حزب الدعوة دولة في العراق على حطام الدولة العراقية القديمة.

من شكك بالربيع العربي كان محقا. ذلك لأن الحفاظ على الدولة في مصر لم يكن ممكنا إلا من خلال سحق الإخوان المسلمين وهذا هو الاختبار الذي تمر به تونس اليوم. أما في الدول التي تمكن منها الربيع العربي فإن عقارب الساعة ستظل تتحرك إلى الخلف.


*كاتب عراقي - العرب
*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس

 



مقالات أخرى للكاتب

  • هل أنت طائفي؟ أهلا بك في العراق
  • خفايا الروس والأميركان في المسألة اليمنية
  • من الصعب أن تكون رئيسا بعد ترامب






  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي