متى يتحول صراع النقب إلى فرصة لإكمال حلم بن غوريون؟
2022-01-16
كتابات عبرية
كتابات عبرية

ثمة فرصة في الصراع الذي نشب حول غرس الصندوق القومي للأشجار في النقب. فبعد سنوات من التجاهل ونفي فقدان الحوكمة لدولة إسرائيل في أرجاء النقب، لعل شعب إسرائيل يستيقظ لصراع على مجالات وطنه. يكرر وزراء الحكومة شرحهم بأن هذه المشاكل جاءتنا إرثاً من الحكم السابق. ولكن من اللحظة التي نشب فيها صراع عنيف على غرس الأشجار في النقب، وقفت دولة إسرائيل على مفترق طرق لا يسمح لها بالتملص. في هذا المفترق سؤال أساسي: هل بقيت في القيادة الإسرائيلية إرادة للكفاح في سبيل رؤية الدولة اليهودية في التطلع إلى استقلالها، أم أنها تضع تتخلى عن حلم الأجيال لوجود يهودي في وطن الآباء، مقابل بضعة أيام أخرى من الهدوء؟

يوسف فايتس، الذي كان من رؤساء الصندوق القومي وكان أول مديري سلطة أراضي إسرائيل، وصف السعي الصهيوني دون تحفظ: “أي صراع على خلاص الأرض هو خلاص من أيدي الأجانب. وأي صراع على خلاص الأرض من قفرها هو صراع على احتلال الأرض بإسكانها، وصراع على التجذر في الأرض”.

توقف هذا الحديث في العقود الأخيرة. ثمة ميول جديدة ما بعد صهيونية قوضت كل ما كان مسلماً به في المشروع الصهيوني. ومع تغلغل القيم الليبرالية الراديكالية وحقوق الإنسان، اضطر الحلم الصهيوني إلى النزول تحت الرادار. وإلى ذلك، تقوض الأساس الفكري لاستمرار وجود مشاريع الصندوق القومي. هكذا مثلاً كتب البروفيسور ايرز صفدية: “ينبغي قطع الصلة بين مؤسسات الشعب اليهودي – الوكالة اليهودية والصندوق القومي لإسرائيل – وبين الدولة المدنية”. وبزعم صفدية، فإن “هذه المؤسسات استغلتها عصبة المستوطنين الصهيونية كي تحقق سيطرتها في المجال”.

انطلاقاً من هذا الميل، قبل أكثر من عقد، بدأوا يتهمون الصندوق القومي بغرس الأشجار لأغراض استعمارية – “لمنع توطن البدو في النقب”. وفي حين أن غرس الأشجار وفق عمل وطني يجعل إسرائيل المكان الوحيد الذي ازداد فيه عدد الأشجار في القرن الأخير، ثمة تأثيرات غريبة نجحت في جعل المكان الذي هو مصدر فخر إسرائيلي أمراً موضع خلاف.

لقد نجح المسيطرون في عالم الوعي الأكاديمي في حرف دولة إسرائيل عن مسارها الصهيوني. ففي لغة علمية مزعومة، أدخل بروفيسورات مثل ساندي كيدار واورن يفتحئيل وايرز صفدية زاوية نظر ما بعد صهيونية إلى الخطاب الإسرائيلي، وأعادت تصميم الوعي الإسرائيلي العام في موقفه مما يجري في المجال. فتوصيتهم مثلاً “وجوب التوقف بشكل جارف عن إقامة بلدات جديدة للسكان اليهود في كل مكان في المجال” أخذت بها محافل التخطيط الحكومية. وهكذا، ما كان على مدى مئة سنة قاطرة الزخم الصهيوني، أخذت بالتوقف. والمسيرة التي قادتها أدت إلى أفول تجربة ثقافية كاملة، تعبيرها العملي هو أن أعمالاً كان لها معنى مركزي في الروح الإسرائيلية لم تعد ممكنة، وبل أخذت تفقد معناها. هناك جملة كاملة من القيم الصهيونية فرغت من محتواها الفعلي واختفت عن جدول الأعمال العملي لدولة إسرائيل.

في منظومة المفاهيم الغريبة، يوصف الصراع في النقب كمواجهة بين إسرائيل والبدو كأصحاب حق أصيل. في هذا المكان، بدا الصراع في النقب فرصة للمجتمع الإسرائيلي الصهيوني للعودة إلى النقطة الرئيسة لإعادة إقامة أحلام الأوائل لخلاص الشعب والبلاد. نعود إلى حلم بن غوريون الذي قضى بأنه “بدون إرث الماضي، الإرث العظيم لأنبياء إسرائيل، ربما تقتلع حياتنا من مصدر حياتهم: بدون فكرة الخلاص المسيحانية والصلة النفسية العميقة لوطن القدامى ما كانت دولة إسرائيل لتبنى وتقام”.

 

بقلم: غيرشون هكوهن

إسرائيل اليوم 16/1/2022



مقالات أخرى للكاتب

  • الأمن الإسرائيلي متوجساً من "لاهاي": ما مصير علاقاتنا مع الولايات المتحدة؟  
  • “الجزيرة” تنشر “فيلم رعب”.. والمتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي: كانوا في ساحة شهدت قتالاً من قبل!
  • هل تستغل إسرائيل خلافات حماس وفتح لإقامة حكم عسكري يبدأ من شمالي قطاع غزة؟  





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي