المحبر.. باللغتين
2022-01-03
سمير عطا الله
سمير عطا الله

نكتب عن جميع الناس كل يوم، ونتردد كثيراً في الكتابة عن الذات. في الكتابة عن الآخرين أضع الورقة أمامي وأمضي. أما الكتابة عن الذات فهي نوع من الخطايا. ومع ذلك سامحونا، عفا الله عن ذنوبكم. بمحض المصادفة قرأت على الإنترنت أمس ترجمة بالإنجليزية لإحدى «مفكرات القرية». شعرت كأنني أقرأ لكاتب آخر. وشعرت أيضاً بفرح، لأنه لا علاقة لي باختيار النص أو لفت النظر إليه، وإنما هو عمل عفوي قام به البروفسور ديفيد سادلر من جامعة دبي، الذي يبدو أنه يداوم، مشكوراً، قراءة هذه الزاوية وتعريب ما يختار منها.

يفرح أيضاً أنني عرفت أن النسخة الفرنسية من «أوراق السندباد» Les Carnets de Sinbad – Claire maison neuve/Paris قد نفدت طبعتها الأولى، والأرجح أنها لم تكن تزيد على 2000 نسخة. لكنني شعرت عند صدورها وكأنني أقرأ نصاً لا علاقة لي به. وقدم للكتاب الدكتور صبحي حبشي، وشرحه في نص مطول الأستاذ في السوربون دانيال هنري بوجو، ونقلته إلى الفرنسية في نص مدهش، الأستاذة دانيال صالح.

الشرح العلمي الذي وضعه الدكتور بوجو جعلني – بكل صدق – أشعر وكأنه يعرف الرواية أكثر مني. وبينما وضعتها أنا على سجيتي، وفي سرعة كالعادة، وضعها هو في إطارها التاريخي وفسر ما اعتبره تميزاً عن سائر المؤلفات التي صدرت عن «السندباد» ورحلاته «الأخرى»، وكيف أن المؤلف جعل له شخصية مشذبة وذات أهداف ثقافية.

تقول دار النشر في تقديم الكتاب «بأسلوبه في فن الكتابة، يمزج الرحالة والمؤلف والصحافي، وقبل كل شيء الكاتب، الروعة بالخيال من أجل الوصول إلى قلب الإنسان. من هنا فإن الحقيقة مع سندباده تتجاوز مغامرات البحار والصحراء لتصبح كشفاً (روحياً ووجودياً)».

أتمنى للترجمة الفرنسية «لأوراق السندباد»، وربما للإنجليزية أو غيرهما، أن تجد لنفسها مكاناً، ذات يوم، في المكتبة الفرنسية. ولا يضيرني الاعتراف بأنني اتبعت أسلوب أمين معلوف في توليف، أو ابتداع، شخصية للسندباد، فهو في كل حال شخصية متخيلة لا وجود لها في النصوص التاريخية.

المؤسف دائماً هو حال الكتاب العربي. فالسندباد بالفرنسية بيع منه أكثر مما بيع من الأصل العربي (دار العبيكان). وهو أيضاً حال معظم كتبي الأخرى، التي نفدت طبعاتها والحمد لله، باستثناء «قافلة الحبر» الذي دخل طبعته الرابعة على ما أعتقد. وربما تغير هذا الواقع إلى حد بعيد الآن بعد انفتاح سوق هائلة الإمكانات مثل السوق السعودية. لا أعتقد أن هناك ما يمنع سوى ما يخالف الأخلاق العامة. وسوف «تكتشف» كتباً متنوعة لم تكن تعرف بها، في مصر أو بيروت، بسبب انحسار هذه وتلك، وطاقة سوق الكتاب في الخليج عموماً، والسعودية في صورة خاصة، أن أوسع سوق للكتاب العربي اليوم في المملكة، ولم تعد العراق.

 

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس

الشرق الأوسط



مقالات أخرى للكاتب

  • شيخ المستعربين
  • ما بعد غزة كما ما بعد السويس
  • سلام دون انتصار





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي