هل تُقْدِم روسيا على غزو أوكرانيا؟
2021-12-18
جيفري كمب
جيفري كمب

على مدى الستة أشهر الماضية، تم نشر أعداد متزايدة من القوات العسكرية الروسية تشمل الجنود والدبابات والمدفعية والشاحنات ومعدات الإمداد على طول الحدود الأوكرانية، في ما بدا أنه أكبر استعراض للقوة الروسية على حدود بلد جار منذ تفكك الاتحاد السوفييتي في عام 1991. فهل يعني هذا أن موسكو باتت مستعدةً للذهاب إلى حرب مع أوكرانيا، أم أن الأمر مجرد مناورة سياسية هدفها انتزاع تنازلات من الغرب بخصوص العلاقات المستقبلية مع أوكرانيا؟

في 7 ديسمبر الجاري، عقد الرئيس الأميركي جو بايدن اجتماعاً مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين على منصة «زوم» دام أربع ساعات، ليشرح له بلغة واضحة عواقبَ أي غزو روسي لأوكرانيا. وكانت الولايات المتحدة وحلف «الناتو» قد أوضحا أنهما إذا كانا لا يعتزمان استخدام قواتهما للدفاع عن أوكرانيا، فإنهما سيتخذان خطوات جذرية للرد على أي هجوم روسي، من قبيل زيادة إمدادات الأسلحة إلى أوكرانيا، وفرض عقوبات اقتصادية قاسية على الاقتصاد الروسي. وقد تشمل العقوباتُ حرمانَ روسيا من الوصول إلى النظامين المالي والبنكي العالميين اللذين يسمحان بتحويل الودائع المالية عبر ما يسمى نظام «سويفت»، وهو إجراء من شأنه أن يكون مكلِّفاً جداً للكيانات المالية الروسية، بما في ذلك الأوليغارشيون الأغنياء الذين يحوّلون مليارات الدولارات إلى مؤسسات أجنبية ويمتلكون البنوك والعقارات الخارجية.

والواقع أن أي مواجهة عسكرية بين روسيا وأوكرانيا ستكون مكلّفةً وخطرةً بالنسبة للبلدين. صحيح أن روسيا متفوقة على أوكرانيا كثيراً من حيث عدد القوات، وأنه بوسعها أن تكون مطمئنةً إلى أن أي بلد غربي لن يقاتل إلى جانب أوكرانيا في الحرب. وفضلاً عن ذلك، فإن القوات الروسية من المحتمل أن تنشئ وجوداً قوياً لها في شرق البلاد في ظرف أيام فقط. غير أن أوكرانيا ليست بالبلد الذي يستهان به، ولن تكون هدفاً سهلاً لروسيا. ذلك أن القتال قد يؤدي إلى إصابات كثيرة على كلا الجانبين، وروسيا قد تواجه حركةَ تمرد طويلة ضد قواتها. وعلى الرغم من صورة الرجل القوي الرائجة عن بوتين، إلا أن الروس لديهم حساسية شديدة تجاه الإصابات العسكرية منذ الاحتلال الكارثي لأفغانستان (من ديسمبر 1979 إلى فبراير 1989) والحربين الأهليتين ضد المتشددين الشيشانيين في تسعينيات القرن الماضي.

ومما لا شك فيه أن لدى روسيا القدرةَ على جعل الحياة صعبة جداً بالنسبة لأوروبا التي تعتمد على إمدادات الغاز الطبيعي الروسي اعتماداً مفرطاً، وتُعد هشة بشكل خاص خلال شتاء بارد. غير أن مثل هذا الإجراء المتطرف سيمثّل فرصةً «وحيدة ويتيمة» بالنسبة لروسيا. ذلك أنه إذا ما أقدمت روسيا على القيام بعمل من هذا القبيل، فإن أوروبا ستعمل على مضاعفة جهودها من أجل تنويع إمدادات الغاز. وقد توافق ألمانيا أخيراً على إلغاء مشروع «نورد ستريم» الذي يهدف إلى إيصال الغاز الروسي إلى أوروبا الغربية عبر خط أنابيب تحت بحر البلطيق، متفادياً بذلك استخدام خطوط أنابيب تمر عبر أوروبا الشرقية. ومع مرور الوقت، ستصبح أوروبا قادرةً على الحصول على الغاز من شمال أفريقيا والشرق الأوسط، وربما من الولايات المتحدة وكندا أيضاً. وربما يظن بوتين أن أوروبا لن تكون متّحدةً أبداً بما يكفي لاستخدام القوة الكاملة للضغط الاقتصادي ضد روسيا، وأن الولايات المتحدة لم تعد لديها القدرة على ضمان جبهة موحَّدة معارِضة للعمل الروسي. ذلك أن روسيا تعتقد اليوم أن أميركا أكثر ضعفاً وأكثر انشغالاً بالقضايا الداخلية من أي وقت آخر.

غير أن موسكو لا يمكنها أن تكون واثقة من ذلك، إذ أنه إذا وُثِّق غزو أوكرانيا توثيقاً كاملاً من قبل وسائل الإعلام الدولية، وكان وحشياً بشكل خاص، فإنه يمكن أن يؤدي إلى مشاعر غضب وتصميم تشبه تلك التي رافقت المحاولات السوفييتية لمحاصرة برلين الغربية عام 1948 وتجويع المدينة. فحينها قوبل الحصار بنموذج استثنائي للتعاون بين الحلفاء من خلال إطلاق جسر برلين الجوي الذي وفّر رحلات إمداد على مدار الساعة إلى برلين وأبقى المواطنين أحياء وأدى في نهاية المطاف إلى رفع الحصار.

ولا شك في أنه إذا تحدّت هذه الروحُ موسكو مرةً أخرى بالقدرات اللوجستية الهائلة التي تمتلكها الولايات المتحدة، فإن روسيا قد تخلص إلى أن من مصلحتها الإحجام عن شن أي حرب يمكن أن تُضعفها سياسياً بعد مرور موجة من القومية الروسية.

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس –الاتحاد-



مقالات أخرى للكاتب

  • «الانعزاليون الجدد» في الحزب الجمهوري
  • القوة الأميركية بعد «عاصفة الصحراء»
  • نهر نهاية العالَم الجليدي





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي