حوار المنامة وتحديات القرن 21
2021-11-25
 حسن أبو طالب
حسن أبو طالب

على مدى سبعة عشر عاماً عُقد «حوار المنامة 2021» بتنظيم من المعهد الدولى للدراسات الاستراتيجية بلندن ووزارة الخارجية البحرينية، وفيه تُتاح الفرصة للكثير من الوزراء والمسئولين الأمنيين والمفكرين والباحثين لطرح أفكارهم ورؤاهم بشأن القضايا الأمنية التى تشغل بلدانهم، وكيف يرون التعامل الأمثل معها. فى الأيام الثلاثة التى عُقد فيها حوار هذا العام وانتهت الأحد الماضى، ورغم تعدّد المداخلات والعناوين الكبرى التى جرى الحديث بشأنها، فقد لفت الانتباه إلى أن القاسم المشترك بين الحضور تعلق بأهمية المواجهة الجماعية للتحديات التى تواجه كل الدول رغم تباعدها الجغرافى، وتباين ما يُعرف بمسرح العمليات المباشر لكل منها.

بالطبع فالدول الكبرى ترى الأمور من زاوية أن العالم بأسره هو مسرح عمليات مباشر لقواتها ونفوذها، وأيضاً تحالفاتها الدبلوماسية والأمنية.

أما الدول المتوسّطة والأصغر فترى الأمر من زاويتين متداخلتين؛ الأولى التأثير المباشر للسياسات الأمنية للقوى الكبرى المتعلقة بالعالم ككل على مصالحها المباشرة.

والثانية زاوية إقليمية مباشرة تتعلق بالتهديدات المباشرة التى تواجهها من جيران آخرين أو منظمات إرهابية عابرة للحدود.

ومع ذلك جاءت المداخلات، ورغم تنوعها متضمّنة التأكيد على مبدأ العمل الجماعى المشترك على الأقل فى مواجهة التحديات الكبرى كالجوائح والتغير المناخى والإرهاب وحماية البيئة وأمن الممرات البحرية.

وهو ما ركز عليه بدرجة لافتة للنظر سامح شكرى وزير الخارجية فى كلمة مصر، مشيراً إلى أن تلك التحديات تختلف عن سابقاتها وتتطلب مراجعة آليات الحوكمة المتوافرة لدى المجتمع الدولى.

لا خلاف على أن التحديات العامة تتطلب جهداً جماعياً، لكن يظل السؤال الأبرز مرتبطاً بالآلية المناسبة لتجسيد هذا الجهد الجماعى المطلوب بشدة.

فعلى سبيل المثال، فى مواجهة تبعات التغيّر المناخى هناك اتفاقات دولية كثيرة، أبرزها معاهدة باريس للتغير المناخى 2015، والتى حدّدت أهدافاً معينة والتزامات دولية خاصة بخفض الانبعاثات الكربونية المسبّبة لارتفاع درجة حرارة الأرض، وما تسبّبه من ذوبان الثلوج فى القطبين الشمالى والجنوبى للكرة الأرضية، ومن ثم تهديد بغرق مدن ساحلية فى أكثر من بلد، وهى التزامات لم تُؤخذ على محمل الجد، لاسيما من الدول الصناعية الكبرى كالصين والولايات المتحدة والهند والبرازيل وغيرها.

وهناك أيضاً التزامات جديدة أقل مما تضمّنته معاهدة باريس، انتهت إليها قمة جلاسكو التى عُقدت قبل أسابيع محدودة فى المملكة المتحدة، وهى بانتظار أن تتحول إلى سلوك والتزام دولى حقيقى، ومن أهمية قمة المناخ التى ستُعقد فى مصر العام المقبل، والتى سيكون عليها متابعة التزامات الدول كافة، والنظر فى تطوير تلك الالتزامات، بما يساعد البشرية على الحفاظ على ذاتها.

دلالة السلوك الجماعى الدولى بشأن التغيّر المناخى يتعلق أساساً بأن المعاهدات والاتفاقات الدولية ليست بالضرورة محل التزام صارم من الدول التى توقع عليها، وغالباً ما يحدث تراجع بشأنها.

ومن هنا تبدو أهمية الأفكار والسياسات، التى طرحت فى حوار المنامة بشأن القضايا الأمنية التى تهم عدداً كبيراً من الدول، لاسيما فى منطقتنا العربية، من حيث قابليتها للتطبيق وتحولها إلى واقع يدعم الاستقرار الإقليمى والدولى معاً.

من أهم المدخلات التى قيلت فى حوار المنامة الأخير، كلمة وزير الدفاع الأمريكى لويد أستون، التى كانت بحق كلمة جامعة عن الاستراتيجية الأمريكية فى عهد الرئيس بايدن تجاه الأزمات الأمنية والتحديات الدولية المختلفة، والتى تستدعى نظرة تأمل أكبر وأعمق مما يحتويه ظاهر التعبيرات والكلمات.

لقد تم التركيز إعلامياً على رسالة أستون التى أطلقها بشأن التزام أمريكا بحماية الحلفاء الإقليميين وتدعيم الشراكات الأمنية معها، وتأكيد بقاء واستمرار الولايات المتحدة فى المنطقة وليس الخروج منها، كما تدل على ذلك التحركات الأمريكية الأخيرة فى أفغانستان والخليج، لكنه بقاء واستمرار مرتبط بتغيير آلية العمل، والتركيز على الدبلوماسية لحل الأزمات، لاسيما مع إيران، باعتبارها خصماً معلناً بسبب برنامجها النووى وانتشارها الإقليمى، وتحفيز الأطراف الإقليمية على الدخول فى حوارات جماعية لبناء التزامات أمنية جديدة لم تعرفها المنطقة من قبل، كما هو الحال بين إسرائيل وبعض الدول العربية.

ومع أن أستون ربط ذلك بتحسين البيئة الأمنية الإقليمية بشكل عام، والتزام واشنطن بمبدأ حل الدولتين للقضية الفلسطينية، لكنه لم يوضح كيف سيتم تفعيل الدبلوماسية، وصولاً إلى حل الدولتين، فى الوقت الذى تمارس فيه الحكومة الإسرائيلية سياسات استيطان مكثّفة فى الضفة الغربية المحتلة، وبما يُعقّد مثل هذا الحل جذرياً.

رسائل الطمأنة الأمريكية للحلفاء الإقليميين، لا تنفصل عن تحولات كبرى فى الاستراتيجية الأمريكية عالمياً، وهو ما يجب وضعه فى الاعتبار عند تأمل النتائج المحتمَلة لشعار «الدبلوماسية خط دفاع أول»، وفقاً لما قاله أستون، الذى ربط بين الدبلوماسية وإقامة الشراكات مع الحلفاء كوسيلة أمثل لمواجهة الأزمات، مع رفض مبدأ التحرّك المنفرد لأى أمة، لأنه لا يحقق النجاح، بل يعكس عدم الثقة بالنفس.

التمعّن فى هذه المقولات الرئيسية يعنى أن القوة الخشنة لن تُستخدم إلا فى حالات الضرورة القصوى، وفى حال فشلت الدبلوماسية وتعرّض الأمن القومى الأمريكى المباشر للتهديد.

التحول من الدبلوماسية إلى الردع بالقوة لا يتطلب بالضرورة فى المرحلة المقبلة وجوداً مباشراً على الأرض كما هو الحال فى العقود الأربعة الماضية، بل يمكن أن يكون من خلال القوة البحرية الأمريكية والقادرة على التحرك من موقع إلى آخر حسب الضرورة.

وهنا نلمح إشارة ضمنية إلى أن تدعيم القوة البحرية الأمريكية وملحقاتها الصاروخية والجوية سيكون محور استراتيجية الردع الأمريكية فى العقود المقبلة، جنباً إلى جنب الردع السيبرانى والفضائى.

مثل هذا التغيير المقبل لا يعنى فقط الانتشار فى البحار، بل البحث عن قواعد بحرية فى مناطق ذات طابع استراتيجى يتيح سرعة التحرك والانتقال من بحر أو محيط إلى آخر فى بيئة آمنة، والحصول على الوقود والصيانة والتدريب المشترك. والكثير من الدول العربية مرشحة من وجهة النظر الأمريكية لأن تكون جزءاً مهماً من تطبيق هذه الاستراتيجية.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس

الوطن



مقالات أخرى للكاتب

  • النيجر وتحدي الطامعين في أفريقيا
  • الغرب بين هزيمة روسيا والقبول الاضطرارى بها
  • الحوار الوطني في مصر... أسئلة تبحث عن إجابات





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي