أكان واجباً على إسرائيل أن تختار بين الصين و"طرف آخر"؟
2021-09-14
كتابات عبرية
كتابات عبرية

يزرع المزيد فالمزيد من “المحللين” و”الخبراء” خوفاً زائداً، فيحذرون حذر الأنبياء على الأبواب من تقرب إسرائيل من الصين. فهل إسرائيل ملزمة فعلاً باختيار طرف دون آخر؟ برأيي، لا يوجد للشعب الذي يجلس في صهيون أي خيار لتجاهل للصين. يجب أن نتعلم كيف نعمل معهم، بل نحن ملزمون بالتعرف عليهم، ومن يعرف الصينيين بحق يدرك تماماً بأن يجب احترامهم وعدم الخوف منهم.

الصين دولة التجارة الكبرى في العالم. فالإنتاج الصيني يبلغ نحو 14 تريليون دولار، ومعدل النمو 6 في المئة في السنة. للصين أرصدة عملة صعبة هي الأكبر: نحو 3 تريليون دولار. الصين هي الاقتصاد الثاني في حجمه في العالم، ووفق هذه المعطيات، علينا ألّا نتجاهلها. الصين مهمة ليس فقط في العالم، بل وأيضاً في علاقاتها مع إسرائيل، هي الشريك التجاري الثاني في حجمه معنا؛ فهي محرك نمو هائل للبنى التحتية والاقتصاد الإسرائيلي. ارتفعت حجوم التجارة مع إسرائيل بمئات في المئة منذ إقامة العلاقات بين الدولتين في التسعينيات، وتبلغ اليوم أكثر من 15 مليار دولار في السنة. وحسب توقع بنك إسرائيل، ستكون الصين الشريك التجاري المتصدر لإسرائيل في العام 2035.

في العقود الأخيرة، تصعد الصين إلى مركز المنصة الدولية كقوة عظمى، وتتحدانا في مجالات عديدة – ليس في الاقتصاد وحسب، بل أيضاً في الثقافة، والرياضة، والعلوم والتكنولوجيا. الصين، الجبار الصاعد في الشرق، هي ظاهرة خاصة من نوعها من حيث الثقافة العتيقة والغنية التي تعود إلى آلاف السنين، والتي هي في تواصل تاريخي لشعب يجلس في وطنه. لقد درج الصينيون على الإشارة إلى وجه الشبه بين الثقافة الصينية والثقافة اليهودية: قيم التربية، والتعليم، والعائلة، والفلسفة العتيقة وغيرها، المغروسة في الثقافة الصينية، وفي الفيلسوف كونفوشيوس، وفي البوذية.

توليت منصب سفير إسرائيل في الصين على مدى أربع سنوات ونصف، ابتداء من العام 2012 وهي سنوات تطور فيها الاقتصاد الصيني بسرعة كبيرة وأصبح لاعباً مهماً يتصاعد تأثيره في العام. وقفت على النمو المذهل هذا عن كثب بلا وسائط، وحاولت فهم سلوكها وخطاها بأفضل شكل ممكن. وفي هذه السنوات، تعلمت الكثير عن الصين؛ تعلمت كيف أقدر الصينيين، وتعلمت بأن الصين وإسرائيل تنظر كل منهما إلى الأخرى كشريك استراتيجي. برأي الصين، تعدّ إسرائيل دولة حداثة، ذكية وناجحة مع أكاديميا مزدهرة وشركات تكنولوجية متطورة، نجحت في غضون وقت قصير نسبياً وبدون مقدرات كثيرة، في أن تصبح دولة غنية وحديثة. وعليه، فإن الصين ترى في إسرائيل دولة جذابة للتعلم والاستثمار والتعاون المثمر.

إسرائيل من جهتها، تفيد من قوة الصين الاقتصادية. وبفضل هذه العلاقة الخاصة، فإن مشاريع بناء وبنى تحتية علقت لسنوات عديدة، ها هي تتقدم في البلاد. ونرى الاستثمارات في التكنولوجيا العليا الإسرائيلية، وفتح الأسواق لشركات إسرائيلية في الصين، وكذا الاستيراد من الصين، تساعد في تخفيض غلاء المعيشة. ترى الدولتان مصلحة واضحة في تحسين العلاقات الثنائية، وحتى في الجانب الجغرافي – السياسي وحيال التهديد الإيراني، من المهم لنا أن نحافظ ونحمي العلاقات الخاصة التي نسجت مع الصين.

وعليه، لن يضر المثرثرين بعض التواضع. لا يدور الحديث هنا عن “لعبة الأخيار” ضد “الأشرار”. لا حاجة لإسرائيل لاختيار طرف. فنحن كدولة، لنا مصالح جوهرية مع الجميع. إسرائيل ليست لاعب احتياط، بل جهة ذات مغزى ولاعب محوري مركزي يعمل في الساحة العالمية، ويجب أن يحافظ على العلاقات مع صديقتنا الأفضل- الولايات المتحدة، ولكن علينا ألا نتجاهل الصين، فلها ما تعرضه علينا.

 

بقلم: نتان فيلنائي

معاريف 14/9/2021



مقالات أخرى للكاتب

  • إسرائيل بعد ضربتها لأصفهان.. هز مقصود للسفينة الإقليمية أم لعب بالنار؟  
  • كيف واجه أهالي دوما والمغيّر إرهاب المستوطنين؟  
  • هل هناك خط دبلوماسي إيراني - عربي- أمريكي لمنع حرب إقليمية؟  





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي