الجمهورية الثانية المؤجّلة مأسسة الرداءة، تفشّي الفساد، وخيبة الانتظار
2020-01-08
واسيني الأعرج
واسيني الأعرج

بالإعلان عن حكومة عبد العزيز جراد، وأسماء الوزراء، تكون الجزائر في نظامها الجديد-القديم، قد أتمت مرحلة ظل نائب وزير الدفاع، الفريق القايد صالح (لروحه الرحمة والسلام) يلح عليها باستماتة. هذا من حيث المبدأ يوفر للجزائر دولة تخرجها من المؤقت وتدفع بها إلى مواجهة الأوضاع المستجدة والصعبة على الحدود وغيرها لاستعادة دورها الدولي والعمل على إبعاد شبح الحرب الذي أصبح علامة العصر الذي نعيش فيه.

الحدود الجزائرية، على الرغم من القوة الضاربة التي تتوفر عليها لمواجهة حرب كلاسيكية، إلا أنها مخترقة، ومن الصعب مواجهة معابرها السرية، فهي الطريق الأمثل لتهريب الممنوعات، بالخصوص المخدرات والأسلحة. هذه المعابر كانت إلى وقت قريب محمية من الكثير من الموجودين في جهاز الدولة نفسه، العصابة تحديدا وامتداداتها، إذ لا يمكن فهم طرق عبور المخدرات التي وصلت إلى سقفها قبل سنوات، بـ 701 كيلو من الكوكايين، دون حماية كبيرة. وما حدث من تهريب للمال العام في السنوات الأخيرة، والقضايا والفضائح ومنها قضية الخليفة، والبوشي، والكوكايين وغيرها، وقبلها شبكة الحاج بتو في فترة الرئيس الراحل محمد بوضياف، تضع الجزائر في وضعية محلية ودولية غير مريحة.

في المظهر العام هناك دولة، لكن في العمق العصابة أو الدولة العميقة هي من كان يتحكم في التسيير، ولا علاقة لها بالشأن العام. تعتمد القوة والجبروت، والقتل السري، للشخصيات الفاعلة وطنيا.

 هذه الحدود التي تم إضعافها لا تحتاج فقط إلى منظومة دفاعية صاروخية وحدها، ولكن تحتاج إلى استراتيجية فعلية، تبدأ بتنقية الأجهزة المشرفة على الحرب ضد التهريب الخطير، وإلى شراكة فعلية مع الجيران وتحميلهم المسؤولية، وتحتاج أيضا إلى سياسة دولية وتعاون حقيقيَّين، لأن المرور عبر الحدود يفترض وجود رضى البلد المجاور.

الأسلحة التي يكتشفها الجيش الوطني الشعبي في الحدود الليبية، والنيجرية، والمالية وغيرها، تبين بما لا يدع مجالا للشك أن المسألة شديدة الخطورة. ناهيك عن الوضع الاقتصادي الذي سبق أن شرحه بدقة رئيس الحكومة الأسبق أحمد بن بيتور، الذي تقول بعض الأوساط الإعلامية إنه رفض منصبا كبيرا اقترح عليه، وفضل أن يظل حَراكيا. معاينته شديدة الدقة كما وصفها في ندوته في فوروم جريدة ليبيرتي: مهمة النخب لإنقاذ البلاد. وألح على أن التسيير السيئ للبلاد هو الذي أفقر الجزائر، وأدى إلى ندرة مصادر تمويل الموازنة التي تعتمد كليا على النفط. الدخل من النفط تهاوى إلى الحضيض؛ من 63 مليار دولار في 2013، إلى 27 مليار في 2016 (-57٪)، بينما الاستيراد بلغ حوالي 50 مليار دولار، في غياب أي تخطيط حقيقي، فمن أين تأتي الدولة بالعشرين مليار دولار الناقصة؟ ليكون استيرادها في مستوى 2016 فقط؟ خمسة أسباب أدت إلى هذا الوضع: 1-مأسسة الرداءة والجهل، 2-عبادة الشخصية، 3-مأسسة الفساد، إذ إن الاقتصاد بين أيدي أفراد يتخذون القرارات خارج المؤسسات، 4-تشظي المجموعات التي على رأس السلطة، وهو ما يجعل البلاد عرضة لهزات شديدة الخطورة، يضاف إلى ذلك العنف لحل الخلافات لدرجة التوحش، 5- تسيد القدرية والفردانية في مواجهة المعضلات المجتمعية.

أمام هذه الوضعية لا حل إلا التجنيد الحقيقي لكل النخب بهدف الحفاظ على وحدة البلاد وتغيير سلمي للأوضاع. النتيجة أن الجزائر وجدت نفسها مسيرة بنظام أوليغارشي متسلط، توريثي وأبوي، يعيش من الريع النفطي بشكل متوحش.

 وضع بهذه الحساسية يفرض تغيرات عميقة في بنية النظام نفسه (بغض النظر عن الشكل الذي سارت عليه الانتخابات) والقدرة على قراءة الهزات المقبلة خارج الحسابات الضيقة، وهو ما لم يحدث.

لقد انتخب رئيس الجمهورية (بغض النظر أيضا عن النسبة المئوية التي تبين وتؤكد أن النظام ميال إلى الرسكلة أكثر منه إلى التغيير). وأكدت حكومة عبد العزيز جراد على عقلية ترقيعية.

كان أفق الانتظار كبيرا، وليس المهم النقد اللاذع الذي وجهته مواقع الاتصال الاجتماعي لخيارات رئيس الحكومة، فهو سيد السفينة، لكن السؤال الثقيل: هل تستطيع هذه الحكومة القيام بالنقلة النوعية؟ لا تكفي فكرة التشبيب وهي خاصية إيجابية في المطلق، لكن الخبرة السياسية ضرورية في مثل وضع الجزائر. كيف تتم تنقية الأوضاع بوزراء لعبوا دورا سلبيا سياسيا.

مثلا وزير التجارة كمال رزيق، فقد قال قبل استوزاره كلاما لا يليق بإنسان عادي، فكيف بوزير؟ ووجه سهامه لمنطقة القبائل من خلال صفحته على «فيسبوك» واصفا الحَراكيين بقطاع الطرق. وكان من ضحايا لغته العارية مصطفى بوشاشي، وزبيدة عسول، ومقران آيت العربي، واصفا إياهم بأبناء الحركة (الخونة)، (ما نشره في 03 آب/أغسطس 2019)، يضعنا هذا أمام سؤال ثقيل: كيف لرجل ساهم بشكل معلن في تمزيق البلاد بكلامه أن يصبح ممثلا لدولة؟ هناك اختلافات في الرؤى، هذا مفهوم، لكن أن يتحول ذلك إلى انحراف كلامي خطير، يصبح غير مقبول.

وإلا ماذا يعني اختياره وزيرا، هل لصبّ الزيت على النار تجاه منطقة القبائل؟ ويمكن أن نقيس على ذلك الكثير ممن عينوا على رأس قطاعات حساسة كالصناعة وغيرها.

إضافة إلى المسالة الأخلاقية، كثيرون ممن كانوا حراكيين أصبحوا في الحكومة؟ هذا النوع من الردة يضع مصداقية أصحابها في حالة إحراج.

كيف يمكن أن نصدق ونثق في شخص، قبل أيام كان في الحراك (صور الـ«فيسبوك» شاهد فاضح)، ولم تحدث أية هزة عظيمة جعلته يغير موقعه. هذا كله يعطي للحراك كل مبررات الاستمرار، لأن ما حدث حتى الآن لا ينبئ بأدنى رغبة من النظام في تغيير حقيقي. حتى إطلاق سراح الحراكيين تم بشكل مبتور ومنع من الاستفادة منه بعض أقطابه الذين يمكن أن يكونوا حلقة وصل حوارية تفاوضية بين الحراك والدولة لإيجاد الحلول التي تضمن وحدة البلاد، وانتقالها التاريخي نحو الجمهورية الجديدة. مع هذه الحكومة الضعيفة، تراجعت الجمهورية الثانية مسافات أطول إلى الوراء.



مقالات أخرى للكاتب

  • المَرْأة و«الجندر» وألمُ الكتَابَة والاعْتِراف
  • كيف خرجوا من معطف الرئيس؟
  • عزلة حتى التَّلاشي.. وفاة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي