الرئيس أمام فرصة أخيرة
2021-08-10
مصطفى نعمان
مصطفى نعمان

تعتمد الممارسة السياسية الذكية على ابتكار حلول للمشاكل يمكن تسويقها وطرح البدائل المختلفة لها حتى يمكن اللجوء إليها في حال التعثر أو الفشل، وإذا ما أردنا إسقاط هذه النظرية على ما يحدث في اليمن منذ رحيل الرئيس السابق علي عبدالله صالح عن السلطة بعد أشهر من الاحتجاجات الشعبية بدأت في شهر فبراير (شباط) 2011، وانتهت بانتقال السلطة إلى نائبه (الرئيس الحالي) عبد ربه منصور هادي، فمن المفيد التذكير بالنظرية التي كان معارضوه يصرون على ترديدها (فليرحل صالح، وعندها ستمضي الأمور في مسارها السليم). وإذا ما نظرنا إلى الأوضاع الحالية فمن السهل استنتاج عدم صحة تلك القاعدة العرجاء.

دخل اليمن منذ تلك الفترة مرحلة من الارتباك السياسي والإداري انعكست على المسار الذي تمناه كثير من اليمنيين، وتوقعوا أن يحدث نقلة إيجابية اجتماعياً وسياسياً، ولكن الأحزاب حولت الرغبة الشعبية المطالبة بالتغيير إلى حال استنفار لنفوذها كي تتقاسم مواقع مؤسسات الحكم المدنية والعسكرية والأمنية، وانزلقت البلاد بسرعة إلى حال من الشك والقلق سيطرت على تصرفات الإدارة بكل مستوياتها. ووقف الرئيس هادي عاجزاً أمام القوى التقليدية التي كانت تحسبه جسر عبور لطموحاتها. وفي الوقت نفسه، لم يعمل على تقوية مركزه داخلياً إذ لم يكن يمتلك القاعدة الحزبية والشعبية والعسكرية والقبلية، فوقف متردداً وحده في مواجهتها من دون أن يجتهد للقفز عليها وتشكيل قاعدة مستقلة يركن إليها في الصراع الذي كانت ملامحه تتشكل منذ يوم انتخابه في 21 فبراير 2012، وما كانت لديه الثقة في التنظيم السياسي (المؤتمر الشعبي العام) فأهمله وتركه ميداناً حراً لسلفه الرئيس الراحل حتى بلغ وضع التشرذم الحالي.

وأنا لست هنا في معرض تبرئته من المسؤولية كرئيس للدولة، فقد اختار الاعتماد على أدوات ليست لديها تجربة حكم كافية، وكان رصيدها الوحيد على "الفهلوة" والتركيز على تلميع صورتها في مرحلة هي الأكثر حرجاً في تاريخ اليمن، ولم يتمكن من الخروج من عباءة الرئيس الراحل، ولا استطاع استمالة أعوانه، ولا اطمأن لهم. وتلك كانت الخطيئة الكبرى التي دفع هو والبلد أثماناً باهظة لها.

اليوم، يقف اليمن أمام مرحلة لا تقل غموضاً عن تلك التي سبقت رحيل صالح على الرغم من أنها كانت افتراضياً مرتبة بموجب المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، فالتسريبات والمشاورات صارت تتحدث صراحة عن فترة ما بعد هادي أو على أقل تقدير الاتفاق معه حول ترتيباتها.

من الطبيعي ارتفاع الحديث بصوت مسموع عن هذا الأمر لأنه سيحدد شكل النظام السياسي الذي سيقود البلاد بعد انتهاء الحرب، ولا أقصد هنا التخلي عن النظام الجمهوري، فهذه مسألة محسومة، ولا يجب الخوض في جدل استبداله بل على كيفية تطويره وتثبيت قواعده وعدم تعريضه للخطر الداهم الذي يلاحقه اليوم.

يتحدث كثيرون عن قضيتين: تعيين نائب جديد توافقي أو مجلس رئاسة، ويخوض سفراء الإقليم ونظراؤهم الغربيون في هذا النقاش في كل لقاءاتهم. هذا أمر يشير إلى أن مؤسسة الرئاسة صارت في مرمى التهديد لشرعيتها والبحث الجاد عن استبدال شكلها.

في ما يخص تعيين نائب رئيس توافقي، فقد كان الأمر في 2015 محل اتفاق دولي وإقليمي على شخصية نائب الرئيس، رئيس الحكومة السابق خالد بحاح بعد فرار كل كبار رجل الدولة في بدايات ذلك العام، لكن الرئيس هادي قلب الطاولة على الجميع حين أقاله فجأة بغير اتفاق مسبق مع قيادة التحالف العربي، واختار بديلين مثيرين للجدل في المنصبين اللذين كان بحاح يشغلهما (الفريق علي محسن الأحمر نائباً، والدكتور أحمد عبيد بن دغر رئيساً للحكومة)، وأدى ذلك القرار إلى توقف البحث عن بديل للرئيس إلى حين.

حالياً، عاد البحث عن بدائل من داخل الصندوق نفسه، ولكن ما فاجأني هو أن الذين يبحثون في إمكانية حدوث ذلك لم يستوعبوا أن الدستور نص في الباب المخصص لرئاسة الجمهورية في مادته (116) على أنه "في حال خلو منصب رئيس الجمهورية أو عجزه الدائم عن العمل، يتولى مهام الرئاسة مؤقتاً نائب الرئيس لمدة لا تزيد على ستين يوماً من تاريخ خلو منصب الرئيس، يتم خلالها إجراء انتخابات جديدة للرئيس، وفي حال خلو منصب رئيس الجمهورية ونائب الرئيس معاً، تتولى مهام الرئاسة مؤقتاً رئاسة مجلس النواب، واذا كان مجلس النواب منحلاً حلت الحكومة محل رئاسة مجلس النواب لممارسة مهام الرئاسة مؤقتاً، ويتم انتخاب رئيس الجمهورية خلال مدة لا تتجاوز ستين يوماً من تاريخ أول اجتماع لمجلس النواب الجديد"، هذه المادة لا يمكن تعديلها، وهي الحكم الفيصل في الوضع الراهن.

في ما يتعلق بالبديل الآخر الذي يبحث في تشكيل مجلس رئاسة، فالذين يقترحون ذلك يتجاهلون محاذير وتساؤلات عدة من بينها من سينشئ هذا المجلس ويقرر عدد أعضائه؟ والأهم من هذا وذاك: لماذا سيقبل الرئيس طوعاً انتزاع صلاحياته؟ ولماذا يقدم نفسه بمظهر العاجز عن إدارة البلاد؟ وهل القوتان السياسيتان الحاضرتان بقوة في المشهد (حزب الإصلاح والمجلس الانتقالي الجنوبي) سيقبلان بمثل هذا المخطط؟ وما أخشاه، وقد سمعته، هو تكرار المقولة الساذجة التي سبقت رحيل صالح (فليذهب الرئيس وحينها ستكون الأمور أسهل وقابلة للإصلاح).

إن إدارة البلد من دون البحث في مخاطر القرارات العبثية غير المدروسة تمهد طريقاً منحدراً للدخول في أزمة أكثر تعقيداً من تلك التي يدور البحث حول معالجتها، ويجب أن يدرك الجميع أن الرئيس هادي، على الرغم من كل ما يوجه إليه من انتقادات محقة عن أدائه وأداء حكوماته المتعاقبة، هو الشخص الوحيد الذي تقع عليه مسؤولية التهيئة لانتقال سلس للسلطة بوجوده أو بعد غيابه، وهي مسؤولية أخلاقية ووطنية، ويجب عليه وكل من معه، مواجهة أنفسهم عن الإرث الذي يرغبون لليمنيين أن يتذكروهم به.

الرئيس هادي أمام تجربة جديدة قد تكون الأخيرة لاستعادة أي حيز من ثقة الناس والبحث الجاد في تعديل نمط تسيير الإدارة الحالية للأزمة والحرب، وعلى الرغم من أنه صار مكبلاً باتفاق الرياض الذي لا يتيح له استبدال الحكومة العاجزة من دون الدخول في فراغ جديد، غير أنه قادر على تغيير أسلوب الحكم الذي ما عاد يستوعب ما يحدث على الأرض. هذا إن كان راغباً فعلاً في إنهاء الحرب.

 

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن الأمة برس

 



مقالات أخرى للكاتب

  • هل الجمهورية في خطر؟
  • الحيرة الأميركية  
  • هل تنقذ اليمن حكومة جديدة؟  





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي