الصين النووية.. وطريق القطبية الأممية
2021-08-09
إميل أمين
إميل أمين

في منتصف يوليو/تموز المنصرم، كان مايك بنس نائب الرئيس الأمريكي السابق، يصف الصين بأنها كيان أممي في طريقه لأن يصبح إمبراطورية للشر، ففي كلمة له في مؤسسة "هيرتيج فاونديشن"، ذات الميول المحافظة قال بنس إن "الحزب الشيوعي الصيني يشكل أكبر تهديد لازدهارنا وأمننا وقيمنا على وجه الأرض"..

أكثر من ذلك اعتبر بنس، والذي يعتقد أنه يفكر جدياً في الترشح للرئاسة الأمريكية في انتخابات 2024، وربما يكون جواد الجمهوريين الرابح، أن "الصين الشيوعية وفي جوانب كثيرة، تشكل تحدياً للولايات المتحدة أكبر مما كان يمثله الاتحاد السوفيتي خلال الحرب الباردة".

هل لتصريحات بنس الأخير علاقة ما بحائط الصواريخ النووي الجديد الذي تقوم الصن ببنائه تحت الأرض، ويكاد يكون سور عظيم نووي؟

الشاهد أن الحديث عن الآمال والأحلام النووية الصينية، لم ينفك يتردد في أرجاء البلاد، والرقم الشائع هو أن الصين تسعى إلى امتلاك عشرة آلاف رأس نووي، بحلول عام 2030.

لم تعد الصين الآن مشكلة اقتصادية أو تجارية للولايات المتحدة الأميركية، وإنما مشكلة نووية، وهذا ما أكدته صور الأقمار الصناعية الغربية، والتي أظهرت عملية بناء صوامع نووية تتجاوز الـ 200 صومعة في الصحاري الغربية النائية في الصين، والعهدة على صحيفة الفاينانشيال تايمز البريطانية.

ما الذي يدفع بكين في طريق التصعيد النووي وهل المقصود مواجهة ومجابهة العدو الأمريكي الواضح فقط، أم أن هناك جيرانا آخرين تبعث لهم قيادة الحزب الشيوعي الصيني برسائل معينة لجهة المستقبل ، جيران يبدو على السطح أنهم أصدقاء ، وإن كانوا في واقع الحال أعداء؟

فيما يخص الولايات المتحدة ، يمكن الرجوع إلى حقبة التسعينات، هناك حيث تفكك الاتحاد السوفيتي، وأوقف الجميع بمن فيهم الولايات المتحدة الأمريكية، إجراء أي تجارب نووية وقد كانت الصين من بين الذين التزموا بالأمر عينه .

غير أنه وبعد ثلاثة عقود بدا واضحا أن حالة السيولة الجيوسياسية ، لابد وأن تتبلور في نهاية المشهد ، وينتج عنها عالم مغاير وأغلب الظن متعدد القطبية ، بعد أن أسدل الستار على فكرة القطبية الثنائية ، دفعة واحدة ، وإلى الأبد .

خلال ثلاثة عقود لم يكن هدف الصين الأول ، السبق العسكري ، وقد وعت ورعت جيدا درس الاتحاد السوفيتي ، والذي شبهه الكثيرون بأنه كان عملاق قدماه من فخار لا من النحاس ، ولهذا تكسر على صخرة الغرب وحبائل الأمريكيين بنوع خاص .

اهتم الصينيون اهتماما فائق الوصف ببناء إمبراطوريتهم الاقتصادية وقد استوعبوا استيعابا كاملا ما قاله الإمبراطور الفرنسي الأشهر نابليون بونابرت ، ذات مرة ، من أن: "الجيوش تمشي على بطونها "
نجح الحزب الشيوعي الصيني في إحداث عملية تنمية اقتصادية داخلية غير مسبوقة في تاريخ البلد الذي يعني أسمه بلغة البلاد الأم "الملكوت المركزي"، أو "الملكوت الأوسط "، وحتى الساعة بدت الصين متمتعة بما يعرف ب" قوة الردع النقدي "، فهل آن أوان الردع النووي كذلك ؟

يخبرنا تاريخ الإمبراطوريات من زمن الرومانية إلى الأمريكية ، أنه عند لحظة بعينها من التمدد الاقتصادي ، وظهور مصالح ما وراء البحار ، فإنه لابد من وجود قوة عسكرية قادرة وراغبة في حماية الاستثمارات ومتابعة الإنجازات في قارات الأرض الست .

في هذا السياق يمكن للمرء أن يتفهم لماذا تقوم الصين ببناء حاملات طائرات تمخر عباب المحيطات والبحار، وبالقدر نفسه تسعى لحيازة نوعيات من الغواصات، بعضها قادر على العمل من غير عناصر بشرية ، ناهيك عن السعي الدؤوب لحماية سماواتها بشبكة من الأسلحة النووية ، التي ترد الغريب والمتمثل في الولايات المتحدة الأمريكية ...ماذا عن القريب إذن ؟
يمكن القطع بأن بكين تقلق جذريا من تطوير واشنطن لأنظمة الدفاع الصاروخية ، باعتباره تهديدا مستقبليا لها ، وقد كانت عقيدتها النووية على الدوام تتمثل في الضرب بعد أن يطلق صاروخ معاد على الأراضي الصينية ، بمعنى أنها استراتيجية دفاعية لا هجومية .

الآن تبدو هذه الاستراتيجية غير سديدة ، ويعتقد الخبراء أن الصينيين في طريقهم لموقف " الإطلاق عند التحذير "، بمعنى القيام بضربات صاروخية نووية في الوقت المقدر لوصول صواريخ معادية إلى أراضيها ، وذلك بدلا من الاستعداد لامتصاص الضربة النووية الأولى .
على أن القلق العميق يأتي من الجيران بنفس القدر وأزيد ، وإن لم يكن الأمر معلنا ، وهنا فإن المقصود بالجيران الأقرب جغرافيا ، روسيا واليابان .

روسيا بنوع خاص لها تاريخ عدائي معروف مع الصين ، وحروب سابقه ،وقد جرت استطلاعات رأي مؤخرا في موسكو جاءت نتيجتها لتعبر عن شكوك الروس العميقة في الصينيين، ويقينهم بأنه لو لم تكن روسيا قوة نووية من الطراز الأول ، بترسانة تصل بعض تقديراتها إلى 5500 رأس نووي ، لزحف الصينيون على روسيا التاريخية ، وبما لهم من شهية تاريخية .

تبدو مخاوف الصينيين واضحة من تطور صناعة الأسلحة الروسية في العقدين الأخيرين ، فقد برع الروس في ابتكار الصواريخ الفرط صوتية ناهيك عن الصواريخ التقليدية النووية الجهنمية من عينة سارامات .

يدرك الصينيون أن روسيا كانت حازمة للغاية في تعزيز مصالحها حول العالم ، استنادا إلى قوتها النووية الضاربة، ولهذا يبدو التوسع في الترسانة النووية الصينية مدفوع بشكل متزايد بتغيير في المنظور الصيني .

من جهتها تراقب موسكو تطورات المشهد النووي الصيني ، وفيما تستشعر القلق الباطني بقوة ، لا يمكنها أن تفعل ما يعيق تلك الصحوة النووية الصينية .

أما واشنطن فتبدو المرشحة للصدام مع بكين، وفخ ثيوسيديدس، يتهدد الجانبين كما الحال بين أسبرطة وأثينا في عصور ما قبل الميلاد ، وقد تكون منطقة بحر الصين الجنوبي الموقع والموضع للصدام القادم .
هل تعني مشروعات الصين النووية أن أمن العالم واستقراره يتراجعان إلى الوراء؟

ذلك كذلك من دون شك ما يعزز من ضبابية المشهد الدولي ويغيب ملامح النظام العالمي الجديد .

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن الأمة برس



مقالات أخرى للكاتب

  • أميركا: انتخابات الرئاسة وحديث البدائل
  • بايدن مأزق للديمقراطيين أم لأميركا؟
  • متلازمة التعاسة.. بعيدًا عن السياسة





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي