أما الوجه البشع، فإنه أولاً إصرار المافيا المتسلطة على إبقاء البلد بلا حكومة، كما على الاستمرار في الفساد ورفض الإصلاح. وثانياً، وقاحة الذين أُثروا على حساب المواطنين ونهبوا أموالهم ونقلوها إلى الخارج، إذ امتنعوا حتى عن التبرع بمساعدات، وسط مساعدات جاءت من بلدان بعيدة وفقيرة ومن جمعيات لا يعرف أعضاؤها لبنان. وثالثاً، حرص المسؤولين على تغطية المجرمين الذين جاؤوا بنترات الأمونيوم وخزنوها، والذين كانوا يأخذون منها، والذين عرفوا بالخطورة من دون أن يفعلوا أي شيء، والذين سكتوا وهم يرون المخالفات. فالكمية التي جِيء بها إلى مرفأ بيروت كانت 2754 طناً. والكمية التي انفجرت كانت 552 طناً، حسب التقديرات اللبنانية والتحقيق الذي أجراه فريق من مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي بطلب من بيروت. والباقي أخذه أصحاب الشحنة الحقيقيون لأغراض عسكرية خارج لبنان.
واللعبة تتكرر منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005، لا بل منذ الاغتيالات التي سبقته لرئيس جمهورية وشخصيات قيادية ودينية بينها مفتي الجمهورية: ممنوع على التحقيق اللبناني التوصل إلى كشف المجرمين. والمطالبة بتحقيق دولي محايد مرفوضة من "محور الممانعة". حين عجز أهل الممانعة عن فرض إرادتهم في رفض المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في اغتيال الحريري، فإنهم لجؤوا إلى الاستهزاء بالمحكمة ورفض المثول أمامها، ثم إلى اعتبار الحكم الذي أصدرته بإدانة سليم عياش من "حزب الله" كأنه "وسام". وأهل الممانعة اليوم قادرون على رفض أي توجه نحو تحقيق دولي، ويعملون كل ما يمكنهم لتكبيل يدي المحقق العدلي طارق البيطار، بعدما دفعوا سلفه فادي صوان إلى التنحي.
والمعادلة في لبنان ثابتة: كل جريمة كبيرة يتم تجهيل الفاعل فيها يكون المجرم معروفاً لكنه قوي ومخيف بحيث صارت تسميته ممنوعة. لا المجرم الذي نفذ فحسب بل المجرم الأكبر الذي خطط وأعطى الأمر أيضاً.
ولا نهاية لعرقلة العدالة بالألعاب السياسية والتلاعب القانوني. فمن دمّر بلداً لا يتوقف أمام تدمير مرفأ. ومن بنى مساره السياسي على المعاصي يتصور أن تكبير الجريمة يقدم له دوراً وسطوة ونفوذاً أكبر.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن الأمة برس