هآرتس:برفضه وقف الحرب على غزة: هل يختبر نتنياهو صبر بايدن وفق “ساعة التوقيت” الإسرائيلية؟
2021-05-20
كتابات عبرية
كتابات عبرية

الرئيس جو بايدن غاضب. في مكالمته الهاتفية أمس مع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو أوضح بأنه “يأمل حدوث انخفاض بارز في التصعيد في الطريق نحو وقف إطلاق النار”. هذه صيغة مهذبة ومؤدبة ومنضبطة لوصف الغضب. وبمفاهيم أمريكية – دبلوماسية، فإن هذه الصيغة المهذبة والموجهة إلى حليفة مثل إسرائيل هي تعبير عن نفاد الصبر والتسامح، من النوع الذي لم يتجرأ كلينتون وأوباما، اللذان لم يحبا ولم يقدرا بشكل خاص السيد نتنياهو، على التعبير عنه في تصريح رسمي.

حتى لو لم تكن في هذه المرحلة أزمة في العلاقة بين إسرائيل وأمريكا، فبالتأكيد هناك علامات على علاقة متوترة آخذة في التشكل بين نتنياهو وبايدن. ومن المرجح أن تستمر إذا بقي نتنياهو في منصبه في الأشهر القريبة القادمة. نتنياهو في الحقيقة في وضع متأزم ويجني ثمار تعامله مع أوباما ومع نائبه بايدن، وثمار قصة الغرام السياسية والصاخبة التي أدارها مع ترامب، والابتعاد العدائي عن الديمقراطيين، وبالأساس عن قاعدة المصوتين لهم التي تشكل الأغلبية في الولايات المتحدة.

لنتنياهو عجز كبير في الثقة في الولايات المتحدة. ويمكنه الحديث عن “دوري آخر” والعدد الكبير من الإفنغلستيين الذين يؤيدون التزامه برواية التوراة والمحادثات المثمرة مع عدد من السيناتورات، لكن عدداً قليلاً جداً من الأشخاص في واشنطن يعتبرونه حليفاً موثوقاً. والجمهوريون يعتبرونه أداة لمناكفة الديمقراطيين، ومنطقة خطرة لم يتجرأ أي رئيس حكومة على إدخال إسرائيل إليها قبل قدوم نتنياهو.

محادثة أمس جاءت بعد محادثة أخرى جرت أول أمس، وصفها أشخاص في الإدارة وقدموا إحاطة لصحيفة “نيويورك تايمز” بأنها غير لطيفة. التفسير الوحيد للمحادثة الثانية خلال يوم هو أن بايدن أحيط بأقوال نتنياهو في محادثات له مع سفراء في إسرائيل، حيث أوضح هناك بأن “إسرائيل لا تعمل مع “ساعة توقيت”، وهي تريد تحقيق أهداف العملية”. أدرك بايدن أن نتنياهو ومن ناحية سياسية، يشد الحبل ويعتقد أن المواجهة مع الرئيس ستفيده. هذه مناورات يعرفها منذ 25 سنة، ولا يستطيع نتنياهو أن يضلله. أهداف العملية التي يتحدث نتنياهو عن “تحقيقها” غير واضحة بالنسبة لبايدن. ومن غير الواضح له أن ليس لنتنياهو في الأصل أهداف من العملية سوى الدوافع السياسية، ومن غير الواضح له أيضاً سبب محاولة نتنياهو مواجهته بدلاً من الاستعانة به.

رغم أنفه
الشرق الأوسط، وهو المكان المدهش والمعروف كـ “مقبرة السياسة الخارجية للرؤساء”، فرض نفسه مرة أخرى على جدول أعمال الرئيس. إسرائيل والفلسطينيون يشوشون على سلم أولويات الولايات المتحدة، التي حددت أهدافها بوضوح: الصين، الصين مرة أخرى، روسيا، المناخ، تعزيز التحالفات والعودة إلى سياسة خارجية تقوم على التحالفات. وفي الطبقة الأدنى، الاتفاق النووي مع إيران. في مخزن بعيد في أقصى الأجندة، وضع النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين، الذي سيصاب بالصدأ ويعلوه الغبار. بايدن غاضب لأن مزيجاً من السياسة الإسرائيلية في القدس وغزة، مهما كانت دوافعها ومبرراتها مع استخدام القوة الزائدة من قبل إسرائيل، سواء كان هذا معادلة صحيحة أم لا، طرح مجدداً القضية الفلسطينية التي لا يهتم بالانشغال بها.
ولكونه في ذروة عملية سياسية وميزانية وتشريعية ضخمة لإعادة إعمار البنى التحتية والاقتصاد في الولايات المتحدة (عملية بحجم الصفقة الجديدة لروزفلت، بمبلغ 2.3 تريليون دولار، إضافة إلى 1.9 تريليون دولار لمعالجة كورونا الذي تم إهماله بصورة اجرامية من قبل سلفه)، يضطر بايدن الآن إلى الانشغال بوقف آخر لإطلاق النار حول عملية أسبابها غير واضحة بالنسبة له، هذه حقيقة تغضبه، بل وتحرفه بصورة فظة عن جدول أعماله السياسي والدقيق في الوقت الذي يغيب في الموضوع الإسرائيلي – الفلسطيني أي توازن بين الزمن والطاقة ورأس المال السياسي المطلوب من الرئيس تكريسه، وبين أي فائدة يتم تحقيقها للمصالح الحيوية الأمريكية. وبدلاً من تسويق خطته للبنى التحتية التي تعتبر في نظر مؤيدين ومنتقدين تغييراً دراماتيكياً وثورياً، اضطر إلى التحدث أربع مرات مع رئيس الحكومة ومع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وصد ضغوط من العالم وانتقاد داخلي، تغضبه بشكل أكبر.
في الأسبوع الماضي، كان بايدن تحت شبكة ضغوط ثلاثية تتجمع في نقطة معاناة على جدول الأعمال. المجموعة الأولى التي تضغط عليه من أجل العمل تأتي من حزبه، والتي تحول فيها انتقاد إسرائيل إلى موضوع شرعي للنقاش. وحتى لو لم يكن لهذا الانتقاد الحالي أي تأثير سلبي فوري على العلاقة بين إسرائيل وأمريكا، إلا أن فيه نقطة تحيز، النقطة التي على محور الزمن والتي يبدأ فيها المنحى بالتغير عندما تصبح الأسباب واضحة فيما بعد، لكن النقطة الدقيقة غائبة عن عيون الناظرين.
وميل إسرائيل لحل الضغوط الداخلية على بايدن كـ “مواقف مناوئة لإسرائيل” و”يسار راديكالي” و”الجناح التقدمي في الحزب” الذي تمثله “عضوات الكونغرس الأربع اليساريات”: ألكسندريا اوكاسيو كورتيز، ورشيدة طليب، وإلهان عمر، وآينا بريسلي، هو ميل خطير وغير حكيم ويدل على غطرسة وعدم فهم لمبنى القوة داخل الكونغرس. منذ فترة بعيدة، ليس فقط “التقدميين”، فقد وقع 25 عضواً في الكونغرس على رسالة التقدميين، كما وقع 12 عضواً على رسالة موازية للأعضاء اليهود، على رأسهم جيري ندلر وجيمي ريسكن ودافيد سيسليني، وهم ثلاثة من الأصدقاء الكبار لإسرائيل في واشنطن.

لقد وقع 28 سناتوراً على عريضة مشابهة تطالب بوقف فوري لإطلاق النار، من خلال تفهم حاجة إسرائيل للدفاع عن نفسها. رئيس لجنة الخارجية في مجلس الشيوخ بوب منانديز نشر رسالة خاصة به، ورئيس الأغلبية السناتور تشاك شومر أصدر تصريحاً مشابهاً، وهما غير يساريين وليسا ضد إسرائيل. نصف الـ 25 التقدميين والـ 12 عضواً يهودياً والـ 28 سناتوراً، ومنانديز وشومر وأعضاء آخريو في الكونغرس نشروا تصريحات مستقلة مثل اندي كيم من نيوجرسي، هم يعتبرون أيضاً أصدقاء واضحين لإسرائيل ولديهم رصيد مثبت في هذا الشأن.

مطلوب إظهار القوة
المجموعة الثانية هي “نظام البيئة” باسم “مجموعة الشرق الأوسط داخل مجموعة السياسة الخارجية في واشنطن”. الحديث يدور عن عشرات الخبراء من جميع أطراف الخارطة السياسية، وعن موظفين سابقين في الإدارة ودبلوماسيين ورجال مخابرات وباحثين في صناعة معاهد الأبحاث في واشنطن ورجال رأي في وسائل الإعلام والخ. انتقادهم هو انتقاد جوهري – سياساتي، وليس فقط سياسياً. مطلوب من بايدن العمل على إظهار القوة. الولايات المتحدة ربما لا تستطيع التوسط في عملية سياسية حقيقية، لكن يمكنها منع التصعيد.

العالم ينظر إلى الرئيس الذي وعد بالعودة إلى دبلوماسية الائتلافات والتحالفات وإلى تجديد مكانة الولايات المتحدة الدولية كدولة عظمى مهيمنة تحدد جدول الأعمال وتبت في النزاعات وتتدخل فيها. ولا داعي للتحدث عن انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة، وعن تحول المنطقة إلى أمر غير حيوي بالنسبة لها، بالأساس بسبب الاستقلال في مجال الطاقة. الديمقراطيون والجمهوريون، والليبراليون والمحافظون، جميعهم يريدون سياسة خارجية قوية وواضحة.

المجموعة الثالثة هي المجتمع الدولي الذي يتوقع من الرئيس بايدن التصرف مثلما وعد، وإن منع مشاريع قرارات في مجلس الأمن ثلاث مرات خلال أسبوع بذريعة أن الصيغة تنحاز لإسرائيل أو أنها غير متزنة، هو خطوة تفهمها الولايات المتحدة، ولكن سريانها ونجاعتها انتهت. التصريح المشترك للرئيس الفرنسي وملك الأردن والرئيس المصري الذي يطالب بوقف فوري لإطلاق النار واستئناف “العملية السلمية”، هو مثال على الضغط الدولي. والتكتل على محور الزمن لأدوات الضغط الثلاث هذه تدفع بايدن إلى العمل، ليس بشكل متحمس أو بطاقة، بل بدافع الغضب. لا يملك آليات تأثير على حماس، ولديه آليات تأثير على الأمم المتحدة، لكن ربما تم استنفادها. وهو يملك الآن آليات تأثير على إسرائيل. واذا فهمت إسرائيل بأنه غاضب ويفضل عدم استخدام هذه الآليات، فستساعده وستكسب. وإذا استفزته فسيتعلق الأمر بلعبة مختلفة كلياً.

 

بقلم: ألون بنكاس
هآرتس 20/5/2021



مقالات أخرى للكاتب

  • إسرائيل بعد ضربتها لأصفهان.. هز مقصود للسفينة الإقليمية أم لعب بالنار؟  
  • كيف واجه أهالي دوما والمغيّر إرهاب المستوطنين؟  
  • هل هناك خط دبلوماسي إيراني - عربي- أمريكي لمنع حرب إقليمية؟  





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي