أبعاد دولية في تطوير الطاقات الخضراء
2021-05-05
وليد خدوري
وليد خدوري

شكل مؤتمر القمة الافتراضي حول التغير المناخي، الذي تبناه البيت الأبيض وأداره الرئيس الأميركي جو بايدن في ذكرى «يوم الأرض»، نقطة تحول مهمة في الحملة العالمية للدفع قدماً بالطاقات الخضراء. فقد أشار الرئيس بايدن، في برنامجه لتشييد البنى التحتية والطاقات الخضراء في الولايات المتحدة من خلال تخصيص تريليونات الدولارات، إلى محاولة واشنطن استعادة دور الريادة والقيادة من خلال تطويرها الاقتصاد الأميركي والطاقات الخضراء عالمياً.
وأشار الرئيس بايدن في خطابه للكونغرس بمناسبة مرور 100 يوم على تسلمه مقاليد الحكم، إلى الخلافات ما بين واشنطن وبكين وإمكانية تصعيد النزاعات ما بين الدولتين الكبريين. ودلت أيضاً ردود الفعل الأولى من قبل الأعضاء الجمهوريين في مجلس الشيوخ على عدم ترحيبهم باقتراحات بايدن باهظة الثمن، مما يعني ضرائب جديدة، بالإضافة إلى الضرائب الحالية والضرائب لمكافحة «كوفيد19»، من ثم، يشكل هذان العاملان إمكانية تقليص حجم المشاريع المطلوبة، واحتمال توتر وتصاعد الخلافات حول حقوق الإنسان في الصين وسيادة كل من هونغ كونغ وتايوان، والمصالح المتضاربة لواشنطن وحلفائها الإقليميين في بحر الصين، وتصاعد النزاعات الاقتصادية والصناعية ما بين الدولتين الكبريين.
يعدّ المؤتمر الافتراضي للبيت الأبيض واحداً من ثلاثة أحداث دولية مهمة في مجال تحسين المناخ لعام 2021؛ فالحدث الأول هو قرار الرئيس جو بايدن تغيير سياسات الرئيس السابق دونالد ترمب البيئية، وأهمها عودة الولايات المتحدة إلى عضوية «اتفاقية باريس». والحدث البيئي المهم الآخر هو مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ في الخريف المقبل في غلاسكو، حيث سيناقَش مدى تنفيذ الدول تعهداتها بتخفيض الانبعاثات الكربونية.
أثارت تصريحات زعماء العالم أثناء المؤتمر الافتراضي، الذي شاركت فيه 48 دولة، تساؤلات عدة حول المعايير المعتمدة في تخفيض الانبعاثات، وكيفية مقارنة الأرقام المتداولة في ظل غياب نظام محاسبي موحد؛ إذ لا يوجد حتى الآن نظام محاسبي عالمي مشترك وشفاف للتغيير المناخي، يشكل دليلاً ويوفر مصداقية لدقة التخفيضات، بالذات عند الالتزام بنسبة معينة من الانبعاثات مقارنة بسنوات سابقة. لقد قدم كثير من دول العالم خلال السنوات الماضية التزامات لتنفيذ تقليص الانبعاثات، وقد أضافت الدول التزامات جديدة في القمة الافتراضية؛ منها:
قرار الولايات المتحدة تخفيض انبعاثاتها 50 في المائة بحلول عام 2030، كما أعلنت واشنطن عزمها تحفيض الانبعاثات بما بين 50 و52 في المائة عن معدلها في عام 2005. هذا، ويشكل حجم الانبعاثات الأميركية حالياً نحو 15 في المائة من مجمل الانبعاثات العالمية.
- إعلان الصين عن نواياها لتخفيض كثافة انبعاثاتها لعام 2025 بنحو 60 في المائة. كما أعلنت أنها ستخفض الانبعاثات من الفحم الحجري إلى النصف بحلول عام 2030. كما أعلنت الهند تخفيض انبعاثاتها بما بين 30 و35 في المائة بنهاية هذا العقد.
- تنوي بريطانيا والاتحاد الأوروبي تقليص الانبعاثات ما بين 55 و68 في المائة عن معدلاتها في عام 1990. وأعلنت اليابان عن عزمها زيادة تعهداتها السابقة، فستخفض الانبعاثات إلى 46 في المائة مما كانت عليه في عام 2013. ومن جانبها، ستخفض كوريا الجنوبية الانبعاثات نحو 24.4 في المائة عما كانت عليه في عام 2017.
وكما هو معروف، اتفقت دول العالم في مؤتمر الأمم المتحدة للتغيير المناخي في دربان، بجنوب أفريقيا، وبعد عقدين من المؤتمرات والخلافات، على تحديد المسؤوليات للدول، والتوصل إلى ما سميت في حينها «تعهدات حسب إمكانات الدول»، بمعنى آخر، تقرر كل دولة على حدة حجم وإمكانات تعهداتها لتخفيض الانبعاثات في عصر جديد للسياسة الدولية يهدف إلى مكافحة التغيير المناخي. تبنى «اتفاق دربان» خريطة طريق تشارك فيها الدول بتقدير انبعاثاتها ومن ثم تخفيض هذه الانبعاثات تدريجياً حسب إمكاناتها. ولكن لم يتم حتى الآن تبني سنة قياسية يعتمدها الجميع في تخفيض الانبعاثات.
من المتوقع أن يناقش «مؤتمر غلاسكو للأمم المتحدة» نهاية هذا العام إمكانية توحيد المقاييس أو التوصل إلى نظام محاسبة جديد للتغير المناخي. إلا إن تجارب المؤتمرات الدولية بما تتضمنه من تضارب مصالح الدول، ستعني أن إمكانية التوصل إلى اتفاق حاسم توافقي ستتطلب عقد مؤتمرات مستقبلية عدة. وهذا ليس بالأمر الغريب في أمور كهذه؛ فالمناقشات قد بدأت منذ عقدين من الزمن. المهم في الأمر أن تخفيض الانبعاثات قائم على قدم وساق عالمياً، وإنْ بدرجات ومعايير مختلفة، إلا إن التشريعات القانونية قد انطلقت في كثير من الدول. كما أن القطاع الخاص بدأ يثمن أهمية الانتقال من عصر طاقوي إلى آخر، والفرص الاقتصادية التي يمنحها له هذا التغيير، وفي الوقت نفسه الخسارة التي قد تلحق به في حال عدم اللحاق بالركب مبكراً؛ اذ يتوقع زيادة الاعتماد 8 في المائة لتوليد الكهرباء من الطاقات الخضراء في عام 2021؛ معظمها من الطاقات الشمسية والرياح. ويتوقع أن تستوعب الصين نحو نصف الزيادة في توليد الكهرباء من الطاقات الخضراء، تليها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي والهند. كما يتوقع استعمال الطاقة الخضراء في تشييد المنازل، ومن ثم الاستعمال الواسع للسيارة الكهربائية.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن الأمة برس



مقالات أخرى للكاتب

  • دور شركات البترول في الطاقات المستدامة
  • صناعة غاز شرق المتوسط: تحديات جيوسياسية وصناعية
  • استقرار أسعار النفط رغم حروب الشرق الأوسط





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي