أوراق خاصة
2019-12-14
غادة السمان
غادة السمان

أحببت اليوم أن يكون عنوان ما أخطه «أوراق خاصة» تكريماً لذكرى غسان كنفاني الذي كان يكتب تحت هذا العنوان قبل عدة عقود في جريدة «المحرر» اللبنانية.. فحضور غسان في حياتنا الأدبية والفكرية يتجاوز الزمان. وهو راهن دائماً وعسى أن تقوم «مؤسسة كنفاني» بجمع «أوراق خاصة» في كتاب.

اتق شر من أحسنت إليه

«أوراق خاصة» لغسان كانت حقاً حميمة وخاصة. وسأفعل مثله اليوم، بما أكتبه من القلب والذاكرة الجريح.

أتذكر الصحافية ب.ع. التي كانت في بداياتها، وطلبت مني دعمها، وذلك بالإجابة عن أسئلتها، وضايقني فيها الأخطاء النحوية والإملائية (المروعة). لكنني، دعماً لها، أعدت كتابة أسئلتها في حوارنا بعد تصحيحها لغوياً، وقلت لها إن عليها أن تتعلم اللغة العربية إذا أرادت العمل كصحافية أو ككاتبة. وكنا يومئذ نكتب بخط يدنا مقالاتنا وأحاديثنا الصحافية.

وفوجئت بأنها نشرت حواري معها تحت عنوان خبيث هو «غادة السمان في دورَي السائل والمجيب»! (ضربة) صحافية موفقة لها باستثناء أنها كاذبة، ولكن الأسئلة التي كتبتُها في الحوار كانت بخطي لأنني أحببت مساعدتها لتحصل على العمل. فاستغلتني بدهاء! ب.ع توقفت عن الكتابة منذ زمن طويل لكنها علمتني درساً! وكدت أعلّق لوحة فوق طاولة الكتابة عندي تقول: اتق شر من أحسنت اليه!

عجزت عن الغفران!

أعرف أننا كبشر نخطئ في حق بعضنا بعضاً أحياناً، لكن ثمة أخطاء أعجز أمامها عن الغفران، منها مثلاً: أيام الحرب اللبنانية قررت حمل بقية (أوراقي) الأدبية من بيروت إلى باريس، وكان طريق المطار البيروتي في تلك الفترة يزخر بحواجز متعددة لميليشيات مختلفة، لكن أهمها كان الحاجز السوري لقوى «الردع».

وقلت لصديقة وزوجها، وكان لهما يومئذ النفوذ السياسي الكبير، إنني سأحمل أوراقي كلها من بيروت إلى باريس، وأريد أن يرسلا لي سيارتهما مع السائق الذي يستطيع اجتياز الحواجز كلها بفضل نفوذ زوجها كما والدها يومئذ.

واتفقنا على أن يرسلا لي سيارتهما والسائق (إياه) لإيصالي إلى المطار. وصباح اليوم التالي لم يأت السائق في الموعد المحدد، وخفت أن تفوتني طائرتي.

خذلاني ولم أغفر

اتصلت بهما هاتفياً للاستفسار، فردت عليّ العاملة المنزلية قائلة إنهما نائمان ولا تستطيع إيقاظهما، أي أنهما تخلصا مني، إذ كنت أعرف أنهما يستيقظان باكراً جداً! وكان عليّ ببساطة الذهاب إلى المطار في تاكسي، وبالتالي.. المرور بالحواجز كلها مع حقيبة سفر لا تحتوي إلا على الأوراق ومذكراتي والرسائل وكل ما يثير شبهات (المخابرات) وحواجزها على اختلاف أنواعها.. وحرت، هل أترك حقيبتي في البيت أم أحملها كما نويت خوفاً من قذيفة جديدة تحرقها في بيتي البيروتي وهي التي نجت من حريق مكتبتي.

أنقذَ أوراقي دون أن يدري!

لا أدري كيف خطر ببالي في اللحظة الأخيرة قبل هبوطي إلى التاكسي وضع كتاب كان قد وصلني ـ عن طريق زوجي في دار الطليعة ـ هدية من العماد مصطفى طلاس، واسمه «مرآة حياتي»، وعلى غلاف الكتاب صورته بالثياب العسكرية والأوسمة تكاد تغطي صدره. قلت لنفسي: هذا الكتاب الذي التقيت صاحبه مرة واحدة وكنت برفقة زوجي قد يُنجي أوراقي من الحاجز السوري على الأقل. وهكذا كان. فالحاجز السوري كان أول من أوقفني في طريقي إلى المطار، وفتش الضابط بنفسه حقيبتي فوجدها مليئة بالأوراق والرسائل ومذكراتي باستثناء كتاب واحد وهو كتاب «أبو فراس» في مغلف. أخرج ضابط الحاجز الكتاب من مغلفه وسألني نصف غاضب: لم هذا الكتاب في حقيبتك؟

قلت له: لأنه هدية من وزير دفاعك، وعليه إهداء أحرص عليه.

وفتح «ضابط الحاجز» الصفحة الأولى من الكتاب الضخم، ويقع في 710 صفحات، وقرأ فيها هذا الإهداء (بحبر بنفسجي) وجاء فيه حرفياً: «وأنت يا غادة السمان يا حلماً من البنفسج فيه الحسن يفتخر، يا كاتبة القرن العشرين، ويا أميرة الورد والياسمين، لك حبي وتقديري».

ووقعه باسم: «أبو فراس».

 أوصلتني دراجة نارية إلى المطار!

وهنا أغلق «ضابط الحاجز» الكتاب باحترام وأعاده إلى مغلفه، وأعاد النظر إليّ، فلم يجد «أميرة الياسمين» بل «امرأة مذعورة» على أوراقها! ونادى أحد الجنود وطلب منه مرافقتي إلى المطار على دراجته النارية. وهكذا بفضل الكتاب الهدية من أبي فراس العماد طلاس نجت أوراقي. (والكتاب الآن أمامي وأنا أخط هذه السطور).. ورافقني الجندي حتى داخل المطار ولم تتعرض حقيبتي للتفتيش.

وبعد ذلك بأعوام طويلة، منذ شهر التقيت في مطار باريس (واسي ـ ديغول) صديقتي وزوجها، ولم أغفر رغم مرور الأعوام على خذلهما لي. وحين ابتسمت صديقتي (سابقاً) متأهبة للاقتراب مني وتقبيلي كأن شيئاً لم يكن، أشحت بوجهي عنها وزوجها، وعجزت عن الغفران لهما، فأوراقي أغلى عندي من مجوهرات العالم.

الرجل الأكثر وسامة في العالم!

كان غسان كنفاني في «أوراق خاصة» يتنقل بين مختلف الموضوعات، وسأفعل اليوم مثله.

شاهدت في العديد من المجلات الفرنسية والأمريكية، كما بعض الصحف العربية، صورة المغني الأمريكي «جون ليجند» باعتباره أكثر الرجال جاذبية لعام 2019 على ذمة مجلة «بيبول» الأمريكية. أما جريدة «دايلي ميل» البريطانية فقد نقلت شكر الأكثر جاذبية (المزعوم) ليجند، وكانت القائمة لأهل «الجاذبية» الجنسية، ضمت من قبل: توم كروز، وميل غبسون، وجورج كلوني، وسواهم.

تأملت صورة «جون ليجند» الذي يفترض أنه الأكثر جاذبية، فلم أجده على أي قدر من الجاذبية. ولعل الوسامة والجاذبية أمر شخصي جداً. وما يعجبني قد لا يعجب سواي والعكس صحيح. ولكنني أجد فكرة اختيار الأكثر جاذبية في العالم على حافة السخافة. فالشعور بجاذبية شخص ما ليس عامّاً ولا يخضع للمقاييس ولا يمكن تعميمه.. ويسرني أن الصحافة العربية ما زالت رفيعة المستوى من هذه الناحية، بمعنى أنها لا تتورط في خيارات كهذه.. حتى اليوم على الأقل.

 



مقالات أخرى للكاتب

  • سأذهب للنزهة فوق قبوركم!
  • الأميرة الغائبة عن لبنان: الكهرباء!
  • راشانا: من قرية لبنانية إلى منارة عالمية!





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي