أفلام فلسطينية غابت الحكاية فتناسخت الأحداث

متابعات الأمة برس
2021-03-31

 

يمكن في الحديث عن الأفلام الفلسطينية عموماً، منذ اتخاذها طابعاً روائياً متسارعاً، متعجلاً مرات كثيرة، ما بعد عام 2000، وقد كانت بطيئة، في تطورها، منذ أفلامها الروائية الأولى في الثمانينيات والتسعينيات، يمكن، في حديث كهذا، ودون أدنى جهد، ملاحظة عامل مشترك في معظمها، هو ترهل الحكاية فيها، تشتت الحبكة، وتحول الفيلم إلى أحداث بصرية متتالية، تعتمد على سياقها الفلسطيني الضامن، إلى درجات معينة، لإثارةٍ هنا ولحظات انعطافية هناك، حيث التناقض الباعث لذلك حاضر دائماً بين طرفيه: الفلسطيني والإسرائيلي.

في سياق كهذا، حيث التوتر قائم، متى وأين كان المشهد، يمكن لترقيعات في هشاشة الحبكة أن تمرر المشهد، فالتالي، فالتالي، بهروب وتهريب، بمواجهة واعتقال، وغيرها من المشاهد المتناسخة عن بعضها شكلاً ومضموناً، المملة في تكرارها، في أفلام فلسطينية يمكن لبعضها، بحد أدنى من تَسامح مُشاهدها، أن تصور تلك التناسخات بتنويع طفيف أو جودة سينماتوغرافية ما، تُمايزها، وإن بقيت تناسخاً، عن غيرها من التصويرات الكسولة للسياق الفلسطيني في الضفة وغزة والداخل.

مللٌ يصيب أحدنا أثناء متابعة المَشاهد ذاتها، وبالممثلين ذاتهم معظم الأوقات، فمنطق التناسخ، كما يبدو، تعدى الأحداث إلى الشخصيات إلى ممثلي الشخصيات، ما يمكن أن يضفي على عموم الأفلام الفلسطينية صفةً أساسية هي، التكرار شكلاً ومضموناً، وذلك لسبب أساسي كان تناسخُ الأحداث والشخصيات نتيجةً له: غياب الحكاية.

من فيلم «المخدوعون»

يُعوض، إذن، هذا الغياب بوصفة جاهزة يتناقلها صانعو الأفلام كما يتناقل طلابٌ ورقة تحوي «الأجوبة الصحيحة» في امتحان تعتمد أسئلته، أصلاً، على أجوبة إبداعية وابتكارية. بالكاد يميز أحدنا بين شخصية من فيلم فلسطيني وشخصية أخرى، يؤديها الممثل/ة ذاته/ا، لا لتناسخ الشخصيتين واعتياد المؤدي/ة على الحالة النفسية، والظروف الذاتية والموضوعية الواحدة للشخصيات التي أداها في أفلام تكرّ كالمسبحة، وحسب، بل (حتى إن رغب/ت بالتنويع) لتناسخ الحالات ذاتها، السياقات والمواضيع والاتكاء، بثقل، على «أكْشَنة» (من action) الأحداث، و«سَسْبَنة» (من suspense) تتاليها، بكسلٍ بينٍ وملاحَظٍ لمتابعٍ لهذه الأفلام.

هل من جديد في هذا، والحديث يطال أفلاماً طبعت «السينما الفلسطينية» في السنوات العشر أو العشرين الأخيرة؟ لا طبعاً. إنما، في ذلك ما يدعو إلى التفكير بأفلام روائية لم تعتمد على تسلقٍ لجدار أو تعرضٍ لحاجز في الضفة، أو انقطاعٍ للكهرباء في القطاع، أو غيرها من المُستَهلكات، من «المُرَسكَل» (من recycle) في أفلام فلسطينية صرنا نشاهدها بدافع الواجب لا المتعة. تلك الأفلام، غير الاستهلاكية، تعود بنا في الزمن إلى ما قبل شيوع ظاهرة التناسخ في السينما الفلسطينية، أذكر هنا مثالَين فاقا، جمالياً، عموم الإنتاج السينمائي اليوم (دائماً أقول «عموم» ودائماً توجد استثناءات تُثبت هذا العموم) وفاقا، وهذا مَبحثنا هنا، حكائياً ما كرّته المسبحة من أفلام منذ بداية القرن.

نقلَ كل من العراقي قاسم حوَل والمصري توفيق صالح روايةً لغسان كنفاني إلى السينما، الأول اختار «عائد إلى حيفا» وأخرج فيلماً بالعنوان ذاته (1982)، والثاني اختار «رجال في الشمس» وسمى فيلمَه «المخدوعون» (1972). ما زلنا نحكي عن سينما فلسطينية، وإن كانت بإنتاج سوري وإخراج عراقي ومصري، وصناعة عربية في جوانبها التقنية، فالأهمية الأكبر في كلا الفيلمَين تكمن في الرواية المأخوذ كل منهما عنها، وفي اسم كنفاني كمؤلف لها، وفي موضوعها الفلسطيني بامتياز، بل المؤسس لهوية وسردية وأدب فلسطيني. تختلف المقاربات بين الفيلمَين لأدب كنفاني، وهذا من حق صانع الفيلم على كل حال، في إجراء تغييرات حسب رؤيته السينمائية للنص الروائي، ليصير سيناريو، ثم تغييرات في السيناريو ليصير فيلماً كما يراه هو، أو كما أراد أن يراه. لكن كلاً من الفيلمَين أخلص للحكاية، لحبكتها ولشخصياتها، بل اعتمد عليها، وليس على الحركة والإثارة وما اتخذها صناعُ أفلام فلسطينيين لا بأس بهم، كما نلمسُ من أفلامهم، عناصر لإنجاح الفيلم.

ليست هذه العناصر فنية بأي قدر، قد تكون تقنية، تجارية، تسويقية، أو مهما يكن مما لا يشبه الفنون في شيء. والفيلم، وهذا من بؤس حال السينما في العالم، في جانب أساسي منه، عملٌ تقني وتجاري وإرضائي (لهذا الممول وذاك). في ذلك يمكن لمهندس أو منتج أن يعطي رأياً مُبَرراً له في أي من هذه الأفلام، يكون تخصصياً غير معني في الجانب الفني للعمل، ما لن يفعله أي مشاهد للفيلم كعملٍ يكون في حالته الأولى، بالنسبة له، فنياً.









شخصية العام

كاريكاتير

إستطلاعات الرأي