"أعز الولد".. جدات في مهمة مستحيلة

2021-03-24

نجاح يحسب لفريق العمل تأليفاً وإخراجاً وتمثيلاً

مارلين سلوم

نادراً ما أنعمت علينا السينما العربية بأفلام سينمائية تظهر فيها الجدة بدور رئيسي؛ بل تأتي دائماً «مساعدة» تظهر في بعض المشاهد؛ لتكملها، وتبدو الأسرة طبيعية تضم مختلف عناصرها من أم وأب وجد أو جدة وأحفاد.. واللافت أن الصورة المكتملة للأسرة وفئة كبار السن كانت أكثر حضوراً في سينما الماضي، خصوصاً في أفلام الأبيض والأسود، وحتى الحموات كن حاضرات بقوة، بينما اقتصرت السينما المعاصرة على الأبطال والأصدقاء من أخيار وأشرار وبالكاد نجد ظهوراً لأم أو أب في الخلفية. من هنا يأخذ فيلم «أعز الولد» مكانة خاصة، وعرضته منصة «شاهد»؛ احتفاء بعيد الأم، ويكتسب أهم نقاط الجذب والنجاح قبل التمعن في تفاصيله، من كون أبطاله الرئيسيين هم من الجدات والأحفاد، وينجح في تقديم كوميديا عائلية مضحكة ومميزة.

يبدو أن المخرجة الشابة سارة نوح قررت أن تكون خطوتها الأولى في عالم الأفلام السينمائية الطويلة مميزة، تترك بصمة مختلفة فتلفت الأنظار إليها. سارة نوح عملت مخرجة منفذة في فيلم «شيخ جاكسون» (2017) إلى جانب مخرج العمل عمرو سلامة الذي أراد أن يدعم هذه الشابة في أول عمل يحمل توقيعها مخرجة، فظهر ممثلاً في «أعز الولد»، إلى جانب مجموعة من ضيوف الشرف من نجوم الصف الأول. تعاون سارة نوح مع كاتبي السيناريو شريف نجيب وجورج عزمي؛ أثمر فيلماً عائلياً لم نشاهد مثله ربما منذ فترة طويلة، لعدة أسباب أهمها أنه، كما قلنا، جعل الجدات بطلات، يليهن في الأدوار الرئيسية خمسة أطفال غير مشهورين، ويأتي من بعدهم نجوم اليوم ومشاهير السينما بأدوار مساندة.

 من كان يتخيل أننا سنشاهد إنعام سالوسة وميرفت أمين ودلال عبد العزيز وشيرين في مهمة «جيمس بوندية»؟ سالوسة كما لم نشاهدها من قبل، ولعلها الأقل ظهوراً من بين تلك المجموعة؛ حيث يأتي دورها متأخراً عنهن، لكنها أكثر شخصية خرجت عن المألوف لتقود فريق الجدات وتقود سيارة زوجها الراحل «العقيد» والتي تشبه الدبابة وتطلق النار من مسدس وترعب رجال العصابة، وتسمع متى تشاء ومن تشاء وتنزع سماعة الأذن لتتجاهل و«لا تسمع» من تشاء.

 القصة بسيطة وغير معقدة، وعلى الرغم من سلاستها، فإنها غير مألوفة على الشاشة العربية، وهذه المرة فعلياً هي غير مكررة ولم يسبق أن شاهدنا عصابة تخطف أطفالاً فتواجهها عصابة من الجدات قررن تخليص أحفادهن بأنفسهن من منطلق «أعز الولد ولد الولد».

البداية

يبدأ الفيلم بالطفل حسن الذي يريد الذهاب إلى عيد ميلاد فريدة زميلته في المدرسة، يعيش مع أبيه مصطفى (عمرو سلامة) وجدته عبلة (دلال عبد العزيز)، التي نفهم أنها تسببت بطلاق ابنها من زوجته دينا (أروى جودة). مع دخول حسن حافلة المدرسة نبدأ بالتعرف إلى الأطفال زملائه، لكن ما إن تصعد فريدة من أمام منزلها حتى يتم اختطاف الحافلة من قبل عصابة يتزعمها رضوان (سامي مغاوري)، يأخذ أفراد تلك العصابة الأطفال الخمسة ويطلقون سراح السائق والمشرفة.

تلتقي جدات الأطفال مع أولياء أمورهم في مكتب مديرة المدرسة «مِس ناظلي» (آخر أدوار الراحلة رجاء الجداوي). عبلة التي تحضر مع ابنها مصطفى وتسيطر عليه، تنزعج من حضور طليقته دينا فتبدأ بالتنمر عليها، كيكي (ميرفت أمين) الثرية المرفهة التي تعيش لنزواتها والسهر حتى الصباح مع زوجها الذي يصغرها سناً (تامر حبيب) وشلة أصدقاء، تأتي لتقف إلى جانب ابنتها جيلان (أمينة خليل).

أميمة (ريهام عبد الغفور) والدة سيف ونورا، التي ترتعش ليس خوفاً على ولديها بقدر ما هو الخوف من زوجها وما سيفعله بها ورد فعله على الاختطاف، وعايدة (شيرين) جدة شادي وهي ولية أمره في ظل غياب والديه؛ لإقامتهما في كندا.

تجعل المخرجة من دخول والد سيف ونورا إلى المكتب حدثاً مهماً ومقلقاً، فهو شخصية موتورة مغرورة، عمر الحسيني (عمرو يوسف) يهدد ويتوعد ويصدر أوامره للجميع حتى لرجال الأمن الحاضرين من أجل التوصل إلى معلومات ومتابعة عملية الخطف. يؤدي محمد شاهين دور الرائد في الشرطة، ومن المواقف الكوميدية الساخرة، اعتراض عمر على سير عمليات التحقيق، وقوله بغرور شديد: «أولاد عمر الحسيني اتخطفوا والداخلية باعتالي رائد؟».

 يقرر الرائد إخلاء الغرفة بعد مشادات في الكلام بين أولياء الأمور، فيخرج الجدات بسبب تدخلهن في كل التفاصيل، وبينما هن جالسات قلقات في أحد صفوف المدرسة، تتلقى عايدة اتصالاً من حفيدها شادي بعدما تمكن الأطفال من التسلل وإيجاد هاتف أرضي.

تقرر الجدات التكتم على المعلومة والتصرف بأنفسهن. يتوجهن إلى الجدة الرابعة سهير (إنعام سالوسة) والدة عمر وجدة سيف ونورا. في بيتها كل شيء عتيق، تحتفظ بدليل الهاتف من عام 1960. تضع الجدات خطة، يجمعن ما استطعن من الأموال؛ حيث طالبت العصابة بخمسة ملايين جنيه مصري فدية لقاء تسليم الأطفال. تحضر سهير مسدس زوجها العقيد الراحل وسيارته الضخمة، وتبدأ المغامرات مع الجدات في المهمة المستحيلة وأجواء «جيمس بوند» التي تنجح المخرجة بتقديمها بكثير من الظرف وخفة الدم مع الموسيقى «البوليسية» المشهورة لتلك السلسلة.

ضحك من القلب

نجاح يحسب لفريق العمل من قصة وسيناريو إلى إخراج وتمثيل. وعلى الرغم من الخيال في جعل الجدات بطلات «أكشن»، فإن التصوير كان واقعياً ولم نر منهن قفزات أو حركات بهلوانية؛ بل وُجدن في مواقف تدفع المشاهد إلى الضحك من القلب.

ولم تقتصر القصة على عملية الاختطاف؛ بل امتدت إلى مواقف إنسانية ومراجعة الذات لكل من الجدات اللاتي تعاهدن على الخروج من المحنة أو التجربة بدروس مستفادة وأكثر حكمة. عايدة توافق على الزواج مجدداً، كيكي تطلق زوجها والسهر وتتفرغ لرعاية حفيدتها حين تحتاج إليها، وعبلة تراجعت عن تدخلها في شؤون ابنها وتركت المياه تعود إلى مجاريها بينه وبين أم ابنه دنيا، حتى عمر تعلم كيف يحترم زوجته أمام الناس ويخفف من حدته.

الفيلم ممتع، يمكن مشاهدته أكثر من مرة، يملأ فراغاً كبيراً في السينما العربية؛ حيث نفتقد وبشدة لهذه النوعية من الأفلام العائلية الآمنة والمسلية وغير المبتذلة.

الفكرة ذكية، والمخرجة عرفت كيف تمسك الأمور وتدير عملها وسط ممثلين من مختلف الأعمار والقيمة الفنية، بدءاً من القديرات إنعام وميرفت ودلال وشيرين، اللواتي شكلن فريقاً مميزاً وقريباً من القلب، وتحية لهن لأنهن وافقن على القيام بهذه الأدوار، وصولاً إلى الأطفال الخمسة، وبين هؤلاء الكبار والصغار ضيوف الشرف الكثر: الراحلة رجاء الجداوي، منى زكي، عمرو يوسف، أمينة خليل، محمد شاهين، أروى جودة، ريهام عبد الغفور، إنجي المقدم، المخرج عمرو سلامة، محمود الليثي.









شخصية العام

كاريكاتير

إستطلاعات الرأي