لا تقولوا على الله إلا الحق - حامد المهيري

خدمة شبكة الأمة يرس الإخبارية
2009-06-23

من الأمثال الشائعة "الطبع يغلب التطبّع" أي الغريزة تغلب العادة لأنها أصيلة. يقول "مارك تواين" "الطبيعة لا تعرف القباحات والفضائح فهما من عمل الإنسان"، وفي المثل اللاتيني "لا يولد أحد بلا رذائل، والكامل من لا يدعها تهيمن عليه"، لذا قيل "تستطيع أن تكبح طبعك لا أن تقهره" لكن قيل "كل يدعي الفضل في صالح الأشياء، ويكيل اللوم على طالحها لغيره". قال ابن الجوزي "إن طباع النفوس لا تتغير، إنما المجاهدة تكف عملها، فمن ادعى تغير الطباع ادعى المحال". وفي المثل الإنجليزي "للطبيعة دائما قوة تفوق قوة التربية".

وانطلاقا من هذا الواقع نتساءل من الذي أدخل الإسرائيليات إلى الدين الإسلامي؟ أجاب أحد المفكرين "من طبيعة الشعوب في فترات الانحطاط والتدهور من عزّ وقوة إلى ذل وضعف، ومن علم وغنى إلى جهل وفقر أن نتحول أيضا من النشاط والعمل إلى الكسل والكلام، وهكذا يصبح الكلام وسيلة لقتل وقت من لا عمل له، فيكثر الرواة والقصاصون، وتصبح بضاعتهم رائجة مطلوبة من الناس جميعا، والجاهل يهمل بطبيعته أمور المنطق والعقل ليناقش ما يسمع، وتصبح الغفلة من صفاته، فيصدق كل ما يسمع، خاصة إدا قرئ له من كتاب تراثي يقدره، لأنه يظن أنه من كتب الدين فيتوهم الصدق في الكتب كلما بدت عليها آثار الزمن.

واليهود هم أهل الكتاب أصلا، لكنهم أصيبوا خلال أيام السبي البابلي بالضعف والانحدار فتحولوا إلى تأليف كتب كثيرة اختلطت فيها أمور دينهم بالخرافات والأساطير واستطاع تراثهم أن ينفذ إلى رجال الدين الإسلامي في فترة انحدار مماثلة كان فيها علماء الدين هم الواسطة بين الله والمسلمين، مع أن شرائع الإسلام لا مكان فيها لرجل دين، فكل مسلم معلم ومتعلم ومرشد لنفسه".

أقول لصاحب هذا الرأي، أصبت في أن المسلم يتعلم تبعا لقول الله تعالى "وما أوتيتم من العلم إلا قليلا" "الإسراء 85" لكن لا يعقل المساواة في درجة العلم، فالواقع يخالف ذلك، ولماذا يأمر الله تعالى المسلمين بقوله "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون" "النحل 43" وأكد تعالى دفاعا عن العلماء المخلصين "إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ""فاطر 28".

يا أستاذ نيازي يحتمل أن يكذب راو، ويتسلح بالسند لتصديقه كما لاحظت، "ولو سألت أي مسلم اليوم عن سيدنا إبراهيم عليه السلام وقصته فسيروي قصته من التوارة دون أن يعرف أنه ينقل عنها لا عن القرآن لأن كل ما أضيف إلى قصة إبراهيم القرآنية من معلومات منها أن زوجته هي سارة، وأن هاجر مصرية كانت جارية لسارة؛ كل هذه المعلومات مستمدة من التوارة ولا يعلم بصحتها إلا الله وحده علام الغيوب.

فنحن نعلم من الله أن أهل الكتاب حرفوا كتبهم كما يشاؤون، فكيف نقتبس المعلومات منها على أنها حقائق مقدسة، بحجة أننا نؤمن بالله وكتبه ورسله؟ نعم نؤمن بالله وبكتبه وبرسله الذين أخبرنا عنهم في القرآن، أما أن نؤمن بحرف واحد زائد عما ذكر لنا في القرآن فهو تجاوز لمرجعيته ومصداقيته، وهذه الحقيقة غابت بقصد أو من غير قصد عن ذهن المسلمين، فأغلبهم إن ذكرتهم بهذه الحقيقة كابروا ووقعوا بما وقع به السلف من الأقوام وقالوا كما قال الذين قبلهم "قالو أجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا" "يونس 78" "وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا" " لقمان 21".

لقد قدمت يا أستاذ حجج مقبولة لكن لا تدعك هذه الحجج إلى ترك كل ما ورد من السنة النبوية، فكم من أحاديث ولله الحمد في علاقة سليمة مع القرآن ويعلمها أهل الذكر الذين يخشون الله فلا نعمم. فالنص القرآني جعلنا أمة وسطا "وكذلك جعلناكم أمة وسطا" "البقرة 143" والحديث النبوي دعم ذلك "خيار الأمور أوساطها" وكلمة وسط في القرآن نجدها أيضا في قوله تعالى "حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى" "البقرة 236" وفي قوله سبحانه "لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم" "المائدة 91".

وفي خصوص الغلو في الدين جاء في النص القرآني "قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل" "المائدة 77" وكذلك "يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه" "النساء 171".

والحديث النبوي سار نفس المسار والتوجه "إياكم والغلو في الدين فإنما هلك من قبلكم بالغلو في الدين" رواه أحمد وابن ماجه، والنسائي والحاكم، عن ابن عباس. وهذا ما جعلني أخالفك في قيمة العلماء جملة وتفصيلا فإذا كان القرآن يقول "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون" "النحل 43" فالحديث النبوي يقول بوضوح عن العالم التقي الصالح حين يفتقد "إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يُبق عالما، اتخذ الناس رؤوسا جهالا، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا" رواه البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص.

مما لا شك فيه أن مجموعة من الأحاديث النبوية هي موضوعة، أو زيد فيها، أو نقص منها، لغاية في نفس يعقوب كما يقال، ولا تستقيم مع النص القرآني وهذا من مهمة أهل الاختصاص، علهيم أن يبذلوا جهدا أكثر، يعتمد الوضوح والشفافية في عصرنا هذا، لتنقية العلوم، مما أضعف مفعولها، بتراكمات الزيادة أو النقص وإخراج الناس من الظلمات إلى النور. وهذه مسؤولية المجامع العلمية، التي يبدو أنها ما زالت تدب دبيب النمل، في مسيرتها الاجتهادية، وبحوثها العلمية لربط الدين بواقع الحياة، وتطهيره من تراكمات الفكر البشري التقليدي.


 










شخصية العام

كاريكاتير

إستطلاعات الرأي