ماذا يحدث بالفعل حينما يمر الوقت؟ وهل نمر به جميعا بنفس المعدل؟

متابعات الامة برس
2021-03-06

ليلى علي: في فيلم "بين النجوم" (Interstellar) السينمائي الحاصل على الأوسكار، والذي أشرف عليه علميا عالم الفيزياء النظرية كيب ثورن، وهو من أهم المختصين بالنسبية والثقوب السوداء وحائز على جائزة نوبل، نجد أن بطل الفيلم بعد العودة من رحلته في الفضاء البعيد التي استهدفت بالأساس إيجاد كوكب بديل لإنقاذ الجنس البشري، يلتقي بابنته التي تركها وهي ذات 10 سنوات، وقد أصبحت في عمر جدته، بينما ظل هو شابا.

ما سبب هذه المفارقة؟ الطبيعي أن تكبر البنت بمرور الوقت، ولكن الغريب أن يظل والدها شابا، وكأن ما مرّ من سنوات على ابنته مرّ عليه هو في ساعات. وفقا لقوانين الفيزياء، فإن هذا قد يحدث بالفعل، حيث إننا لا نمر جميعا بالوقت بنفس المعدل، فالوقت ليس نفسه في كل مكان في الكون، وهذه حقيقة قد يختار عقلنا تجاهلها نظرا لأننا غير قادرين على اختبارها بأنفسنا وإن كنا نود ذلك.

وقد تم دعم هذه الأفكار من خلال بعض التجارب العلمية القوية، بما في ذلك تحليق الساعات الذرية فوق سطح الأرض على متن الطائرات، حيث تختلف الأوقات المسجلة بالتأكيد عن تلك المسجلة على الأرض.

ما الوقت؟

الوقت هو مقياس للتغيير المستمر في محيطنا، وبالرغم من أن مفهوم الوقت بديهي، مثل المرور المستمر للأحداث أمام أعيننا ومدار القمر حول كوكبنا، فإن علماء الفيزياء ليسوا متأكدين مما يحدث بالفعل عندما يمر الوقت.

وفقا لمقال منشور على موقع ساينس ألرت (Sciencealert)، فإنه لقرون، كان يُنظر إلى الوقت على أنه قوة ثابتة ومستقلة، كما لو كان تقدّم الكون تحكمه ساعة واحدة، إلا أن هذا الوصف للوقت تغير عام 1905 مع نظرية النسبية الخاصة لألبرت آينشتاين.

وبينما كان من المعروف بالفعل أن مرور الوقت مرتبط ارتباطا وثيقا بالفضاء، كانت نظرية آينشتاين هي الأولى التي تجمع بين المكان والزمان في حقل واحد، مع قياسات تختلف اعتمادا على الحركة النسبية أو قوى الجاذبية للأشياء الموجودة بداخله.

وهذا يعني في الأساس أن الوقت نسبي، وبالتالي يمكن القول إن الوقت ليس وحدة عالمية ثابتة على الإطلاق، بل هو قياس نسبي يختلف كلما تحركت الأجسام بشكل أسرع أو أبطأ، أو عندما تتعرض لجاذبية أكثر أو أقل.

كيف يعمل الوقت؟

يتأثر الوقت بكل من الجاذبية والسرعة، فكلما كانت الجاذبية أقوى، زاد انحناء الزمكان وتباطأ الوقت. ونسيج الزمكان هو عبارة عن دمج لمفهومي الزمان والمكان ضمن استمرارية معينة، وهو مكوّن من المكان بأبعاده الثلاثة (الطول والعرض والارتفاع)، بالإضافة إلى البعد الرابع وهو الزمن.

وبالتالي فإن وجود جسم بكتلة هائلة يقوم بتشويه نسيج الزمكان المحيط به، مما يتسبب في سحب الأجسام القريبة منه عبر الانخفاضات التي يخلقها ذلك الجسم، مما يعني أيضا تشويه الزمن، وذلك يتناسب عكسيا مع حجم الكتلة. وكذلك الأمر بالنسبة للسرعة، فكلما كانت السرعة كبيرة، تباطأ الزمن. على سبيل المثال إذا قمت بمزامنة ساعتين وأخذت إحداهما إلى الفضاء بعيدا عن مركز جاذبية الأرض، فستفقد هاتان الساعتان التزامن الحاصل بينهما.

يثبت هذا الأمر أن الزمن جزء من نفس الوسط المكون للمكان، وبالتالي فإن الوقت نسبي يتباطأ عندما تكون الجاذبية كبيرة أو عند السرعات الكبيرة، ويكون الوقت سريعا في الجاذبية المنخفضة. هذا هو السبب في أن عمر الأشخاص على متن محطة الفضاء الدولية البعيدة عن جاذبية الأرض، أبطأ قليلا جدا من عمر الموجودين على الأرض.

 

   رائد الفضاء السابق سكوت كيلي (يمين) مع شقيقه التوأم مارك يتحدثان عن دراسة التوائم

التوأمان كيلي و"بين النجوم"

عندما ذهب رائد الفضاء سكوت كيلي إلى الفضاء وبقي شقيقه التوأم (الأكبر بثوان) مارك على الأرض، زادت الفجوة العمرية بينهما، وذلك بفضل الوقت الذي قضاه سكوت في المدار حول الأرض والذي بلغ عاما كاملا تقريبا. وهذا يثبت ما تقترحه نظرية آينشتاين، وما دعمته الأدلة منذ ذلك الحين، وهو أننا جميعا لا نمر بالوقت بنفس المعدل.

فكلما تحركت بشكل أسرع، تباطأ الوقت، ولأن سكوت كيلي كان يدور حول كوكب الأرض بسرعة 28,200 كم/ساعة، فقد عاش شقيقه مارك وقتا أطول منه تم تحديده بـ5 ملي ثانية. ولد الأخوان بفارق 6 ثوان عام 1964، والآن تبلغ هذه الفجوة 6.005 ثوان، ويُعرف هذا الانحراف في الزمن باسم تمدد الوقت.

يقودنا ما سبق إلى الإجابة عن السؤال: لماذا ظل بطل فيلم "بين النجوم" شابا بينما كبرت ابنته التي تقول له وهي على سرير الموت "ليس من الطبيعي أن يرى الآباء أبناءهم يموتون أولا"، فقد كان البطل موجودا في مكان بالفضاء حدث فيه تشوه كبير في الزمن بفعل السرعة والجاذبية.

فقد كانت الساعة الواحدة على كوكب "ميلر" في الفيلم تساوي 7 سنوات على كوكب الأرض، وذلك لأن كوكب "ميلر" موجود ضمن النطاق المشوه لنسيج الزمكان بفعل ثقب أسود هائل ذي كتلة أكبر من الشمس بـ100 مليون مرة، وبالإضافة لسرعة دورانه حول نفسه البالغة 99% من سرعة الضوء، أي أن الوقت نسبي ويختلف عندما يتم تشويه نسيج الزمكان، إما نتيجة الكتل الكبيرة والكثافة العالية أو السرعات العالية جدا.

أراد كريستوفر نولان مخرج فيلم "بين النجوم" الحصول على معلومات فيزيائية صحيحة ودقيقة يبنى الفيلم على أساسها، لذلك طلب مساعدة كيب ثورن الذي يقول في كتابه "الحقائق العلمية في فيلم بين النجوم" (The Science of Interstellar) إن الفيلم يعتمد على حقائق علمية بشكل كامل.

هل يمكننا إبطاء الوقت؟

بعيدا عن القيام برحلة إلى الفضاء، وبعيدا جدا عن جاذبية الأرض، هناك طريقة لإبطاء الوقت لا علاقة لها بفيزياء وطبيعة الوقت نفسه، ولكن بمدى سرعة أو بطء الحياة التي يعيشها كل واحد منا.

يقول بعض الباحثين إن تعريض نفسك لتجارب أو بيئات جديدة يمكن أن يجعل الوقت يبدو أبطأ. قد يكون لهذا علاقة بكمية المعلومات التي يتعين على أدمغتنا أن تأخذها وتعالجها، عندما نكون صغارا أو نتعلم شيئا جديدا، يبدو أن العالم أبطأ، ومع تقدمنا في السن والدخول في الروتين، يبدو أن الأيام والسنوات تمر بسرعة.

وأخيرا، فإنه ما لم تكن لديك مركبة فضائية، فلن يؤدي أي من هذا إلى جعلك تتقدم في العمر بشكل أبطأ، ولكن علينا معرفة أن الوقت أكثر مرونة مما يعتقد كثيرون، فهو علامة على قدرتنا على تغيير تصور مدى سرعة مرور الأيام، ولو قليلا.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي