بايدن اختلف مع ترامب في كل شيء.. عدا هذا الملف الجنائي الدولي!

متابعات الامة برس:
2021-03-06

الرئيس الأمريكي، جو بايدن

واشنطن-وكالات: في الأيام الأولى لجو بايدن وقَّع الرئيس أكثر من 21 قراراً تنفيذياً، ألغى من خلالها سياسات وإجراءات اتخذها سلفه دونالد ترامب، وواصل الرئيس الحالي مسيرة طمس سياسات سلفه، ورغم ذلك ظل واحداً من أكثر قرارات ترامب التنفيذية إثارة للجدل كما هو دون تدخل من بايدن.

والقرار المقصود يتعلق بالمحكمة الجنائية الدولية التي تمثل الملاذ الأخير لمعاقبة مرتكبي الجرائم الكبرى كجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في حالة فشل المحاكم المحلية في مقاضاتهم لأسباب سياسية ومصالح بين الدول في الأساس.

ترامب

كان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قد فرض عقوبات بحق مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية في يونيو/حزيران 2019 بعد إعلان المحكمة أنها تعتزم فتح تحقيق في جرائم حرب يشتبه أنها وقعت في أفغانستان ومتورط فيها جنود أمريكيون هناك.

لماذا لم يلغ بايدن عقوبات المحكمة الجنائية؟

وبعد تراجع بايدن عن العديد من القرارات الأكثر إثارةً للجدل في السياسة الخارجية لترامب، اعتبرت سفيرة الأمم المتحدة المُعيَّنة حديثاً، ليندا توماس غرينفيلد، عدداً من تلك التراجعات دليلاً على أن "أمريكا عادت إلى الطاولة"، وقالت للصحفيين هذا الأسبوع إن الولايات المتحدة "تجدِّد التزامها بالدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان في جميع المجالات".

وشملت تلك التحوُّلات البارزة الانضمام مجدَّداً إلى اتفاقية باريس بشأن التغيُّر المناخي، وإنهاء "الحظر على المسلمين"، لكن أحد أكثر قرارات ترامب إثارةً للجدل لا يزال راسخاً دون مساس، ألا وهو استخدام التدابير المخصَّصة عادةً للديكتاتوريين والإرهابيين ضد موظَّفي المحكمة الجنائية الدولية، بحسب تقرير لصحيفة Washington Post الأمريكية.

ترامب في أفغانستان

وكانت المحكمة في حالة هدوءٍ منذ أن تولَّى بايدن منصبه، على أمل إعطاء الإدارة الجديدة وقتاً كافياً لترتيب أمورها، لكن المدَّعية العامة فاتو بنسودا صرَّحت هذا الأسبوع علناً بأن الوقت قد حان لـ"إعادة ضبط" مع الولايات المتحدة، وحثَّت إدارة بايدن على رفع جميع العقوبات والمشاركة بشكلٍ بنَّاءٍ مع المحكمة.

قالت بنسودا، المحامية الغامبية التي شهدت تجميد الحسابات المصرفية وأصول الأقارب مؤقتاً بعدما أعلنت إدارة ترامب عقوباتها في سبتمبر/أيلول الماضي: "عادةً ما تُصمَّم هذه الإجراءات وتُنفَّذ ضد منتهكي حقوق الإنسان، وليس ضد المهنيين القانونيين وموظَّفي الخدمة المدنية الدوليين المشاركين في مكافحة الإفلات من العقاب على الجرائم المُروِّعة".

وفي تصريحٍ رداً على طلبٍ للتعليق من واشنطن بوست، قال متحدِّثٌ باسم وزارة الخارجية الأمريكية: "الإدارة تراجع بدقة العقوبات بموجب الأمر التنفيذي 13928 بينما نحدِّد خطواتنا التالية"، في إشارةٍ إلى الأمر الذي وقَّعه ترامب في 11 يونيو/حزيران والذي أدَّى لاحقاً إلى فرض العقوبات، لكن المتحدِّث لم يقدِّم أيَّ تفاصيل أخرى بشأن المراجعة التي أُعلِنَت لأول مرة في أواخر يناير/كانون الثاني.

وقال مارك كيرستن، مؤسِّس مجموعة Wayamo للقانون الدولي، إن موقف الحكومة الأمريكية كان "سخيفاً، لأنه ما الذي يجب مراجعته؟".

الجنائية الدولية والولايات المتحدة.. علاقة معقدة

وحتى قبل ترامب، كانت المحكمة الجنائية الدولية على علاقةٍ مُعقَّدةٍ بواشنطن. وموقف المحكمة الجنائية الدولية بصفتها محكمة الملاذ الأخير حين تكون المحاكم الوطنية غير قادرة أو غير راغبة في مقاضاة مرتكبي الجرائم الكبرى قد جعلها مثار جدلٍ كبير. ولم تصدِّق الولايات المتحدة على ميثاق روما الذي أدَّى إلى إنشاء المحكمة في لاهاي عام 2002، ولم تقبل اختصاص المحكمة.

ويضع هذا التمييز الولايات المتحدة على خلافٍ مع العديد من حلفائها. ومعظم البلدان في أوروبا وأمريكا الشمالية واللاتينية والكثير من دول إفريقيا هم من بين الـ123 دولة المؤيِّدة للمحكمة. لكن بينما حافظت إدارتا جورج دابليو بوش وأوباما على مسافةٍ تفصلهما عن المحكمة، قال مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون، وهو من منتقدي المحكمة منذ فترةٍ طويلة: "بصرف النظر عن النوايا والأغراض، المحكمة ميِّتة بالنسبة لنا بالفعل".

وفي عام 2019، فرضت الولايات المتحدة حظر سفرٍ على موظَّفي المحكمة الجنائية الدولية. وفي العام التالي، بعد أن تحرَّكَت المحكمة لفتح تحقيقٍ في جرائم حربٍ مُحتَمَلة في أفغانستان- وهو أول تحقيق تفتحه قد يشمل القوات الأمريكية- وجَّهَت إدارة ترامب توبيخاً للمحكمة، ووصفها وزير الخارجية آنذاك مايك بومبيو بأنها "محكمةٌ غير قانونية".

 الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو

وبعد أكثر من ثلاثة أشهر بقليل، وقَّع ترامب على الأمر التنفيذي الذي يسمح بفرض عقوباتٍ جديدة ضد أولئك المرتبطين بالمحكمة. ودخلت العقوبات المفروضة على بنسودا وعضو آخر في هيئة الادِّعاء بالمحكمة الجنائية الدولية، وهو الدبلوماسي فاكسيو موشوشوكو من دولة ليسوتو، حيَّز التنفيذ في سبتمبر/أيلول. وأدانت العديد من جماعات حقوق الإنسان والحكومات هذه الخطوة.

وغرَّدَت أنياس كالامارد، مقرِّرة الأمم المتحدة المعنية بحالات الإعدام خارج إطار القضاء والإجراءات التعسُّفية، على منصة تويتر، بأنها كانت "عاجزة عن الكلام" بعد توقيع ترامب على الأمر.

وبعد أن خسر ترامب الانتخابات الرئاسية العام الماضي، كان من المُتوقَّع بشكلٍ عام أن يلغي بايدن الإجراءات ضد المحكمة الجنائية الدولية. ومنذ أن تولَّى بايدن منصبه، التزمت إدارته بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان. وفي فبراير/شباط، أعلن وزير الخارجية أنتوني بلينكين أن الولايات المتحدة ستسعى للحصول على مقعدٍ في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة العام المقبل، مِمَّا يعكس اتجاه خطوةً أخرى اتُّخِذَت في عهد ترامب.

وبدون تفسيرٍ كاملٍ من الحكومة الأمريكية، لا يزال من غير الواضح سبب استمرار العقوبات على مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية.

وذكر موقع Axios الشهر الماضي أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو طلب من بايدن إبقاء العقوبات سارية. وبعد أن أعلنت المحكمة تحقيقها مع إسرائيل والأراضي الفلسطينية، هاجَمَ نتنياهو المحكمة مرةً أخرى، واصفاً إياها بـ"المعادية للسامية والمنافقة"، وغرَّد بلينكين بعد بضع ساعات بأن الولايات المتحدة "تعارض بشدة" تحقيق المحكمة الجنائية الدولية.

لكن المشكلات بين المحكمة والولايات المتحدة تتجاوز إسرائيل. جادَلَ بعض النقَّاد، مثل محامي الأمن القومي الأمريكي جون بيلينغر، بأن كلا الجانبين بحاجةٍ إلى وقف التصعيد، مع تراجع المحكمة الجنائية الدولية عن الإجراءات التي قد تورِّط مسؤولين أمريكيين. لكن مؤيِّدي المحكمة يجادلون بأن بايدن يتَّخِذ نهجاً لعدم التدخُّل في العدالة الدولية.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي