أدب الرحلة في كتابات إماراتية

متابعات الامة برس:
2021-03-05

القاهرة- حمدي عابدين: سعى الناقد الجزائري الرشيد بوشعير إلى كشف الصلة بين الرواية الإماراتية والكتابات التي أسهم بها المبدعون في مجال أدب الرحلة، وهو يحاول في كتابه «في خطاب السرود الإماراتية المعاصرة» وضع يده على الفروق والخصائص التي تميز أدب الرحلة الذي يكتبه مبدعون رجال، عن غيره مما تبدعه الكاتبات، كما اهتم بوشعير ببحث مدى استفادة الرواية الإماراتية من نظريات علم النفس، والاجتماع، وتوظيفها للحكاية الشعبية، ما يعكس كثيراً من اهتمامه بتطور فنون السرد الإماراتية وأشكالها، خصوصاً في مجال الرحلة والرواية.

خصائص ذكورية وأنثوية

يتضمن الكتاب، الذي صدر حديثاً عن دار صفصافة للنشر والتوزيع المصرية، خمسة فصول. يعقد المؤلف في الفصل الأول «مقابلة بين منهج الكتَّاب ومنهج الكاتبات»، فيتناول كلاً من محمد المر ووديان سمحان النعيمي «حول العالم في 22 يوماً»، ووديان سمحان «جواز سفر مستعمل جداً»، ومريم البلوشي «سفر الذاكرة»، محاولاً أن يجد الفروقات بين أدب الرحلات الذكوري وأدب الرحلات النسوي، مع رصد ملامح كل منهما والخصائص التي تميزه عن الآخر.

وهنا يرى بوشعير أنه رغم كون أدب الرحلة يكاد يكون حكراً على الرجال، فإن المرأة أصبحت، حديثاً، تسهم في إثرائه. أما في العصور القديمة فلم تكن تستطيع قطع المسافات الطويلة عبر الأدغال والصحاري والبحار والأودية والجبال والمدن النائية كي تكتب عن مشاهداتها، ولكن في العصر الراهن توفرت سبل المواصلات السريعة والمتطلبات الأمنية والاقتصادية والثقافية الضرورية، لذا أخذ الكثير من المبدعات، وبينهن الإماراتيات، يسهمن بشكل بارز في كتابة أدب الرحلات.

وذكر الناقد أن ملامح النسوية في الرحلتين الأخيرتين لـوديان النعيمي ومريم البلوشي تتراءى في النزوع الذاتي، والحديث عن أمور ذات طابع خاص، ومقاربة فنون أدبية أخرى، خصوصاً المذكرات والسيرة الذاتية، والمقالة، وهي الأكثر تعبيراً عن الذات، بعد الشعر. ومن هنا، انحرف أدب الرحلة عن وظائفه الاستكشافية الموضوعية التي حققتها رحلة الأديب محمد المر إلى حد ما، وأخذ يعكس تبايناً جوهريا بين أدب الرحلة الذكوري وأدب الرحلة النسوي في المشهد الأدبي الإماراتي المعاصر.

الفكرة وتوظيف الحكاية

وفي الفصل الثاني «الحكاية الشعبية في الرواية الإماراتية... رواية (أم الدويس) لعلي أبو الريش أنموذجاً»، يشير بوشعير إلى أنها ليست رواية فعل، بل رواية فكرة وتحليل سيكولوجي، وبذخ لغوي وأسلوبي، لذلك يصعب تلخيص أحداثها. وعلى الرغم من تعدد الشخصيات فيها، يظل بطلها «فيروز» الضليع بعلم النفس والتفكير الفلسفي محورها الذي تدور حوله كل الشخوص والمواقف والأحداث، حيث يمسك بزمام السرد وفعل القص ويهيمن على الرؤية الفكرية النصية، ولكن هذه الهيمنة لم تكن كافية لحبك فعل بنائي متماسك.

البطولة هنا، كما يرى المؤلف، ليست بطولة إيجابية تتعلق بإنجاز فعل اجتماعي أو حضاري أو وطني أو قومي مميز، بقدر ما هي بطولة ذهنية سيكولوجية؛ ذلك أن حضور فيروز في الرواية يقتصر على خروجه من جزيرته المعزولة، وينشئ علاقات تستهدف فقط البحث عن منشأ الخرافة أو الأسطورة وتناقضها مع العلم في الباطن السيكولوجي، وفي الواقع الموضوعي الاجتماعي، سواء بسواء، وذلك من خلال توظيف حكاية أم الدويس الرائجة في الأدب الشعبي الإماراتي.

ولكن هذه الحكاية، كما يرويها الشيخ ضاوي بالرواية، لا تقتصر على التراث السردي الشفوي الإماراتي، وإنما تعود بجذورها إلى التراث السردي الإنساني العالمي؛ فهي امرأة جبارة، ماكرة، مخادعة، ذكية وعدوانية؛ شرسة، لم تتخصص في إرهاب الأطفال كما هو شائع، بل كانت يدها العملاقة تمتد لتطال الرجال والنساء.

ولا يكتفي علي أبو الريش، حسب رأي بوشعير، بتوظيف الحكاية الشعبية كما تروى في السرديات الإماراتية، ولكنه يعيد صياغتها فيخضعها لخياله ويربطها بالتراث السردي الإنساني، ويغير معالمها الفولكلورية، للتعبير عن الصراع بين العلم والخرافة سيكولوجياً واجتماعياً، لافتاً إلى أن هذا ليس جديداً في أعماله؛ فقد سبق أن طرحه على استحياء في أعمال روائية أخرى له، خصوصاً في «نافذة الجنون» و«تل الصنم»، من خلال الصراع بين شخصية الأم التي تحاول أن تحاصر ابنها بطقوس أسطورية خرافية تزرع الخوف في وجدانه، وشخصية الابن الذي يتطلع إلى الانعتاق والتحرر والتفكير العلمي المنطقي.

كذلك استخدامه المعرفة السيكولوجية وتوظيفها كنسق سردي خصوصاً في روايته «قميص سارة» وغيرها، حيث يطالعنا هذا المنحى بقوة في ثنائية «مجبل بن شهوان» و«نافذة الجنون»، و«ثلاثية الحب والماء والتراب»، و«تل الصنم»، ويشير المؤلف إلى أنها أعمال يسيطر على أحداثها أبطال سلبيون يعانون من اضطرابات سيكولوجية، مثل الحصر، وعقدة الاضطهاد، والإخصاء، والهلوسة، والسادية. وتعد رواية «قميص سارة» امتداداً لتلك الأعمال، فهي تركز على عقدة سيكولوجية وهي عقدة أوديب التي تحكم سلوك «آدم» الفتى البكر لسلمان المتسلط الفظ، وسارة زوجته الرقيقة المطيعة، وخلال الأحداث الروائية لا يترك أبو الريش بطله فريسة لهواجسه وآلامه تفتك به، بل تظهر شخصية عبد الحميد المرشد الاجتماعي الذي يكتشف بذرة التفوق والموهبة الفطرية في أعماق آدم، ويراهن على تنميتها ورعايتها حتى تثمر مبدعاً تشكيلياً يحظى باحترام المدرسين والرسامين وينال الجوائز التقديرية.

الحنين للأماكن

ويركز الناقد الجزائري في الفصل الرابع «إيقاع الحيز في رواية (نداء الأماكن/ خزينة)» للكاتبة مريم الغفلي، على دراسة أثر المكان أو الحيز بوصفه العنصر الأهم في بناء الرواية، والمقصود بالحيز هنا ليس الفضاء العمراني أو الفضاء الطبيعي من جبال وسهول ووديان وكثبان وأشجار، فحسب، لكنه الأشياء والمقتنيات والملابس والصناديق واللوحات الزيتية، وما إلى ذلك، حيث يتجلى الاحتفال بالحيز في هذه الرواية منذ عتبة العنوان، ويشكل حضوراً قوياً في عالمها؛ فعلى امتداد 19 فصلاً تستحضر الكاتبة الحيز التاريخي وما طرأ عليه من تغيرات على أثر اكتشاف النفط واستثماره بالإمارات المتحدة، خصوصاً إمارة أبوظبي.

ويشير بوشعير إلى أن مريم الغفلي تبدو خلال أحداث روايتها مسكونة بالحيز، لا تكتفي باستحضاره في سياق السرد، وإنما تؤنسنه وتضفي عليه مسحة أسطورية؛ حيث تتوق شخوص «نداء الأماكن»، إلى الفضاءات الجغرافية والمعمارية القديمة لكونها مرتعاً لتجاربها الإنسانية المترسبة في الذاكرة الجماعية التي تغدو مصدر إثراء للتعبير الأدبي منذ العصر الجاهلي حتى الآن، فمريم الغفلي لم تصف فضاءات معيشيق والعين بغرض الوصف، وإنما بغرض التعبير عن الحنين إلى الماضي الذي تعرض جوهره لرياح التغيير السريع، فاقتلع المتشبثين به من جذورهم.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي