خزيمة العايد يُعلّق كوكبا إشكاليا في رحاب المعاصرة

2021-02-19

مُجسّم الفنان السوري خزيمة العايد يشبه في شكله وفيما يوحي به من موت وخراب الشكلَ المجهري لفايروس كورونا المستجدميموزا العراوي *


يعرض الفنان التشكيلي السوري خزيمة العايد الذي بدأ ينحو مؤخرا نحو عالم التجهيز الفني عملا ضخما له في المركز الوطني للفنون البصرية في دمشق. ويشاركه في هذا المعرض الذي يستمر حتى أوائل شهر مارس القادم فنانيْن سوريَّيْن آخرين شابيْن، هما صلاح حريب من خلال لوحة تشكيلية ويعرب طلاع من خلال عمل ينتمي إلى الفيديو آرت.

تحت عنوان “معرض واحد.. عمل واحد” استضاف المركز الوطني للفنون البصرية في دمشق أعمال ثلاثة من الفنانين التشكيليين السوريين الشباب الذين قدّموا أعمالا فنية معاصرة.

رئيس مجلس إدارة المركز الوطني للفنون البصرية غياث الأخرس قال إن “هذا النوع من المعارض يقام لأول مرة في سوريا، وعادة لا يمكن عرض مثل هذه الأعمال الضخمة في صالات العرض لعدم قدرتها على استقبالها، وأردنا عبره تقديم أعمال معاصرة تحاكي تطوّر الفنون في العالم وتكون موجهة للناس بهدف تطوير تلقيهم للفن المفاهيمي وإطلاعهم على الفنون المعاصرة الحديثة”.

وذكر بيان صحافي أن المعرض نتج عن “ورشة احتضنها المركز لمدة سبعة أشهر، والتي أعطى فيها للفنانين مساحة واسعة للتعبير عمّا بداخلهم فاختاروا الحرب لتنطق ريشتهم بما تحتضنه أفئدتهم من آلام”.

أجواء كابوسية

انطلق الفنانون الثلاثة خزيمة العايد وصلاح حريب ويعرب طلاع في أعمالهم من مؤثرات مجتمعية متشابهة، أهمها أثر الحرب السورية على نفوسهم وعلى حياتهم بشكل عام، ولكن بأساليب مختلفة إن من ناحية التعبير أو من ناحية الأسلوب أو من ناحية التقنية المستخدمة.

وجاءت هذه الأعمال قابلة للتأويل كما كل الأعمال المفاهيمية حتى التشكيلية منها التي لم ترتض لذاتها إلاّ توغلا في عالم الأفكار وصولا إلى الميتافيزيقية منها.

وللمفارقة جاءت هذه الأعمال عاكسة للأجواء الكابوسية التي يعيشها اليوم العالم المعاصر عربيا وعالميا في حربه ضد عدو خفي ومتقلب الطبائع، وهو فايروس كورونا.

ونذكر بشكل خاص العمل الذي قدّمه الفنان خزيمة العايد الذي تحلّقت من حوله الأعمال الأخرى شديدة التعبير أيضا، والتي لا تقل عنه أهمية.

جمع عمل العايد ثلاثة أساليب في عمل واحد: التشكيل والنحت والتجهيز. أما ما قدّمه فهو عبارة عن مُجسم ضخم يشبه إلى حد كبير كوكبا أحمر معلقا في وسط الصالة التصقت به أشياء وقطع خردة كثيرة، في إشارة إلى أن هذا المجسم الكوكبي هو تجسيد لثقب أسود مغناطيسي، ربما قصد به الحرب المتوحشة؛ ثقب أسود يبتلع كل ما يقترب إليه إن كان جمادا أو بشرا.

العمل قابل للتأويل كما كل الأعمال المفاهيمية التي لم ترتض لذاتها توغلا إلا في عالم الأفكار وصولا إلى الميتافيزيقية منها

وسيصل مُشاهد العمل إلى التفسير المذكور أعلاه إن وقف بالقرب منه ومُتمعنا في تفاصيله التي هي كما ذكرنا عبارة عن أشياء “التصقت” بجسد الكوكب. لكن أكثر ما يؤثّر ويشدّ العين يحصل إن وقف المرء بعيدا عن المُجسم. سيتراءى له كائن مخيف وحيّ ومُتعرّج البشرة الغليظة، رشحت عنه حمرة مُتخثّرة لفظتها بعض أجزائه وخفّت حدتها في أجزاء أخرى لتغوص في عتمة المقعرات.


وتجيء كلمات الفنان التي أرفقها بعمله مُضاعفة من درامية التجهيز المتدلي من سقف الصالة/ العمل النحتيّ المتكوّر/ والتشكيلي الملوّن بتدرجات الأحمر ما بين القاني القاتم والفاقع المُتفجّر.

كتب الفنان السوري هذه الكلمات لترافق كوكبه المُتحجّر الذي يلقي بظله على زوار المعرض “في أرضي ثقب أسود/ سيطوي الزمن داخله/ إنه واد سحيق/ إنه واد بلا قاع/ ها هي فرصتك الأخيرة للهرب/ فبعد قليل ستكون في مواجهة أفق الحدث..”.

عمل مثير

يجدر الذكر أن عمل الفنان هذا أثار جلبة على شبكة التواصل الاجتماعي فيسبوك بسبب تعليقات أحد الفنانين العرب المكرّسين، إذ اعتبره منقولا عن الفنان دانيال فيرمان. ولكن المطّلع على أعمال الأخير سيرى الاختلاف الشديد بين الفنانين من ناحية الأسلوب ومن ناحية قوة التعبير.

ومن ناحية أخرى كل من يعود بالزمن إلى ما قدّمه العايد منذ تخرّجه ومعرضه الأول في “دار كلمات” في إسطنبول -حيث استشرف أحمد عدنان صاحب الصالة العريق في عالم الفن موهبته وصدق نصه الفني المُلتصق به- سيدرك أن تلك الألوان الدافئة وتدرجاتها التي تأخذ عين الناظر إليها إلى عمق المشهد، وهذا الجوّ العابق بالقِدم وتلك المربعات المعدنية والخشبية تارة أخرى التي تشبه السجون وتطل منها أشياء وهامات بشرية متقطعة ونثار رملي وصخري، هي “من” الفنان. وسيدرك عبرها أن الفنان نابع من نفسه وأن نصه الفني مُعرّض يوما ما لأن ينحو إلى العمل المفاهيمي إن كان باللوحات أو بأي تجهيز فني قد يختار الفنان شكله وأدواته.

وإذا افترضنا أن الفنان السوري اطّلع على أعمال الفنان الأجنبي في زمن العولمة -حيث كل النصوص الفنية مفتوحة على بعضها البعض- فيجب طرح أسئلة كلاسيكية جدا مثل: منذ متى كان الخلق الفني خارجا من العدم؟ وكم من مرة تعرّض فنان إلى أعمال رديئة لتتوالد من نظرته إليها أعمال تضاهيها تعبيرا وقيمة فنية نفذّها بكل حماس ومصداقية، فتأتي أعماله أكثر جمالا وتعبيرية؟

ولعل المطّلع على الفن “الغربي” المعاصر جدا يدرك بشكل عام أن نص الفنان العربي حين يصل إلى تبني الأساليب العصرية (التي لا تقل أهمية عن التقليدية) قلّ ما تكون نسخة مصعلكة عن فن غربي. هو -على الأقل في رأينا- أكثر أهمية من أي نص فني غربي معاصر. بعيدا عن اتهام الفنانين الشباب بـ”العمالة” للفن الغربي ربما الأحرى بنا تشجيعهم والدفع بهم قدما نحو العالمية.. اقتضى التوضيح.


*ناقدة لبنانية







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي