تسرب الأدوية النفسية للمجاري المائية يشكل خطرا على الأسماك

متابعات الامة برس:
2021-02-18

طارق قابيل: بالنسبة لملايين الأشخاص حول العالم، تعتبر مضادات الاكتئاب من الأدوية الحيوية، لكن بمجرد أن تؤدي هذه الأدوية وظيفتها داخل أجسامنا، فإن آثارها البيوكيميائية لا تتوقف ‏عند هذا الحد‎، فهناك أدلة متزايدة تشير إلى أن لبقاياها في البيئة تأثيرا سلبيا على الحياة البحرية‎.‎

يوضح فريق بحث عالمي بقيادة عالم البيئة التطورية جيوفاني بوليفيرينو من جامعة غرب أستراليا (University of Western Australia) في دراسة جديدة أن "الآثار الجانبية للملوثات ذات التأثير النفسي (السيكولوجي) على الحياة البرية تثير قلقا متزايدا".

وأظهرت دراستهم المنشورة في دورية "بروسيدنغز أوف ذا رويال سوسيتي بي" (Proceedings of the Royal Society B) في 10 فبراير/شباط الجاري أن تعرض الأسماك بشكل دائم لتركيزات منخفضة جدا من مضادات الاكتئاب يفقدها تفردها، وتتصرف جميعها بالطريقة نفسها.

ومن المعروف أن الاختلافات في الإستراتيجيات السلوكية بين الحيوانات تفيد الأنواع، فعلى سبيل المثال، من المرجح أن يقوم الأفراد الأكثر نشاطا بتأمين المزيد من الموارد والتمتع بنجاح أكبر في الإنجاب، مما يعزز بدوره لياقة الأنواع، والتنوع الجيني، والمرونة الشاملة.

 

رحلة الدواء

بمجرد أن تنتهي من تناول حبة دواء مثل بروزاك، فهذا لا يعني أن تأثير الحبة قد انتهي. في الواقع، عندما تبتلع شيئا من مضادات الاكتئاب، فهذه ليست نهاية رحلة الدواء في العالم، بل إنها البداية.

معظم الأدوية، بما في ذلك الأدوية ذات التأثير النفسي مثل فلوكستين، يمتصها الجسم جزئيا فقط عند تناولها، وينتهي المطاف بها في المرحاض، حيث تدخل في نظام الصرف الصحي، ومن هناك تشق طريقها إلى المحيط في النهاية.

تم إطلاق فلوكستين في السوق الأميركية تحت العلامة التجارية "بروزاك" (Prozac) في عام 1988 كوسيلة لعلاج الاكتئاب، وحتى يومنا هذا، هو أحد أكثر العقاقير الطبية شيوعا في العالم، وقد تم وصفه أكثر من 25 مليون مرة في الولايات المتحدة فقط في عام 2018.

وقد وجدت متبقيات هذ الدواء في كل مكان، في مياه الصرف الصحي والمياه السطحية ‏والمياه الجوفية ومياه الشرب والتربة، وتتعاطاه جميع الكائنات البحرية بشكل جماعي عن غير قصد، وما يزال الأمر الأكثر إثارة للمخاوف هو أن ظهور التأثيرات لا يتطلب تركيزا ‏عاليا‎.‎

لا جديد تحت الشمس

وقد أظهرت دراسات سابقة أن التلوث الناجم عن مضادات الاكتئاب يمكن أن يؤثر على سلوك الأسماك بطرق غريبة، ولكن ما حدود النقل غير المقصود لهذا الدواء؟ يبقى سؤالا مفتوحا.

في البشر، يمكن للأدوية التي تمنع قنوات إعادة امتصاص السيروتونين أن تساعد في درء الاكتئاب، لكننا لسنا الحيوان الوحيد الذي لديه هذه البوابة العصبية، حيث تمتلكها جميع الفقاريات، لذلك فليس من المستغرب أنها يمكن أن تؤثر على الأنواع غير المستهدفة.

أحد أكبر الأشياء المجهولة هو كيف يمكن لهذه العقاقير أن تغير سلوك الحيوانات على المستوى الفردي، حيث إن معظم الأبحاث في هذه الظاهرة سعت إلى قياس متوسط التأثيرات في مجموعات الأسماك.

نتائج صادمة

لمزيد من التحقيق، أجرى بوليفيرينو وفريقه تجربة لمدة عامين في المختبر، حيث أخضعوا أجيالا من أسماك الجوبي (Poecilia reticulata) وهو سمك نشيط ينطلق بشكل جماعات، لتركيزات عند مستويات منخفضة من فلوكستين، مساوية أو أعلى من كمية التلوث الكيميائي في البيئات المائية.

كانت النتائج صادمة، إذ بدا أن الأسماك التي تتناول مضادات الاكتئاب تفقد تفردها، مع اختلافات في السلوك تتناقص تدريجيا مع زيادة الجرعة، وبدأت جميعها تتصرف بالطريقة نفسها في النهاية.

في بحر من مضادات الاكتئاب، إذا بدأ كل حيوان في التصرف بالطريقة نفسها، فستكون حياتهم متشابهة، ويقول بوليفيرينو "لكي تزدهر مجموعات الأسماك في مواجهة التغيرات البيئية، يجب أن يتصرف أعضاء المجموعة بشكل مختلف عن بعضهم".

ويضيف "لسوء الحظ، وجدنا أن مثل هذا التنوع السلوكي يتآكل في مجموعات الأسماك المعرضة للفلوكستين، وقد يعرض مجموعات كبيرة من الأسماك لخطر متزايد للهلاك في عالم متغير وملوث بشكل متزايد".

ويعتقد العلماء أن الأسماك في البرية يمكن أن تغير جميع جوانب سلوكها تقريبا بسبب الملوثات النشطة بيولوجيا مثل التواصل الاجتماعي، والتغذية، والهجرة، والتزاوج، وأكثر من ذلك.

ومن المحتمل أيضا أن تتعرض الحياة البحرية في المحيط للخطر وتتأثر بطريقة مختلفة، ولا يمكن تقدير كل الأضرار التي قد تلحق بالحيوانات البحرية قبل أن تتمكن الأبحاث المستقبلية من اختبار تأثير الدواء بشكل أكبر في البرية.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي