قال موقع ميديابارت الاستقصائي الفرنسي، إن الوجود العسكري في منطقة الساحل، وبعدما ظل لفترة طويلة محصوراً في دائرة ضيقة، اتخذ بداية العام الجاري بعدا جديدا تماما، بعد أن قُتل أكثر من 50 جنديا فرنسيا قتلوا في عملية “برخان” العسكرية.
وأوضح الموقع الفرنسي أن البرلمانيين الفرنسيين كانوا متحفظين حول هذا الموضوع، لكنهم بدأوا يطرحونه بشكل متزايد في الأسابيع الأخيرة، حيث أعرب الكثير من المنتخبين المنتمين إلى اليمين واليسار عن شكوكهم بشأن مزايا استمرار الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل الإفريقية (عملية برخان، قوامها 5100 من الجنود الفرنسيين) ودعوا إلى فتح نقاش حول هذا الموضوع.
هذه الشكوك والانتقادات، يضيف ميديابات، تأتي أيضا من داخل الأغلبية الحاكمة، حيث ترتفع أصواتٌ مطالبة بتغيير الاستراتيجية العسكرية لفرنسا في منطقة الساحل. وأيضا، ثمة انتقادات حتى داخل “الأوساط العسكرية”. فمثلا، الصحافي المتخصص جان دومينيك ميرشيت يدعو إلى انسحاب القوات، متحدثاً عن “حرب طريق مسدود” ومثيراً “الجذور الاستعمارية للمأزق الاستراتيجي”.
ويقول “ميديابارت” إنه في مواجهة هذا السيل من الانتقادات، اعترف الإليزيه بشكل غير رسمي، أن الوضع في الساحل يزداد سوءا يوما بعد يوم. لكن من غير الوارد الاعتراف علنا بأن الجيش الفرنسي غارق في المستنقع، ناهيك عن أن قوة “برخان” فشلت في احتواء تقدم الجماعات الجهادية. وطوال شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، لم تتوقف فلورنس بارلي، وزيرة الجيوش الفرنسية، عن الإشادة بـ”الانتصارات التكتيكية” لعملية “برخان”، مستشهدة على وجه الخصوص باغتيال اثنين من القيادات الجهادية في الساحل -زعيم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي (عبد المالك دروكدال، قتل في 3 يونيو/ حزيران، وباه أغ موسى، أحد القادة العسكريين في جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، والذي قُتل في 10 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي).
ولدعم أقوال الوزيرة، نشرت هيئة الأركان العامة الفرنسية تقريرا مفصلا عما قامت به في العام الماضي، 128 عملية قتالية، ضبط 500 قطعة سلاح صغير، وأكثر من 50 قطعة سلاح ثقيل أو تدميرها، و700 دراجة نارية و25 “بيك آب” تم الاستيلاء عليها من العدو. وتحدثت وزارة الجيوش عن 1200 إلى 1500 مقاتل “تم تحييدهم”.
وقد تحققت هذه ‘‘النجاحات’’ ليس فقط بإرسال 600 تعزيز إلى الميدان في يناير/ كانون الثاني عام 2020، ولكن أيضا باستخدام طائرات بدون طيار مسلحة منذ ديسمبر/ كانون الأول عام 2019.
ومضى “ميديابارت” إلى التوضيح أن عدد ضحايا الإرهاب في منطقة الساحل زاد بشكل مطرد خلال السنوات الأربع الماضية في مالي وكذلك في بوركينا فاسو والنيجر، حوالي 6250 حالة وفاة في عام 2020. وحتى الجنود الفرنسيون يقرّون أنه لم يتم احتواء التهديد الإرهابي، خاصة في مالي النيجر وبوركينا فاسو. وهناك خشية من توسعه في القارة الإفريقية. لكن هيئة الأركان والوزارة الفرنسيتين تشددان على أنه لو لا عملية برخان لكان الوضع أسوأ.
ومع أن باريس تقول إنه تم إحراز تقدم في السنوات الأخيرة، إلا أن الوضع ما زال بعيداً عما تحدث عنه وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، أمام أعضاء مجلس الشيوخ في 9 فبراير/ شباط الجاري، من أن هناك “تقدما محرزاً فيما يتعلق بإعادة تأسيس سلطة الدولة”، لا سيما في وسط مالي. فوفقاً للأمم المتحدة، اعتبارا من 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، كان 9 في المئة فقط من الإداريين المدنيين في شمال مالي ومنطقة موبتي وسط البلاد حاضرين فعليا في مركز عملهم، وهو “أدنى رقم منذ سبتمبر/أيلول 2015 على الأقل”. واعتبارا من نفس التاريخ، تم إغلاق 1261 مدرسة في شمال ووسط البلاد بسبب انعدام الأمن.
أبعد من هذه الأرقام -يقول ميديابارت- فإن الاستراتيجية الفرنسية في منطقة الساحل موضع تساؤل. بالطبع، ربما تساعد قوة برخان في منع الأسوأ، لكن وجودها والعمل الدبلوماسي الناتج عنها يمكن أن يلعب دورا سلبيا في بعض الأحيان. فقد انتقدت مجموعة الأزمات الدولية، في تقريرها الأخير، استراتيجية فرنسا، معتبرة أن ‘‘الأولوية التي يمنحها برخان لمحاربة الإرهاب تعني أن التقدم الذي تم إحرازه لم يدم طويلا بشكل عام”.