أدَّى انعدام الثقة المتبادلة بين أحزاب تحالف المعارضة الباكستانية إلى إبطال فاعلية التحالف المكون من 11 حزبًا.
كتب عمير جمال، مراسل مجلة «ذا ديبلومات» في مدينة لاهور الباكستانية، تحليلًا نشرته المجلة المتخصصة في شؤون منطقة آسيا – المحيط الهادئ، حول خطط المعارضة الباكستانية للإطاحة بالحكومة الحالية مشيرًا إلى أن أحزاب المعارضة نفسها منقسمة، وهناك حالة من انعدام الثقة فيما بينها؛ مما يجعل التخلص من التركيبة المدنية – العسكرية الحاكمة أمرًا صعبًا في الوقت الحالي.
ويستهل الكاتب تحليله بالقول إنه بعد عديد من الوعود، فشلت الحركة الديمقراطية الباكستانية، المؤلفة من 11 حزبًا سياسيًّا لمنافسة حكومة حزب «حركة الإنصاف» الباكستاني الحاكم، في الإعلان عن خطط مسيرة طويلة للإطاحة بالحكومة المركزية.
وفي هذا الصدد مثَّل التجمُّع الحاشد (تجمُّع للمعارضة دعَت إليه جماعة التبليغ؛ حركة إسلامية أصولية، بهدف الإطاحة بالحكومة المدعومة من الجيش) في مدينة لاهور في ديسمبر (كانون الأول) انتكاسة كبيرة للحركة الديمقراطية الباكستانية، وكشف عن التوترات الكامنة في الحركة نفسها. وبالنسبة للحركة الديمقراطية الباكستانية، قد يبدأ كل شيء في التدهور من الآن فصاعدًا.
تردد حزب «الشعب» الباكستاني بسبب المصالح
يشير الكاتب إلى وجود مؤشرات واضحة على أن حزب الشعب الباكستاني، الذي يحكم إقليم السند، ليس مستعدًا حتى الآن للمشاركة في مسيرة طويلة (للإطاحة بالحكومة)، ولا للاستقالة من مجلس الإقليم لإثبات صِدق عزمه في الوقوف ضد الحكومة. وأحد الأسباب الرئيسة في ذلك يتمثل في أن قيادة الحزب ليست متأكدة مما إذا كانت الأحزاب السياسية الأخرى، لا سيما «الرابطة الإسلامية الباكستانية (جناح نواز)»، تتحلى بالعزم نفسه. وببساطة فإن قيادة حزب الشعب الباكستاني لديها الكثير الذي يمكن أن تخسره إذا ما مضت قدمًا في تهديدها بالاستقالة. ويعتمد البقاء السياسي لحزب الشعب الباكستاني على وجود الحزب في السلطة، وليس خارجها، حتى لو كان ذلك على المستوى الإقليمي.
وينوِّه الكاتب إلى أن حزب الشعب الباكستاني قد تعهد بمحاربة خطط الحكومة الفيدرالية المزعومة للتراجع عن التعديل الثامن عشر للدستور (تحوَّل نظام الحكم في باكستان بموجبه من رئاسي إلى برلماني) الذي يوفر موارد للأقاليم من ميزانية الحكومة المركزية. ولا يمكن أن يحدث هذا، إلا إذا ظل حزب الشعب الباكستاني في السلطة.
وعلاوةً على ذلك إذا استقالت الحكومة الإقليمية لحزب الشعب الباكستاني من السند، فقد لا يتمكنون من العودة إلى السلطة في أي وقت قريب؛ إذ يواصل الحزب الحاكم التعدي على مجال نفوذهم التقليدي في المناطق الريفية والحضرية في السند. وإذا قرر حزب الشعب الباكستاني ترك حكومة السند، فسوف يستخدم حزب حركة الإنصاف والأحزاب الإقليمية الأصغر الأخرى كل الوسائل السياسية والدستورية المتاحة لإبقاء حزب الشعب الباكستاني بعيدًا عن السلطة.
نواز شريف يتهم قائد الجيش بتزوير الانتخابات
ولفت الكاتب إلى أنه بالنسبة لحزب الشعب الباكستاني، صعَّب نواز شريف زعيم (جناح نواز) عليهم دعم الحركة الديمقراطية الباكستانية. وكان شريف قد تحدث في كلمة ألقاها من لندن (تحدث عبر دائرة تلفزيونية مغلقة إلى تجمع ضم عشرات الآلاف نظمته أحزاب باكستانية معارضة بمناسبة تدشين حملة احتجاجية في أنحاء البلاد بهدف الإطاحة بحكومة عمران خان) مهاجمًا القيادة العسكرية الحالية ومتهمًا قائد الجيش (قمر جاويد باجواه) بإقالة حكومته والضغط على السلطة القضائية وتزوير انتخابات 2018 لتنصيب الحكومة الحالية (بقيادة عمران خان). وكانت قيادة حزب الشعب الباكستاني تجلس على هامش الحركة الديمقراطية الباكستانية، بينما كان شريف يقدم العرض الكامل حول سياساته.
ويمكن القول إن شريف تبنَّى الموقف المتطرف للدفاع عن الذريعة التي سيلجأ إليها لعودته إلى السلطة في مرحلةٍ ما في المستقبل. ولم يعد سرًّا بعد الآن أن فرص شريف في العودة إلى السلطة معدومة ما دامت القيادة المدنية – العسكرية الحالية في السلطة. ومن غير المرجح أن تختفي تركيبة الحكم الحالي قريبًا: إذ بعد تقاعد قائد الجيش الجنرال قمر جاويد باجواه، من المرجح أن يصبح الرئيس الحالي للمخابرات الباكستانية، الجنرال فايز حميد، هو القائد القادم للجيش. واتهم شريف الثنائي باجواه وحميد بالوقوف وراء أفول نجمِه السياسي، وربما يعُدَّهما تهديدًا لعودته إلى السلطة.
إنها لعبة يفهمها حزب الشعب الباكستاني جيدًا. ولا ينبغي أن يكون مفاجئًا أن قيادة حزب الشعب الباكستاني قررت النظر في خيار الاستقالة من المجالس فقط إذا عاد شريف من لندن للإشراف على كل خطط مسيرة الحركة الديمقراطية الباكستانية الطويلة.
تاريخ من انعدام الثقة
ويوضح الكاتب أنه لدى كل من حزب الشعب الباكستاني وحزب (جناح نواز) تاريخ طويل من عدم الثقة المتبادلة، وسيستمر ذلك بمرور الأيام. وفي عام 2018 شارك آصف علي زرداري، الذي يشغل الآن منصب رئيس حزب الشعب الباكستاني، في مسيرة ضد حكومة حزب (جناح نواز) في البنجاب، وهدَّد بإسقاط حكومة الحزب في إقليم بلوشستان.
وقال زرداري لنواز شريف مذكرًا إياه بولائه للوطن: «إنك أقسمت يمين رئيس الوزراء وما زلت ملزمًا بهذا القسم. لكنك تحاول إضعاف البلاد». وفي عام 2018 اتهم شريف أيضًا زرداري بإسقاط حكومة حزبه الإقليمية في بلوشستان في محاولة لانتخاب مزيد من أعضاء مجلس الشيوخ من حزب الشعب الباكستاني بدعمٍ من مشرِّعي بلوشستان.
ومن الواضح أن حزب الشعب الباكستاني لن يستقيل من المجالس أو يقاطع انتخابات مجلس الشيوخ القادمة في ظل برنامج الحركة الديمقراطية الباكستانية؛ لأن ذلك قد يعني خسارة قدر كبير من النفوذ السياسي والدستوري في الأشهر المقبلة. وذكر الكاتب أن أحد كبار قادة حزب الشعب الباكستاني شكَّك مؤخرًا في منطق الاستقالة من المجالس قائلًا: «ما الذي سيكون لدينا بعد ترك البرلمان؟» مضيفًا: «لماذا نستقيل من المجالس بإيعاز من شخص ما»؟
ويختتم الكاتب تحليله بالقول إنه بعد شهور من التهديدات بعدم المشاركة في انتخابات مجلس الشيوخ، يستعد كل من حزب الشعب الباكستاني وحزب (جناح نواز) للمشاركة في العملية الانتخابية. وفي الوقت الحالي يبدو أن حزب الشعب الباكستاني قد نجا من حيلة حزب (جناح نواز) لجعله يعاني المزيد من العزلة السياسية عن طريق تقديم استقالات ومقاطعة انتخابات مجلس الشيوخ القادمة. غير أن هذا ربما يعني أيضًا أن تحالف حزب الشعب الباكستاني وحزب (جناح نواز) ضد الحكومة قد يكون انتهى تمامًا، وأن برنامج الحركة الديمقراطية الباكستانية لن يكون له قيمة سياسية تُذكر في المستقبل.