مذكرة توقيف رئيس البيت الأبيض: سيادة عراقية أم انتهاك إيراني؟

2021-01-11

الأمة برس - صلاح حسن بابان


مع أن مبررات القرار القضائية واضحة وتستند إلى ادعاء من أهل أبو مهدي المهندس، وهو مواطن عراقي قتل على الأراضي العراقية. ومع ذلك يبدو القرار مضحكاً لدى قراءته في هذه الظروف...

وقف كل من حسن فدعم ويوسف الكلابي، وهما نائبان في البرلمان العراقي، وحيدين أمام السفارة الأميركية في العاصمة بغداد، تنديداً باغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني ونائب رئيس "الحشد الشعبي" أبو مهدي المهندس، في الذكرى السنوية الأولى للاغتيال الذي هزّ بغداد ونفذته طائرة أميركية قرب المطار.

حمل النائبان المقربان من إيران ورقتين كتبا عليهما "ترامب ارهابي" و"ترامب شريك داعش". تزامن ذلك مع تحييد الفصائل الولائية للسفارة الأميركية في مسيراتها الشعبية التي نظمتها والتي اقتصرت على ساحة التحرير. في اليوم التالي، صدر عن القضاء العراقي مذكرة توقيف بحق الرئيس الأميركي دونالد ترامب "بتهمة القتل العمد".

بدا التوقيت مثيراً للأسئلة، خصوصاً أنه تزامن أيضاً مع معمعة الأيام الأخيرة لترامب في البيت الأبيض. لم تسجل سجلات القضاء العراقي وأرشيفه أي مجازفة من هذا "العيار الثقيل"، الذي صدر ضد ترامب. لم يسبق أن أصدر القضاء العراقي مذكرات توقيف بحق رؤساء أو مسؤولين في أي دولة أخرى.

جاء في بيان صادر عن مجلس القضاء العراقي أنه "بعد تدوين القاضي المختص في محكمة تحقيق الرصافة الذي يتولى التحقيق في الحادث أقوال المدعين بالحق الشخصي ‏واكتمال إجراءات التحقيق الابتدائي "تقرر إصدار مذكرة القبض بحق رئيس الولايات المتحدة الأميركية المنتهية ولايته دونالد ترامب وفق أحكام المادة 406 من قانون العقوبات العراقي النافذ وسوف تستمر إجراءات التحقيق ‏لمعرفة المشتركين الآخرين في تنفيذ هذه الجريمة سواء كانوا من العراقيين أو الأجانب"‏.

تَحكم المادة 406 من القانون العراقي بعقوبة الإعدام بحقّ كلّ من يرتكبُ جريمة القتل العمد عند الإدانة. ويشمل ذلك الأجانب بمعزل عن الدولة التي ينتمون إليها. ووصل التحقيق في مقتل سليماني والمهندس بالغارة الأميركية إلى مراحل متقدّمة لناحية جمع الأدلة وتدوين أقوال المدعين بالحق الشخصي والاستماع إلى شهادات شهود الحادث من موظفي مطار بغداد الدولي ومنتسبي الأجهزة الأمنية فيه، وأيضاً تدوين أقوال المسؤولين في مطار بغداد الدولي وبعض منتسبي شركة G4S البريطانية التي تعمل في مكان وقوع الاغتيال، إضافةً إلى أقوال الممثل القانوني لوزارة الخارجية العراقية والممثل القانوني للسفارة الإيرانية في بغداد، مع أن ترامب المتهم بالاغتيال، تفاخر به علانية في مؤتمر صحافي عبر شاشات التلفزة.

القضاء العراقي فتح شهية الكثير من المنتقدين ضد قراره الأخير الذي لوقي بالسخرية ووجهت أصابع الاتهام لإيران بتدخلها المباشر في عمل القضاء العراقي لإصدار هذا القرار بالتزامن مع انتهاء ولاية ترامب، لحفظ ماء وجهها بعدما عجزت عن الردّ على مقتل أحد أهم قادتها العسكريين.

السياسي العراقي المقرّب من واشنطن مثال الألوسي يقول لـ"الأمة برس" إن القرار صدر من قاضٍ عراقي "بسيط" في حضور قادة الميليشيات في قاعة المحكمة، منهم متهمون برعاية الإرهاب وقتل الشعب العراقي. إلا أن الألوسي، بخلفيته الأميركية المتشددة، يزيد من مساحة الاتهام ضد إيران، ليقول إنها وميليشياتها تقف خلف الهجمات الميليشياوية التي استهدفت السفارة الأميركية، بإشراف من سفير طهران في بغداد وبأوامر مباشرة من الحرس الثوري الإيراني، بعدما تبيّن أن خسارة ترامب صارت واقعاً. وهدف ايران بحسب الألوسي هو إضعاف الحكومة العراقية وإهانتها أمام العراقيين وقول إنها تتحكم بمفاصل السياسة والقضاء وهي من تقرر.



عملياً، لا قيمة سياسية أو قضائية ملموسة لقرار القضاء العراقي. مع أن مبررات القرار القضائية واضحة وتستند إلى ادعاء من أهل أبو مهدي المهندس، وهو مواطن عراقي قتل على الأراضي العراقية، وهو نائب رئيس "الحشد الشعبي" الفصيل المشرّع من قبل مجلس النواب العراقي والرديف للقوات المسلحة النظامية العراقية. ومع ذلك يبدو القرار مضحكاً لدى قراءته في هذه الظروف، وهو قد "أحرج القضاء العراقي كثيراً وقلّل من مكانته واستقلاليته"، بحسب الألوسي، خصوصاً أن القضاء لم يحم المواطنين البسطاء ولا النشطاء والمعارضين والمنتفضين في الشوارع من بطش الميليشيات وعمليات الاغتيال والخطف التي تطاولهم من مجموعات تابعة لإيران، عازياً السبب الى وقوع الشارع تحت سطوة الميليشيات والسلاح المنفلت، وخضوع السياسة العامة في البلاد لهيمنة الأحزاب الموالية لإيران، والأخيرة تتحكم بالقضاء العراقي. وسأل: "لماذا لم يتحرّك المدّعي العام العراقي إزاء كل عمليات القتل والاغتيال والقنص والاختطاف التي استهدفت متظاهرين، إضافة إلى التزامه الصمت أمام حيتان الفساد؟ ألا يعني ذلك أن القضاء العراقي فقد هيبته كما الحال مع المؤسسات الأخرى؟". ثم يضيف: هل كان أي طرفٍ من الأطراف الموجودة، ومنها القضاء، أن يجرؤ على إصدار مثل هذا القرار في حال فاز ترامب في الانتخابات الأميركية؟".

بدوره يُقلّل الخبير القانوني طارق حرب من أي تأثيرات سياسية أو قضائية للقانون، إذ نفذت القوات الأميركية عمليات إجرامية كثيرة ضدّ العراقيين منذ غزوها البلاد عام 2003، ومنها ما يُعرف بجريمة ساحة النسور التي راح ضحيتها 14 عراقياً برصاص إحدى الشركات الأمنية الأميركية، وانتهت الأمور الى عفو القضاء الاميركي عن المرتكبين، واستمرار انتهاك السيادة العراقية حتى الآن، من دون صدور أي مذكرات توقيف ذات قيمة. لكن حرب يؤكد أن القرار القضائي العراقي بتوقيف ترامب بعيد كل البعد من الأحداث السياسية الجارية في أميركا في الوقت الحالي، مؤكداً أنه جاء نتيجة جمع معلومات وضبط إفادات المشتكين وهم من ذووي المجنى عليهم، وخصوصاً عائلة المهندس، وبالتالي هو يضع القرار ضمن سياقاته القضائية البحتة، ويستبعد أن تكون له خلفيات أو أبعاد.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي