
مثل العام 2020 الذي يوشك على الرحيل سنة استثنائية في الرياضة كما غيرها من المجالات ليس لأن فايروس كورونا المستجد فرض إيقاعه إثر تفشيه عليها فحسب بل لتكسير الرياضيين حاجز الصمت كما لم يحدث من قبل حيال العديد من القضايا على غرار العنصرية ومشاكل أخرى تعاني منها مجتمعاتهم.
ونظرا لما حمله من مستجدات سواء في علاقة بالأزمة الصحية التي أدخلت تغيرات كبيرة على حياة الناس فضلا عن تداعياته الصحية والمجتمعية، فإن العام الحالي شهد إثارة قضية العنصرية من جديد بعد حادثة وفاة المواطن الأميركي من أصل أفريقي جورج فلويد على يد الشرطة الأميركية.
وبعد هذه الحادثة التي أثارت أعمال شغب في الولايات المتحدة واختبرت مدى حزم الإدارة الأميركية في التعامل مع العنصريين لاسيما في جهاز الشرطة، دخل العديد من الرياضيين على الخط معربين عن تضامنهم التام مع السود رغم محاولات بعض السياسيين للعب على وتر العنصرية لتسجيل نقاط سياسية على غرار ما فعل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
لكن تحركات الرياضيين لم تقتصر فقط على دعم الحملات المناهضة للعنصرية، بل امتدت لتشمل تقديم المساعدة لمجتمعاتهم في مواجهة فايروس كوفيد – 19 والمتضررين منه.
تضامن مع السود
لم يكن تاريخ الـ25 من مايو تاريخا عاديا في العام 2020، حيث كان نقطة البداية لموجة غضب اجتاحت الساحة الرياضية العالمية كما غيرها من القطاعات والمناطق في العالم على خلفية وفاة جورج فلويد على يد أحد رجال الشرطة في مدينة مينيابوليس الأميركية.
وضرب عدد من نجوم الرياضة بعرض الحائط بالقواعد القديمة التي تحظر امتزاج الرياضة بالسياسة حيث أعربوا عن تضامنهم الكامل مع فلويد وأصحاب البشرة السوداء.
ولجأ السائق البريطاني لويس هاميلتون وفريقه مرسيدس إلى تغيير لون الفريق من الفضي إلى الأسود في سياق الحملة الداعمة للسود.
كما هددت لاعبة التنس اليابانية ناومي أوساكا بخسارة مباراة لها، وجثى لاعبو باريس سان جيرمان الفرنسي وإسطنبول باشاك شهير التركي على ركبتهم قبل مباراة بينهما بدوري أبطال أوروبا بسبب واقعة أخرى اتسمت بالعنصرية من أحد حكام المباراة.
وجاء ذلك بعد أن حظيت حركة “حياة السود مهمة”، والتي نشأت بعد وفاة فلويد، بدعم ومساندة العديد من نجوم الرياضة العالميين مثل ليبرون جيمس الذي يمكنه الوصول لعشرات الملايين من المتابعين عبر شبكات التواصل الاجتماعي.
وبعدما اعتبرت التصريحات السياسية سابقا أمرا غير مشروع في عالم الرياضة، وكانت عقوبتها هي الإيقاف إضافة إلى عقوبات أخرى، أصبح مسموحا بها الآن من قبل الأندية والاتحادات الرياضية وإن لم يكن هذا بشكل رسمي.
وتجرد فريق “واشنطن ريد سكينز” لكرة القدم الأميركية من اسم “ريدسكينز” لارتباط اسمه بدلالات عنصرية. كما سعى فريق كليفلاند إنديانز الأميركي للبيسبول أيضا للتخلص من اسم “إنديانز”.
واعترف روجر جوديل مفوض رابطة كرة القدم الأميركية بأن الرابطة كانت مخطئة لعدم تشجيع الاحتجاجات السلمية ضد العنصرية.
وقال جوديل “نعترف في الرابطة الوطنية لكرة القدم الأميركية بأننا كنا مخطئين لعدم الاستماع إلى لاعبي البطولة وعدم تشجيع الجميع على الاحتجاج السلمي… نرى أن حياة السود مهمة. دون اللاعبين أصحاب البشرة السوداء، ربما لم يكن هناك الدوري الوطني للعبة”.
كما حرص معظم السائقين المشاركين في بطولة العالم (الجائزة الكبرى) لسباقات سيارات فورمولا – 1 على الجثو على ركبتهم مع بدء فعاليات الموسم الماضي من البطولة والذي بدأ في يوليو الماضي بدلا من مارس بسبب جائحة كورونا.
وتعهدت الفرق المشاركة والرابطة المنظمة لبطولة فورمولا – 1 بالمزيد من التنوع في المستقبل.
وقال هاميلتون أول سائق في فورمولا – 1 من أصحاب البشرة السوداء “نريد أن نبني إرثا يتجاوز حدود الرياضة إذا استطعنا أن نكون في موقع القيادة ويمكننا البدء في بناء قدر أكبر من التنوع في رياضتنا، سيكون هذا رسالة قوية وسيعطي الآخرين الثقة لبدء حوار حول كيفية إجراء هذا التغيير”.
ولم يكن نجاح هاميلتون في الفوز بلقب بطولة العالم لفورمولا – 1 ومعادلة الرقم القياسي في عدد مرات الفوز بالبطولة برصيد سبعة ألقاب هو الشيء الوحيد الذي منحه الحق في اختياره شخصية العام الرياضية في بريطانيا وكذلك فوزه بجائزة مماثلة من الاتحاد الدولي لسباقات السيارات (فيا)، وإنما كانت أنشطته خارج مضمار السباق من أهم الأسباب وراء هذه الجوائز والتي تتمحور حول مناهضة العنصرية.
وشارك هاميلتون في مظاهرة بالعاصمة البريطانية لندن ضد العنصرية، وكذلك فعل نجم التنس الألماني السابق بوريس بيكر في ديسمبر الحالي حيث وصف الاحتجاجات بأنها “أهم أحداث في 2020 وفي ما تبقى من حياتي”.
وقال بيكر “تأثرت لأن عائلتي تأثرت. لا أعتقد أننا في مجتمعنا الأبيض لدينا أدنى فكرة عما يعنيه أن يتم الحكم عليك وإدانتك ومهاجمتك لأنك تبدو أسود أو أبيض من الخارج”.
وأعلن لاعبو كرة القدم عن إدانتهم بقوة وصراحة للعنصرية، وجثى لاعبو الدوري الإنجليزي على ركبتهم في المباريات، وكان هذا هو ما حدث تماما في بطولات دوري أخرى مثل الدوري الألماني (بوندسليغا).
وقال رحيم ستيرلنغ مهاجم مانشستر سيتي الإنجليزي “أرى هذا كخطوة هائلة من الدوري الإنجليزي أن يسمح بحدوث هذا. هذا يظهر أننا نسير في الاتجاه الصحيح”.
وسمح الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) وكذلك الاتحاد الأوروبي للعبة (يويفا) والاتحادات الوطنية بمثل هذه التصرفات، كما ظهر شعار اليويفا “لا للعنصرية” بشكل بارز في باريس مؤخرا بعد مغادرة لاعبي باريس سان جيرمان وباشاك شهير الملعب بعد تصريح عنصري من الحكم الرابع للمباراة.
وقال ألكسندر شيفرين رئيس اليويفا إن كرة القدم لديها القدرة على إحداث هذا التغيير. وأوضح “كرة القدم تحظى بمتابعة المليارات من البشر في كل أنحاء العالم. علينا أن نظهر أن هذا التمييز خاطئ. علينا أن نكون نماذج تحتذى. إذا كانت هناك أي صناعة في العالم تستطيع فعل هذا، فإنها كرة القدم”.
معاضدة جهود التصدي لكورونا
بعيدا عن العنصرية، حاول العديد من الرياضيين مساعدة المتضررين من أزمة كورونا التي حتمت على العالم إغلاقات متكررة هذا العام مخلفة حصيلة كبيرة من الإصابات والوفيات، وهو ما مثل تحديا للحكومات وسياساتها وبنيتها التحتية الصحية.
وحصدت الجائحة أرواح أكثر من مليون و741 ألف شخص عبر العالم، إضافة إلى إصابة ما لا يقل عن 79 مليون شخص بالفايروس ما وضع السياسات الصحية للحكومات في العالم أمام اختبار صعب.
وشهدت الشهور الماضية تبرعات كبيرة مثل تبرعات أسطورة التنس السويسري روجيه فيدرر، ومساعدة عملية مثل التدريبات عبر الإنترنت للأطفال من بطلة العالم في الوثب الطويل الألمانية مالايكا ميهامبو. كما جمع ليون جوريتسكا وجوشوا كيميتش لاعبا بايرن ميونخ الألماني الملايين من خلال مؤسستهما الخيرية “نحن نركل كورونا”.
ولكن التأثير الأكبر كان من ماركوس راشفورد مهاجم فريق مانشستر يونايتد الإنجليزي بعدما أجبرت جهوده لدعم الأطفال المحرومين الحكومة البريطانية على تغيير مسارها بشأن تمويل الوجبات المدرسية خلال العطلات.
وينتظر أن تتواصل هذه الأنشطة بشكل جيد في العام المقبل الذي سيشهد اختبارا صعبا وقاسيا للرياضيين خلال مشاركتهم في أولمبياد طوكيو، الذي تأجل إلى 2021 بسبب جائحة كورونا، نظرا لأن اللجنة الأولمبية الدولية مازالت تدعم قواعدها التي تحظر التصريحات السياسية في الملاعب والاحتفالات الرياضية الأولمبية.