مسرح "الحلبة".. تأرجح فني بين المبالغة والقصور

الامة برس-متابعات:
2020-12-23

ضربات موجعة كما هو حالنا مع تجاربنا الحياتية

حنان عقيل: يعدّ عنوان العرض المسرحي المصري “الحلبة” الذي قام ببطولته ثلاثة من الممثلين الشباب، هم؛ طارق الكاشف ومحمد فاروق وآية بدر، المكوّن الأساسي للمنظر المسرحي، وهو أيضا المكان الذي تحاك من خلاله حبكة العمل المسرحي، إذ تبدأ الأحداث وتنتهي خلال مباراة الملاكمة بين شابين.

وتلك العناصر الرئيسية، ممثلة في الأبطال الثلاثة والديكور الثابت، لم تتغيّر طوال مدة العرض المسرحي رغم تغيّر الأحداث والأدوار المختلفة التي لعبها الممثلون، لأن المسرحية أرادت التأكيد على رمزية المكان وما يحمله من دلالات متنوعة.

واستمد مخرج العرض، محمد فاروق، فكرة “الحلبة” من نص مسرحي أرجنتيني، بيد أنه، حسبما أوضح في تصريحات سابقة له، لم يلتزم بأحداث النص الأصلي، ولم يأخذ منه سوى خط وحيد هو ذلك الاستدعاء الذي يقوم به الملاكم للقطات من حياته تؤثّر في راهنه ومستقبله، ليُخلِّص العرض من أي مكونات زمانية ومكانية، بغية إضفاء بعد إنساني لافت يُمكن فهمه والتفاعل معه باختلاف السياقات التي يطرح فيها، ما يعزّز فكرة الثراء الفني.

تفكّر وتذكّر لماض أليم 

 

استدعاء من الماضي

في حلبة الملاكمة ومع كل جولة تعلن عنها الفتاة في العرض، يستدعي البطل صورة من حياته الماضية التي ما زال حضورها وتأثيرها قائما في شخصيته وفي تعاطيه مع الأمور والأحداث من حوله.

وجاءت الانطلاقة الرئيسية في العرض من التأكيد على أهمية فترة الطفولة ودورها في تشكيل شخصية الإنسان، فالملاكم في المسرحية يستدعي فترات قاسية من طفولته، كان الفقر المدقع عنوانا أساسيا لها، في طفولة ظللتها الأم بحنانها، وكان الحرمان العاطفي وقسوة مجابهة الحياة محطة ثانية بعد أن رحل الدفء ممثلا في الأم، بكل ما تحمل من حنان ورمزية معنوية.

ومع كل جولة من جولات الملاكمة التي يبدو فيها البطل هزيلا في مواجهة خصمه، تتداعى في ذهن ذلك الملاكم مشاهد من ماضيه، بعضها قاس أسهم في ترسيخ ضعف شخصيته وصورته المتداعية عن ذاته، وبعضها مشرق كان يشي ببارقة أمل لاحت في الأفق مع قصة حب تشكّلت في إحدى محطات حياته، لكنها سرعان ما واجهت رياحا قويّة لم يقو على مجابهتها بعد ميراث من الضعف والألم النفسي الذي مرّ به على مدار أيامه.

يبدو محتوى القصة تقليديا وسبق تناوله في أعمال سابقة، غير أن السياق الذي جاء فيه هذه المرة مختلف، ويحمل العديد من المعاني، التي أرادت المسرحية التركيز عليها وتوصيلها للجمهور، في تجربة قد تترك أثرا كبيرا لدى من تابعوها.

تصير حلبة الملاكمة في العرض معادلة للصراعات التي يلقاها الإنسان في حياته، والتي تحتاج منه التوقف والتفكُر عندما يكون جاهزا لدخول جولة جديدة، أم أن الجولات الخاسرة التي مرّ بها قد أعيته ويحتاج إلى هُدنة مع ذاته يُرمّم خلالها ما تهشّم منه ليصبح أكثر جاهزية للمواجهة والمنافسة من جديد بدلا من الاستمرار بروح مهزومة وإيمان ضعيف بالذات.

في لحظات فارقة يحتاج الإنسان إلى المزيد من التفكير لحسم خياراته، والتدقيق في المسار المفيد، خاصة في الأوقات التي يصعب فيها التوفيق بين العديد من المتناقضات.

رموز وتحديات

ثلاث شخصيات تروي أكثر من حكاية

رغم تركيز الفكرة التي اختارها مخرج العمل وجودتها، إلاّ أن العديد من التحديات لم يأت التعامل معها بالشكل الأفضل، أبرزها الأداء التمثيلي؛ فالأبطال الثلاثة قدّموا مشهد الملاكمة كحدث آني يدور في تلك اللحظة لكنهم كانوا مطالبين بتقديم مشاهد الماضي، كذلك ليتبدل الملاكم إلى طفل ثم مراهق ثم شاب.

وتتغيّر المُعلِنة عن بدء جولة جديدة إلى أم الطفل ثم مُعلمة ريفية ثم امرأة بغي، ويشارك المُلاكم المنافس للبطل بأدوار مغايرة في استدعاء البطل لماضيه.

ومع أن ذلك التقليص للأدوار واقتصاره على الأفراد الثلاثة، جاء مهما في تكثيف العرض، غير أنه تطلّب قدرة على التنويع في الأداء الجسدي والصوتي، مع تغيير أزياء الشخصية بما يتلاءم مع الدور المُستدعى، وهو ما لم يحدث في أغلب المشاهد، فجاء الأداء التمثيلي باهتا وموحدا في معظم الأحيان لاسيما مع ثبات أزياء الشخصيات، ما أدّى إلى بناء حاجز بدرجة ما مع المتلقي الذي ربما وجد صعوبة في الاندماج مع مختلف الشخصيات المُقدّمة.

  العرض على أهمية فكرته لم يوفّق في تعميق الصراع الداخلي عند البطل المُلاكم أو مستوى الصراع بين الممثلين الثلاثة

حاول العرض نقل أجواء المشهد الذي يدور عبر خيال الظل وتقنية الفيديو في عمق المشهد المسرحي، لكن المشاهد تأرجحت في تلك المسألة ما بين نقيضين؛ المبالغة والقصور.

وفي بداية العرض المسرحي يستخدم الفيديو ليقدّم نيران مشتعلة كرغبة جاءت مُغالية في التعبير عن صعوبة أجواء المنافسة والإثارة، أما القصور فكان تقنيا في عدم تزامن عرض الفيديو مع المشهد، وخيال الظل الذي ظهر متأخرا في أكثر من مشهد، وبدا خافتا وصغيرا بما لا يسمح بتوضيح مكان الحدث في عدد من المشاهد.

ومع أن الموسيقى جاءت لتعبّر عن الحالات المختلفة من منافسة أو شجن أو رومانسية، لكنها استُخدمت بمغالاة في الكثير من الأحيان بما جعل صوتها أعلى من الصراع الدرامي في العرض الذي جاء باهتا في العديد من المشاهد، على مستوى الصراع الداخلي عند البطل المُلاكم أو مستوى الصراع بين الممثلين الثلاثة، ولم يوفق العرض في تعميقه، لاسيما ذلك الصراع بين الملاكم كزوج وزوجته، فقد بدت انفعالات الزوجة في عدد من المشاهد مُبالغا بها، ولا يوجد ما يبرّرها على مستوى الكتابة المليئة بالفجوات.

كل التحديات والفجوات على مستوى الدراماتورج أو الإخراج في عرض “الحلبة”، لا تقلّل من أهمية المسرحية، وتظل الطاقات ممثلة في فئات الشباب الواعد المُحمّل بأفكار جدية وجرأة فنية، والتي هي بحاجة إلى تلك المساحة من التعبير والتطوير التي تتيحها العديد من المهرجانات المسرحية في أنحاء مختلفة من مصر.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي