علاقة فريدة.. أسماك الشعاب المرجانية تستأنس قطعان الروبيان لزراعة الطحالب

الامة برس-متابعات:
2020-12-21

سمكة "الدامسل" تستغل الروبيان "المستأنس'' لمساعدتها على زراعة الطحالب مقابل توفير الحماية له

طارق قابيل:توصل فريق دولي من الباحثين إلى أول دليل على قيام حيوان آخر غير البشر بتدجين نوع آخر من الحيوانات، بعد أن اكتشف الباحثون أسماكا تعيش في الشعاب المرجانية، يبدو أنها دجنت الروبيان (الجمبري) بالطريقة نفسها التي دجنت بها حيوانات المزرعة، ويعتقد الباحثون أن هذا أول مثال لنوع من الفقاريات -بخلاف الإنسان- يقوم بتدجين حيوان آخر.

ووجد الفريق أن سمكة الدامسل ذات الزعانف الطويلة (Stegastes diencaeus) التي تعيش بين الشعاب المرجانية قبالة سواحل بليز (Belize)، في أميركا الوسطى، لديها علاقة تبادل منفعة مع روبيان من نوع مايسيد (Mysidium Integrum).

ووصف الباحثون في الدراسة التي نشرت نتائجها بدورية "نيتشر كوميونيكيشنز" (Nature Communications) بتاريخ 7 ديسمبر/كانون الأول الجاري، التفاعل بينهما كشكل من أشكال التدجين من خلال توفير الروبيان المغذيات لتخصيب مزارع الطحالب التي تتغذى عليها الأسماك وفي المقابل توفر الأسماك له الحماية من الحيوانات المفترسة.

الأفضل بلا منازع

التدجين هو عملية إعادة التشكيل الوراثي لبعض الكائنات لجعلها متأقلمة مع الإنسان من جهة، ومع بيئتها المتغيرة عبر آلاف السنين. والبشر -بلا منازع- هم الأفضل في التدجين، الذي امتد ليشمل العديد من النباتات، والحيوانات مثل الكلاب والأغنام والدجاج والحشرات ووصل إلى المخلوقات المراوغة مثل النحل والببغاوات.

وطرأت تغيرات بيولوجية كثيرة على الحيوانات إبان أعمال تدجينها عبر مسار التعايش وتبادل المنافع والمصالح فصارت مختلفة عن أجدادها البرية التي انقرض بعضها نهائيا نتيجة لذلك. والآن، تنافس سمكة الدامسل ذات الزعانف الطويلة الإنسان في هذه الصفة الفريدة.

ويوضح روهان بروكر -عالم البيئة بجامعة ديكين (Deakin University) الأسترالية- أن هذه السمكة تدافع بقوة عن رقعة من الشعاب المرجانية حيث تزرع فيها الطحالب من أجل الغذاء، ضد جميع أنواع الروبيان باستثناء نوع واحد من روبيان مايسيد.

يقول بروكر في بيان صحفي لموقع أخبار جامعة "غريفيث" (Griffith University) الأسترالية، "أسراب روبيان مايسيد، التي تستفيد من الملجأ الوقائي الذي توفره سمكة الدامسل ذات الزعانف الطويلة، تسمّد مزارع الطحالب بمخلفاتها، وتحسن جودة الطحالب المستزرعة".

سمكة الدامسل تدافع بقوة عن رقعة من الشعاب المرجانية ضد جميع أنواع الروبيان باستثناء روبيان مايسيد (لازلو إيليس – ويكيبيديا)

علاقة متكافئة

وقدم الفريق مثلا عن كيفية تدجين الذئاب وتحويلها إلى كلاب من خلال الاقتراب من معسكرات البشر بحثا عن بقايا الطعام، قبل أن تصبح في النهاية رفقاء لنا وتحولت ببطء إلى الكلاب التي نعرفها اليوم.

ويجادل بعض الباحثين بأن التدجين يتطلب تغييرات جينية بين الكائنات البرية والمستأنسة، إضافة إلى تأثير مستدام متعدد الأجيال على التكاثر والعناية بالأنواع المستأنسة. لكن في هذه الحالة، لدى الباحثين بعض الأسباب الوجيهة لادعائهم بوجود حالة من التدجين بين روبيان "مايسيد" وأسماك "الدامسل".

وكتب الفريق البحثي بقيادة بروكر في ورقتهم البحثية الجديدة، "يشير وجود سمكة الدامسل ذات الزعانف الطويلة غير المرتبطة بروبيان مايسيد إلى أن هذه الأسماك تخلق مزارع لأغراض لا علاقة لها بتدجين روبيان مايسيد".

ومع ذلك، فإن عدم وجود هذا النوع خارج المزارع في موقع الدراسة، يشير إلى أن لديه اعتمادا إلزاميا على المزارع التي أنشأتها أسماك "الدامسل" للبقاء على قيد الحياة داخل هذه البيئة الغنية بالحيوانات المفترسة".

وهذا يعني أن سمكة "الدامسل" لا تحتاج إلى روبيان "مايسيد"، لكن الأخير هو الذي يحتاج إلى أسماك "الدامسل" لحمايته من الافتراس.

 "مزرعة" للطحالب العشبية والبنية (يمين)، وسرب من روبيان مايسيد (يسار) (نيتشر كوميونيكيشنز)

ليست الأولى

هذه ليست المرة الأولى التي نشهد فيها ممارسات تدجين في حيوانات أخرى غير البشر، فالحشرات مثل النمل والخنافس والنمل الأبيض جيدة جدا في زراعة أنواعها الفطرية المستأنسة، وفي حالة النمل القاطع للأوراق، هناك أيضا حشرات المن التي يحب النمل أكلها.

ويقول ويليام فيني -عالم البيئة من معهد أبحاث المستقبل البيئي بجامعة غريفيث- "يُعتقد عموما أن بقايا الطعام أو المأوى اجتذبت الحيوانات إلى البشر".

وينهي حديثه بقوله "لكن هذه الدراسة تسلط الضوء على الدور المهم الذي تلعبه الحماية من الحيوانات المفترسة أيضا في التدجين.. إنها تكشف عن رؤى رائعة في تدجين البشر، والتي يمكن اكتسابها من خلال فحص العلاقات بين الكائنات غير البشرية".







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي