وقف الحروب الأميركية التي لا تنتهي ستظل مسألة معقدة وغير واقعية

الامة برس-متابعات:
2020-12-15

طارق الشامي:على رغم إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب سحب المزيد من القوات الأميركية من العراق وأفغانستان تحت مسمى إنهاء الحروب التي تخوضها أميركا بلا نهاية، وعلى رغم تأكيد الرئيس المنتخب جو بايدن على نفس المبدأ وإن كان يختلف في الأسلوب والتوقيت، إلا أن جنرالات سابقين وخبراء أمنيين يعتقدون أن إنهاء الحروب التي لا نهاية لها تبدو مسألة معقدة وغير واقعية بالنظر إلى استمرار الأخطار التي تواجه الولايات المتحدة، وخصوصاً في الشرق الأوسط، واستمرار أولوية مكافحة الإرهاب على رأس الاستراتيجية الأميركية في أماكن مختلفة كالعراق وسوريا واليمن وإيران والصومال وأفغانستان.

واقع معقد

منذ أن تولى الرئيس ترمب منصبه، وعد مراراً بهزيمة تنظيم "داعش" وإنهاء حروب الولايات المتحدة التي لا نهاية لها، كما سعت إدارته إلى إعطاء الأولوية لمنافسة القوى العظمى مثل الصين وروسيا فوق مكافحة الإرهاب، لكن الواقع أثبت أن الأمر أكثر تعقيداً مما يُعتقد، نظراً لأن العديد من مناطق الصراع القديمة ظلت مضطربة بالقدر نفسه.

وبينما أشرفت إدارة ترمب على تدمير "داعش" وإنهاء سيطرتها على أراض واسعة في العراق وسوريا ونجاح الغارة التي قامت بها قوات العمليات الخاصة الأميركية بقتل زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي، إلا أن فلول الجماعة لا تزال نشطة في عدة دول، كما لا يزال الجيش الأميركي بعد أربع سنوات من تعهد ترمب بإعادة القوات إلى الوطن، منخرطاً في كثير من النقاط الملتهبة حول العالم مثل اليمن وأفغانستان والعراق وسوريا والصومال وغيرها من النقاط الساخنة التي تتواصل فيها عمليات إرهابية.

وضع مشابه

ويبدو أن بايدن سيواجه وضعاً مشابهاً وضغوطاً سياسية أثناء توليه رئاسة البيت الأبيض، فمثلما تعهد ترمب في السابق، فعل بايدن الأمر نفسه، حيث قال إن الوقت قد حان لإنهاء الحروب المستمرة إلى الأبد، في إشارة إلى العمليات العسكرية التي دامت 19 عاماً والتي بدأت في أعقاب الهجمات الإرهابية على نيويورك وواشنطن في الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) عام 2001، وهي الحروب التي أسفرت عن مقتل الآلاف من عناصر القوات الأميركية والعديد من المدنيين وأنفقت خلالها تريليونات الدولارات التي أثقلت كاهل الاقتصاد الأميركي.

مكافحة الإرهاب مستمرة

لكن الفارق الوحيد بين ترمب وبايدن أن الأخير أشار إلى أن إنهاء الحروب لا يعني وقف جميع عمليات مكافحة الإرهاب في الخارج، ففي مقال كتبه في مجلة "فورين أفيرز" الربيع الماضي، اعترف نائب الرئيس الأميركي السابق حين كان لا يزال مرشحاً للانتخابات الرئاسية، بأن الولايات المتحدة يجب أن تواصل عمليات مكافحة الإرهاب في جميع أنحاء العالم وفي الداخل الأميركي، خصوصاً مكافحة عمليات الإرهاب في الشرق الأوسط، على الرغم من أن البقاء في صراعات لا يمكن الانتصار فيها يستنزف قدرة الولايات المتحدة على قيادة العالم في قضايا أخرى تتطلب الاهتمام، ويمنع واشنطن من إعادة بناء أدوات القوة الأميركية الأخرى.

وضع حساس في أفغانستان

وعلى بايدن أن يحسم كيفية التعامل مع عدد من الملفات الشائكة، ففي أفغانستان على سبيل المثال، ينبغي أن يقرر كيفية التعاطي مع وضع حساس وقع فيه ترمب اتفاقاً مع حركة طالبان يدعو إلى خروج جميع القوات الأميركية من البلاد بحلول مايو (أيار) المقبل.

وفي حين أكد مسؤولو وزارة الدفاع الأميركية البنتاغون أن تنفيذ الاتفاقية سيتوقف على الظروف الموجودة على الأرض حينذاك، سارع ترمب إلى الإعلان عن خطط لخفض عدد القوات الأميركية في أفغانستان إلى 2500 مع نهاية فترة ولايته، متجاوزاً بذلك مخاوف كبار القادة الأميركيين ووزير الدفاع السابق مارك إسبر وكثير من الباحثين الذين حذروا من تعريض حياة بقية القوات الأميركية هناك للخطر، وإمكانية الإضرار بالقوات الحكومية الأفغانية التي لم تصل إلى اتفاق سلام بعد مع طالبان.

مواجهة إيران في العراق

وفي العراق، لا يبدو الأمر يسيراً على نحو واضح، فعلى رغم الموافقة السياسية من البيت الأبيض والحكومة العراقية، والتأييد العسكري من البنتاغون على احتفاظ الولايات المتحدة بقوات عسكرية لتدريب القوات العراقية ومراقبة أي عودة محتملة لـ "داعش"، إلا أن الوضع يبدو شديد التعقيد بسبب النفوذ الإيراني في العراق واستمرار إطلاق الميليشيات العميلة لها صواريخ على مواقع عسكرية أميركية على نحو متكرر. وما يزيد من تعقيد المشهد، تحسب الولايات المتحدة لانتقام إيران بعد مقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني بطائرة أميركية مسيرة في يناير (كانون الثاني) الماضي، نتيجة مساهماته في قتل المئات من الجنود الأميركيين في الماضي.

سوريا ومناطق أخرى

وفي شمال شرقي سوريا، أبقت الولايات المتحدة على وجود ألف جندي أميركي منتشرين هناك بهدف حماية حقول النفط في هذه المنطقة من عودة "داعش" بحسب وصف الإدارة الأميركية، لكن الوضع في المنطقة مُعقد للغاية بسبب وجود قوى تدعم النظام السوري هناك، بما في ذلك القوات التابعة لروسيا، فضلاً عن انتشار القوات التركية التي تدعم فصائل إسلامية بعضها متطرف في المنطقة ذاتها أيضاً، وعلاوة على ذلك، لا تزال قوات العمليات الخاصة الأميركية موجودة بأعداد صغيرة في كل من الصومال واليمن وغرب أفريقيا.

تقييم المخاطر

ويدعو متخصصون أمنيون، الرئيس المنتخب إلى تقييم المخاطر، والتهديدات التي قد تواجه الجنود الأميركيين، وما إذا كانت تنسجم مع استراتيجية الولايات المتحدة للأمن القومي قبل اتخاذ قرار نهائي حول حجم وعديد القوات اللازم لأي مهمة مستقبلية، بعدما أدت قرارات متسرعة سابقة إلى ترك الوحدات الأميركية من دون دعم كاف، ما سمح بسقوط قتلى بين صفوف القوات الأميركية.

ويرى متخصصون في مكافحة الإرهاب أن فكرة تركيز الولايات المتحدة بدرجة أقل على مكافحة الإرهاب وبدرجة أكثر على قضايا أخرى هي فرضية خاطئة، فعلى سبيل المثال، اضطر إلى شن عمليات عسكرية مرة أخرى في العراق ضد "داعش" عام 2014 بعد أقل من ثلاث سنوات فقط على انسحاب الجيش الأميركي من هناك.

إعادة التوازن

ويؤكد هؤلاء ضرورة إعادة التوازن في منطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص في مواجهة الأخطار المستمرة في هذه المنطقة الحيوية من العالم، ذلك أن المعادلة هناك تبدو إلى حد كبير "معادلة صفرية" بين الولايات المتحدة الأميركية والقوى الإرهابية الأخرى، سواء كانت مدعومة من إيران أو أي طرف آخر حيث يربح الفائز كل شيء ويخسر المنهزم كل شيء. وعلى رغم تفهم متخصصين في مكافحة الإرهاب وعدد كبير من الباحثين في العاصمة الأميركية لمدى جاذبية فكرة إنهاء الحروب الأميركية التي لا تنتهي وأهمية إعطاء أولوية عسكرية ومالية للقوات الأميركية في مواجهة قوى عظمى أخرى مثل الصين وروسيا، إلا أنهم يرون أنها فكرة غير واقعية تماماً، ولا يتوقعون لها إن سارت نحو التنفيذ أن تنجح أو أن تدوم، ولهذا السبب يحذرون من عواقبها المحتملة على المصالح الأميركية في المنطقة وعلى الأمن القومي الأميركي بصفة عامة.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي