ميدل إيست آي: لماذا عادت تركيا إلى القوقاز بعد 100 عام؟

2020-12-12

خلال الحرب الأخيرة في إقليم ناغورني قره باغ المتنازع عليه، وضعت تركيا وأذربيجان خلافاتهما جانبا، سعيا لتحقيق نصر عسكري على أرمينيا، الأمر الذي أنتج تحولا جيوسياسيا كبيرا لصالح تركيا.

تمكنت أذربيجان من هزيمة القوات الأرمينية في الإقليم خلال 44 يوما، وأصبحت تركيا بذلك أحد اللاعبين الأساسيين في القوقاز.

بهذه المقدمة لخّص موقع "ميدل إيست آي" (Middle East Eye) البريطاني تقريرا مطولا أعده رجب سويلو، مراسل الموقع في تركيا، حاول الإجابة عن جملة من الأسئلة المتعلقة بالموقف التركي الداعم لأذربيجان ودلالة توقيت عودة النفوذ التركي بمنطقة القوقاز بعد مرور 100 عام من سيطرة الجيش العثماني على باكو.

عودة

يقول سويلو إنه عندما أطل الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف من شاشة التلفزيون الشهر الماضي ليعلن بفرح عن وقف إطلاق النار في إقليم ناغورني قره باغ، كانت عبارات الشكر لأنقرة أول ما تلفظ به الرئيس المنتصر.

بُعيد الخطاب، تدفق الأذريون إلى الشوارع حاملين الأعلام التركية والأذربيجانية وهم يرددون هتافات تشيد بأنقرة.

وبعد يومين من خطاب علييف المذكور آنفا، وجه أعضاء بارزون في المعارضة الأذربيجانية رسالة مفتوحة إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، متجاهلين علييف، تدعو تركيا إلى نشر قوات دائمة في مدينة شوشة في ناغورني قره باغ، والتي استولت عليها باكو مؤخرًا، لحماية المنطقة من تهديد روسي محتمل.

كما وقف أردوغان إلى جانب علييف خلال عرض عسكري الخميس الماضي، احتفالًا بالنصر في صراع شابته انتهاكات مروعة لحقوق الإنسان من قبل الجانبين وفقا للتقرير.

ويعلق المراسل بأن "ما حدث يمثل تغييرًا صارخًا ومفاجئًا في أذربيجان، قد لا تكون المشاعر الأخوية المتدفقة التي عبر عنها المواطنون في الشوارع، كافية لتخمين مداه. لقد عادت تركيا إلى أذربيجان بعد 100 عام من سيطرة الجيش العثماني على باكو".

الهام علييف

لماذا الآن؟

يقول مراسل ميدل إيست آي إن الرئيس الأذربيجاني، إلهام علييف، وصف المسؤولين الأتراك قبل 10 سنوات بـ"الكذب والغش والخيانة" إثر سعي أنقرة إلى تطبيع العلاقات مع أرمينيا، وذلك خلال اجتماعات مع مسؤولين أميركيين كبار وفقًا لبرقيات دبلوماسية نشرها موقع ويكيليكس.

كما انتقدت الاحتجاجات التي خرجت في باكو حينها أنقرة لسعيها إلى التطبيع مع يريفان دون الحصول على أي مقابل لأذربيجان فيما يتعلق بإقليم ناغورني قره باغ.

ولكن الوضع مختلف جدا الآن، يقول سويلو، حيث أصبح علييف الآن يدعو أردوغان بالأخ الثقة، كما يحث الأذربيجانيون من مختلف الأطياف السياسية تركيا على إنشاء قواعد عسكرية في بلدهم.

بيد أن السؤال الذي ما فتئ الدبلوماسيون الأجانب يطرحونه سعيا منهم لفك رموز هذا التحول في الموقف هو "لماذا الآن؟".

للإجابة عن هذا السؤال، ينقل التقرير عن مسؤول تركي كبير تحدث شريطة عدم الكشف عن اسمه القول إن تدخل تركيا حدث "لأن أذربيجان طلبت المساعدة" ويضيف "الأمر بهذه السهولة. لا توجد مؤامرة أوسع".

ويشير سويلو في تقريره إلى أن اشتباكات عديدة متفرقة ما فتئت تثور من حين لآخر منذ احتلال القوات الأرمينية إقليم ناغورني قره باغ و7 مناطق أذربيجانية مجاورة له عام 1994، كان آخرها في يوليو/تموز عام 2016. وظل الصراع على الإقليم المتنازع عليه مجمدا منذ ذلك الوقت إلى أن قررت أنقرة التدخل.

وقال إن مسؤولين أتراكا سبق وصرحوا في مقابلات مختلفة مع موقع "ميدل إيست آي" بأن عملية السلام التي تديرها مجموعة "مينسك" الدولية برئاسة فرنسا وروسيا والولايات المتحدة كانت عديمة الجدوى على مدار الـ30 عاما الماضية، وأن الوقت قد حان لاتباع نهج جديد لحل النزاع في الإقليم.

وأنشئت مجموعة مينسك، التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا عام 1992، لإيجاد حل سلمي للنزاع على إقليم ناغورني قره باغ بين أذربيجان وأرمينيا، لكن البعض يتهمها بالعجز عن إنتاج حلول عملية للنزاع، رغم مرور 28 عاما على تأسيسها.

ويشير التقرير أيضا إلى الروابط العرقية الوثيقة التي تجمع تركيا وأذربيجان، بصفتها عاملا مهما في قرار أنقرة مساعدة باكو في حربها الأخيرة، حيث يتحدث الشعبان اللغة نفسها ولديهما تاريخ مشترك عريق، وهو ما لفت إليه المسؤول التركي الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، إذ تساءل مستنكرا "هل من الغريب أننا حاولنا مساعدة إخواننا؟!".

فراغ دبلوماسي

يذكر مراسل ميدل إيست آي أن المسؤولين الأتراك يسارعون إلى القول إنه بالرغم من أن الصراع في الإقليم المتنازع عليه حسم لصالح أنقرة وباكو، فإن أرمينيا هي التي أشعلت فتيل الحرب الأخيرة.

فقد هاجمت القوات الأرمينية منطقة غنجة الإستراتيجية شمال أذربيجان في يوليو/تموز الماضي، مما أسفر عن مقتل جنرال ومساعديه ممن دربتهم تركيا. وأعلنت وزارة الدفاع الأرمينية حينها أن الاشتباكات بدأت بعد أن حاولت القوات الأذربيجانية عبور الحدود بشكل غير قانوني.

وأورد الموقع رأي الدبلوماسي ماثيو بريزا، السفير الأميركي السابق لدى أذربيجان، الذي قال إن الهجوم، المذكور آنفا، خلّف فراغا دبلوماسيا في الصراع الأذربيجاني الأرميني، ما يشير إلى أن يريفان ستنتهج نهجا أكثر عدوانية.

وأضاف بريزا "كان من الواضح أن الولايات المتحدة وفرنسا لن تلعبا أي دور للتوسط في هذا التصعيد في العنف. لقد وقفت روسيا إلى جانب أرمينيا، ووقفت تركيا في الجانب الأذربيجاني".

ووصف سفير أميركا السابق في أذربيجان حديث رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان في أغسطس/آب عن معاهدة سيفرس، وهي تسوية عام 1920 كانت ستسلم شرق تركيا إلى أرمينيا، بأنه أمر مفاجئ وأحمق.

وقال "أعتقد أن ذلك أزعج الرئيس أردوغان وآخرين على رأس القيادة التركية. وكانت (احم نفسك) الرد الإستراتيجي من قبل تركيا".

ووفقا لأراستون أوروجلو، ضابط المخابرات الأذربيجاني السابق، فإن علييف غيّر مسار سياسته الخارجية، مشيرا إلى أن "الغرب قد نأى بنفسه في الوقت المناسب عن أذربيجان بسبب سياساته (علييف) الداخلية القمعية"، لذلك "كان عليه إجراء تصحيح للمسار في عام 2015. وكان علييف يوازن بين روسيا والدعم الغربي. وهو الآن بحاجة إلى تركيا للقيام بذلك".

خطر مشترك

ويرى جيهون أسيروف، وهو صحفي أذربيجاني مستقل وخبير في شؤون القوقاز، أن هجوم يوليو/تموز على منطقة غنجة كان مقلقًا للغاية لأذربيجان ولتركيا أيضا.

وأضاف لقد "هاجمت القوات الأرمينية المنطقة التي يوجد بها ممر للطاقة مع خط أنابيب نفط باكو – تبيليسي – جيهان، وخط أنابيب غاز تاناب، وخط سكة حديد باكو – تبيليسي – كارس، وهو شريان الحياة لباكو وخط طاقة وتجارة مهم لتركيا".

وقد أدى الهجوم إلى خروج أعداد غفيرة من المتظاهرين إلى شوارع باكو للمطالبة بالثأر واقتحمت جموع المحتجين البرلمان ورفعت الأعلام التركية في ساحات المدينة.

ويعلق أسيروف بالقول "لقد طلب الناس علنا مساعدة تركيا خلال الاحتجاجات".

أما جوباد إيباد أوغلو، السياسي الأذربيجاني والبروفسور في جامعة روتجرز الأميركية، فيرى أن الهجوم الأرميني كشف نقاط ضعف أذربيجان و"أظهر للجميع أننا بحاجة إلى تركيا لمواجهة التهديد الأرميني".







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي