الإسباني أوكودا.. رائد البوب آرت السريالي

2020-11-30

أعمال تحثّ على النظر في وضع الإنسان داخل المجتمعات الحديثة

أبو بكر العيادي

أوسكار سان ميغيل الشهير بأوكودا، الذي رأى النور في أواخر 1980 بمدينة سنتندر، هو رسام ونحات إسباني معاصر، عرف بأسلوبه القائم على موتيفات هندسية ملونة، تمثل حيوانات وجماجم وأيقونات دينية ووجوها بشرية، حاز شهرة عالمية بفضل رسومه الجدارية الضخمة في أماكن كثيرة من العالم كالمغرب ومالي وموزمبيق وجنوب أفريقيا وشيلي وبيرو والبرازيل والمكسيك وكندا والولايات المتحدة وأوكرانيا واليابان والصين والهند وروسيا وفرنسا وإيطاليا وبلجيكا وهولندا والبرتغال، حيث تغزو لوحاته الشوارع، وتثير إعجاب المقيمين والعابرين.

ينتمي أوكودا إلى “كشف النفس” وهي حركة ثقافة مضادة ظهرت في الستينات، وتقوم على التعبير عن العلاقة بين الحواس والأنشطة النفسية في ظرف فني، ذي صلة في الغالب بالمنشطات والمواد المستخلصة من بعض النباتات.

وقد ظهرت الحركة بالتوازي مع ظهور حركة الهيبي، وبلغت ذروتها في أواخر الستينات مع فناني الروك أمثال جيمي هندريكس، وفرق بينك فلويد، وغريتفول ديد، وذا دورس، وفي الأدب مع جاك كيرواك ووليم بوروز وألن جنزبرغ، وفي السينما مع كين كيسي، ودنّيس هوبر، وستانلي كوبريك. والغاية هي جعل الروح مرئية، جلية الحضور، من خلال تعاطي المنشطات والمستحضرات الكيميائية.

ولكنها استعملت في الفن التشكيلي كنعت لمن يمارس فنه بشكل سريالي أقرب إلى الهلوسة، كما هو الشأن مع أوكودا، هذا الذي يستعمل البخاخات لتلوين الجدران والمباني والكنائس والقطارات وحتى القصور المهملة، كما هي الحال مع قصر لا فاليت بمقاطعة لواري بفرنسا، يتولى تغطيتها على طريقته، أو تحويلها إلى لوحات فنية متعددة الألوان، فكان أن حاز بفضل أسلوبه الفريد هذا شهرة عالمية، أغرت شركات عديدة مثل بوما وبلاي ستاشيون ورالف لورين وأتاري بالتعامل معه.

بدأ أوكودا مسيرته الفنية عام 1997 برسوم غرافيتي على الجدران المحاذية للسكك الحديدية والمصانع المهجورة في مسقط رأسه. ثم استقر منذ عام 2000 في مدريد حيث واصل دراساته في الفنون الجميلة بجامعة كمبلوتنسي. أنجز أعماله الأولى في مرسمه، وساهم بها في معارض بنيويورك وبرلين ولندن وباريس، ثم مال إلى النحت فصار يعرض موتيفات هندسية ملونة، ومثلثة في الغالب، وهي التي عرف بها. تركّزت أعماله الأولى على الطيور والنجوم والنساء العاريات والجماجم والوجوه، وقد رسم عدة شخوص آدمية باستعمال اللون الرمادي وتدرجاته.

لا تكاد تخلو عاصمة عالمية من بصمات أوكودا

انطلقت شهرته العالمية يوم طلى على طريقته الفضاء الداخلي لكنيسة مهجورة هي سانتا بربرا في يانيرا بأستورياس الإسبانية، بعد أن اشتراها بعض الخواص وحوّلوها إلى منْتزه تزلّج، وصارت تعرف باسم معبد كاوس، يأتيه الأوفياء للتعبّد وممارسة هواية التزلّج في الوقت نفسه.

أنتج بعد ذلك منحوتات ثلاثية الأبعاد تمثل رؤوس حيوانات من ألياف الزجاج وهي تحمل موتيفاته الهندسية الملونة ذات السّمات التي تميّز بها. كما تولى إنجاز رسوم جدارية على جدران كنيسة مهملة في مراكش. وقد اعتبرته مجلة “آرت غرافيتي” عام 2017 من أهم فناني الشوارع المعاصرين.

تتميز أعماله ببنى هندسية ومطبوعات متعدّدة الألوان يقع مزجها أحيانا بأجسام رمادية تمثل شخوصا بلا رأس، وحيوانات، ورؤوسا عملاقة، ومرجعيات دينية. صنّف نقاد الفن أسلوبه كسريالية “بوب” مع تأثر كبير بالفن المديني، أي فن الشوارع.

وفي أعمال أوكودا تأكيد على تناقضات الوجود، ومعنى الحياة والحرية الزائفة للرأسمالية وصراع الحداثة والجذور الإنسانية. له اهتمام منذ البداية بالبوب آرت والسينما والموضة، وعناية بالضوء واللون لدى الثقافات الأخرى، ما جعله يستفيد منها ويقحمها في أعماله.

كما استلهم من كبار الفنانين مآثرهم مثل حديقة الملذات لجيروم بوش، أو مونا ليزا ليوناردو دافينشي. ويعترف هو نفسه بمؤثرات أخرى فيذكر رينيه ماغريت، وماكس فوريست، وياوا كوساما، وتاكاشي موراكامي في الفن التشكيلي، وأليخاندرو يودوروفسكي، ومايكل غوندري، وليوس كاراكس، وتيري جيليام في السينما.

تبدو أعماله أحيانا متشعبة تشعبا يتبدّى في كثرة المتناقضات التي يعمل على ربطها بعضها ببعض بشكل متشابك، كجمعه بين المونوكروم وتفجّر الألوان، بين الإنسان والحيوان، الرأسمالية وإدانتها الراديكالية.

ومن هذه المواجهات الدائمة يوجّه أوكودا رسالة إنسانية، فالأجساد التي بلا هوية، والحيوانات التي بلا رؤوس، وكذلك الأشكال العضوية التي يقترحها هي رموز تحثّ على النظر والتأمّل في وضع الإنسان داخل المجتمعات الحديثة. ولكنها رسالة مضمرة، لأن حيوية الألوان وديناميكيتها تدفعان المشاهد إلى تعرّجات فكرية لا تبدو عميقة أول وهلة، ثم ما يلبث أن يكتشف أن مناهضة الرأسمالية، وإدانة التدمير البيئي، والمظاهر الخادعة حاضرة في مجمل أعماله.

لا تكاد تخلو عاصمة عالمية من بصمات أوكودا

يقول أوكودا “تميل أعمالي إلى إبراز الثنائيات، والمفاهيم المتعارضة التي تدعو إلى التفكير: الحرية والقمع، الفراغ والامتلاء، كل شيء ولا شيء، اللانهاية المنغلقة.. هي تتحدّث عن الحرية الزائفة للرأسمالية، عن الوجودية، عن الصراع بين الرأسمالية والطبيعة، بين الإنسان وجذوره.. بيني وبين نفسي في نهاية الأمر”.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي