التشكيلي المغربي عمر بوركبة يصنع التجريد بتقنيات مغايرة

2020-11-05

 التجربة التشكيلية الطويلة للفنان تقوده لبناء تصورات ورؤى تعبيرية، بمنجز تجريدي خارج عن المألوف

محمد البندوري*

يستند التشكيلي عمر بوركبة في منجزه الفني على صنع مساحات تجريدية وفق مواد متصلة بتصوراته، وخاصيات تشكيلية متفردة، وتقنيات مغايرة للمألوف.

فهو يبني الفضاء التجريدي بشكل مدروس يراعي فيه نوع الخامات، وأحجام المقاسات، التي غالبا ما تكون في الحجم الكبير، لينجز المادة التجريدية، ويوزعها في المساحة، حسبما تقتضيه التقنيات العالية والإضفاءات الجمالية، حين يسكب اللون المعاصر، ويبني الأشكال المتنوعة.

وهو منحى يسلكه لاعتبارات فنية متنوعة، تجعل أعماله تتوقف على مناحٍ متعددة القراءات.

فالتجربة التشكيلية الطويلة للفنان تقوده لبناء تصورات ورؤى تعبيرية، بمنجز تجريدي خارج عن المألوف، حيث تتبدى أعماله نتاجا جديدا، يعبّر عن معان ذهنية ورؤى فكرية في مساحات تجريدية، تُسائل وحدة الموضوع، لتُنتج الدلالات المتعددة، لذلك فالخطاب التشكيلي في أعمال الفنان عمر بوركبة، ينبني على الرؤية المسعفة في تأمل المادة التجريدية، من زاوية إدماج الشكل واللون والرموز والعلامات في المشهد الواحد، لذلك فالصورة التشكيلية التجريدية لديه تكتسي وظيفة بنائية ودلالية تنسجم مع التشكيلات الجديدة المعاصرة.

بوصفها توجها نحو تذويب الفروق بين مختلف المفردات والعناصر في الشكل التجريدي. ليتبدى الاجتهاد في منجزه من خلال الاستعمال الموحد للشكل على ألوان فارقة، وعلامات ضوئية، وأشكال نوعية؛ يوظفها بتقنيات عالية، وبأسلوب تجريدي غير معتاد، وبدقة بنائية مكتملة المعالم، وهو ما يظهر في العديد من المعاني والدلالات، ويتبدى أيقونا تجريديا يعتمد تفسيرا منطقيا لهذه المظاهر اللونية والعلاماتية الحمالة لأوجه من الإيحاءات والتعابير والمغازي والدلالات في فضاء مفتوح.

 يصنع من خلاله مساحات تعبيرية، يصيغها من المونوكروم أحيانا ومن الضربات اللونية ومن الطلاء الصباغي واللطخات العائمة أحيانا أخرى، ومن الخطوط المتعرجة والأشكال الشاذة الملتوية، بالنسب القائمة؛ مواد رمزية وعلاماتية، يعمد من خلالها إلى تشكيل روابط علائقية، يكثّف بها المسلك التكويني، وهي تتراءى بين حزمة من الكتل والرموز والعلامات والأشكال الملتوية، فيُنتج من خلال عملية البناء توليفا بين مختلف العناصر التشكيلية والمفردات الفنية.

وهو ضمنيا يلجأ إلى تشكيل صور تجريدية واضحة المعالم، يُركز من خلالها على التتابعات الفنية في تحولاتها المرتبطة بالظواهر الفنية والتعبيرية التي يبرزها الأسلوب التجريدي المعاصر، يُمررها وفق تقنياته العالية ومهاراته الكبيرة ومؤهلاته الفنية الرائقة، وخبرته التشكيلية التي راكمها منذ عقود من الزمن. فهو يبرز قيمة اللون في الفضاء ويثبت الجماليات التجريدية، ويحولها من مختلف العمليات الإبداعية، ليُقاربها بالمادة التشكيلية، في نطاقها الفني والثقافي.

إنه مسلك صادق يحمل في طياته مفاهيم ذات مغاز عميقة، ودلالات متعددة. وبذلك فإن الفنان عمر بوركبة يتخطى ببراعة التجريد الكلاسيكي المألوف، إلى تجريد فني معاصر يروم معاني الفكر والثقافة والفن في أشكاله المتجددة.

وهو تجاوز واضح لمجموعة من المفاهيم التي لم تعد قابلة لإعادة الصياغة في الوقت الحالي. إنه مشروع ذاتي للمبدع يتواشج مع التقنيات الفنية المعاصرة، وتقنيات الرفع ويعد نسيجا إبداعيا نوعيا تتحكم فيه رؤيته الفنية، وخبرته المتأصلة في وضع الأشكال والألوان والرموز والعلامات، وانتقاء الخامات، وتشكيل الضوء مع تدقيق الموازنة بين عملية التركيب ونسج الألوان وتوزيع المساحة، والاعتناء بقيم السطح، ما يجعل هذا الأسلوب التجريدي أسلوبا متجددا، يتخطى حدود التجريد العادي، إلى تجريد جديد معاصر، تتوزع فيه الأشكال التعبيرية النادرة والبؤر اللونية المتباينة، التي تغذيها المادة الفنية، والاستعمالات الموتيفية، والعلامات التنوعية، والتوظيفات الدلالية، وتكتنفه الطرائق التعبيرية، ليُرسي مادة تشكيلية دلالية في عمق التجريد المعاصر، ما يمنح أعماله جماليات تشكيلية متفردة، تُشكل مدرسة تجريدية معاصرة، لذلك فمنجزه التشكيلي المعاصر يدخل في سياق مشروع متكامل، يُشكل إنجازا تجريديا معاصرا متكامل البنية الفنية، يحمل مضامين عميقة، بخاصيات تشكيلية متفاعلة مع المنطق الجمالي والغايات الفنية البحثة.

إن أعماله تقوم على ملمس فني، وعلى نحو يرصد الجماليات التجريدية في طرح لسياقات المقومات التي تخرج بالمادة التشكيلية، إلى حيز وجودي يبرز المادة التشكيلية في شكل فني باجتهاد يستطيع على إثره إشراك الحس الشعوري والعنصر البصري للقارئ، بنوع من المهارة، والتوظيف التقني الدقيق؛ إذ يرتكز في توزيع المساحة بين الألوان والعلامات والرموز، والكتل والخطوط المشتبكة؛ على نهج الترجيع الموسيقي. ما يجعل المضامين تبقى مرتبطة بالشكل.

وتجعل المادة التشكيلية بجمالياتها المتنوعة تقوي الصفات الظاهرية لعالم الشكل داخل الفضاء. ولا شك في أن البؤر اللونية تسهم في صناعة المجال الجمالي، وتشكل ثقلا فنيا، يكسب العمل الفني حيويته وعلوه في صفوة التشكيل العالمي المعاصر.

إنه أسلوبه الخاص في التعبير، ومشروعه التجريدي الإبداعي المتميز في الساحة التشكيلية العالمية، وفلسفته التي تلف منجزاته الفنية، التي تحظى بالتقدير في المنظومة التشكيلية محليا ودوليا، اعتبارا لمجهوداته وتقنياته الهائلة لمزج هذه الفلسفة بمكونات أعماله التي ترقى إلى الإبداع العالمي.

 

  • كاتب مغربي

 

 







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي